تستمر عمليات جهاز مكافحة الإرهاب في البحث عن الناشط المختطف سجاد العراقي في محافظة ذي قار دون نتائج تذكر، في وقت صعدت فيه تلك القضية من وتيرة المواجهة بين رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي والجماعات المسلحة، فيما يرى مراقبون أن تلك الجماعات حاولت جر القوات الأمنية إلى مواجهة جانبية مع العشائر، ربما للتشويش عن الأطراف الرئيسة المتورطة.
مواجهة جانبية
وبعد فشل قوات الأمن المحلية في تحرير الناشط المختطف، وجه رئيس الوزراء جهاز مكافحة الإرهاب بإدارة عمليات البحث والتفتيش عن العراقي.
ومع انطلاق عمليات التفتيش في قضاء “سيد دخيل”، وقيام جهاز مكافحة الإرهاب بمداهمة بيت أحد شيوخ العشائر فيها، قامت منصات إعلامية تابعة لفصائل مسلحة مقربة من إيران، بشن هجوم واسع على الحكومة العراقية وجهاز مكافحة الإرهاب، في محاولة كما يبدو لتأجيج الصراع بين الحكومة والعشائر.
وأثارت مداهمة قوة من جهاز مكافحة الإرهاب قضاء “سيد دخيل” الذي ترجح المعلومات وجود العراقي فيه، غضب شيخ “عشيرة العساكرة” بعد مداهمة منزله ومنازل أخرى في القضاء، حيث أصدرت العشيرة بياناً طالبت فيه بانسحاب القطعات العسكرية التي تتولى مهمة البحث عن الناشط المختطف، وتقديم اعتذار رسمي لها، فيما هددت باتخاذ خطوات تصعيدية. إلا أن نجل شيخ العشيرة قال، إن الموضوع انتهى بعد تلقيه اتصالات من سياسيين.
ويتهم ناشطون في محافظة ذي قار، مجموعة على ارتباط بمنظمة “بدر” التي يتزعمها رئيس تحالف “الفتح” هادي العامري، بالوقوف خلف عملية الاختطاف، فيما أشاروا إلى أن العناصر المتورطة بعملية الاختطاف من عشيرة الإبراهيمي وتحديداً في قرية (الهصاصرة).
في غضون ذلك، هاجم القيادي في حركة “عصائب أهل الحق” جواد الطلباوي، رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، متهماً إياه بـ”ترويع أبناء العشائر واستعراض القوة عبر جهاز مكافحة الإرهاب”.
“إحداث الفتنة”
ويرى مراقبون أن الفصائل المسلحة لن تتوقف عن عمليات الترهيب، ما دامت تستطيع إحراج الحكومة في كل مرة والإفلات من العقاب، حتى مع تشخيص متهمين على صلة مباشرة بتلك الفصائل، وهو ما يشير له الصحافي أحمد الزبيدي.
ويقول الزبيدي، إن “تلك الفصائل ستواصل عملياتها التي تهدف إلى تصفية الخصوم قبيل الانتخابات المقبلة، وتحصين مواردها المالية ونفوذها، وتنجح في كل مرة بتجنب أي رد محتمل تحت غطاء الحشد الشعبي أو العشائر، مستعينة بالجيوش الإلكترونية الولائية”.
أما رئيس المجموعة المستقلة للأبحاث منقذ داغر، فيرى أن غاية الفصائل المسلحة من جر القضية إلى صدام مع العشائر هي “إحداث فتنة داخلية”، مبيناً أن “تلك الجماعات تحاول منذ وصول الكاظمي للسلطة أن تفقده تأييد الشارع العراقي الذي يعد الرافعة الرئيسة التي أتت به للمنصب”.
ويضيف لـ”اندبندنت عربية” “جر القوات الأمنية إلى مواجهة مع العشائر يشكل خطراً على هيبة الدولة وقوتها وإمكانياتها بضبط القانون”، مستدركاً أن “عدم حسم ملف المختطف سيزيد من الغضب الشعبي على الفصائل المسلحة، لكنه سيأخذ كثيراً من جرف الكاظمي”.
ويلفت داغر، إلى أن تلك الفصائل تحاول “عزل نفوذ الحكومة عن المحافظات الجنوبية، مما يسهل على طهران السيطرة عليها بشكل أكبر”، مشيراً إلى أن “التأخر في حسم المواجهة مع قوى اللادولة سواء كانت بعض العشائر أو الفصائل، قد يؤدي إلى خسارة الكاظمي حالة التأييد الشعبي”.
أمن مخترق
ويعزو ناشطون الفشل في تحرير العراقي إلى التأخر في الإجراءات الأمنية، خصوصاً مع تعرف الجهات الأمنية على المتورطين ومكان الاختطاف في الساعات الأولى للعملية، مرجحين أن يكون اختراق الفصائل لقوات الأمن السبب الرئيس في تهاونها عن حسم هذا الملف.
ويقول الناشط حسين الغرابي، وهو أحد المقربين من المختطف، إن “خضوع المناصب الأمنية في المحافظة للمحاصصة، جعلها مخترقة من قبل الفصائل المسلحة، مما أدى إلى التهاون في حسم قضية اختطاف العراقي”.
ويكشف الغرابي، عن قيام بعض الجهات الأمنية في المحافظة بـ”إيهام جهاز مكافحة الإرهاب بمعلومات مغلوطة لجره إلى مواجهة مع العشائر”.
ويشير إلى أن “عدم إحكام القوات الأمنية سيطرتها على منطقة سيد دخيل، وتركها العديد من الثغرات من بينها الطريق المؤدي إلى محافظة ميسان، ربما أدى إلى نقل المخطوف إلى مكان آخر”، مبيناً أن “إعلان قائد الشرطة عن معرفته بالجهة الخاطفة ومكان تواجدها ربما دفع المتورطين لنقل المختطف إلى مكان آخر”.
إرادة سياسية خلف عمليات الخطف والاغتيال
ويشير الباحث في الشأن السياسي أحمد الشريفي، إلى عدة احتمالات ربما تقف خلف عدم جدية حكومة الكاظمي في حسم ملف السلاح المنفلت، تتلخص في إمكانية أن يكون هناك “اتفاق مبطن بين الكاظمي والجهات السياسية الداعمة للفصائل المسلحة، أو أنه يخشى الصدام مع تلك الأطراف”، لافتاً إلى أن “كل تلك السيناريوهات تخالف توجيهات المرجعية الأخيرة”.
ويضيف لـ”اندبندنت عربية” “كان على الكاظمي الحذر من محاولات استدراج المؤسسات الرسمية لصدام مع العشائر، مع علمه أن عمليات الاختطاف والاغتيال تقف خلفها إرادات سياسية”، مردفاً “من المفترض أن تشخص الجهة المسؤولة عن الاختطاف وإرغامها على إخراجه”.
ويلفت إلى أن “إدراك المرجعية لاحتمالات أن يكون الكاظمي قد عقد تسوية أو أنه يخشى ويجامل الأحزاب، هو الذي دفعها للتصريح علناً وإعطائه تفويضاً بهذا السياق”، مبيناً أن “عدم تنفيذ شرط المرجعية سيؤزم من موقف الحكومة ويعطي تفويضاً للمجتمع الدولي بإجراء التغييرات”.
بعد بيان الصدر… الحشد يتبرأ من “مطلقي الصواريخ”
وتعد تلك القضية الأولى في سلسلة عمليات الاغتيال والاختطاف، التي يتم تشخيص متهمين بها بشكل واضح وصريح ينتمون إلى “الحشد الشعبي”، وهو ما دعا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إلى مخاطبة تلك الفصائل لإيقاف تلك العمليات وتنظيف صفوفها من تلك العناصر.
وقال الصدر في تغريدة على “تويتر” إن “ما يحدث من قصف واغتيالات من بعض المنتمين لـ(الحشد الشعبي) وإن كنتم غير راضين عنه إلا أن هذا لا يكفي؛ بل لا بد من السعي بالحكمة والتروي إلى إنهاء جعل العراق ساحة لصراع الآخرين، ولنسع معاً لاستقلال العراق وسيادته وسلامة أمنه وإلا ضاع العراق من بين أيدينا”.
وأشار إلى أن، ما تقوم به بعض الفصائل المنتمية إلى الحشد الشعبي فيه إضعاف للعراق وشعبه ودولته، وتقوية للقوى الخارجية وعلى رأسها الولايات المتحدة.
وجدد المطالبة بـ”عدم التدخل بشؤون العراق الداخلية من جميع الأطراف، كما نؤكد السلمية في شتى التعاملات، فما عاد العراق يتحمل المزيد من العنف والحروب والصدامات والصراعات السياسية والشغب.”
وفي تجاوب سريع، أكدت هيئة الحشد الشعبي، الخميس، التزامها بكافة الأوامر التي تصدر عن القائد العام للقوات المسلحة، وتمارس عملها وفق السياقات والقوانين التي تسري على المؤسسات الأمنية العراقية كافة، فيما أشارت إلى أنها غير معنية بأي صراعات سياسية أو أحداث داخلية تجري في البلد.
وأعلنت الهيئة في بيان، عدم مسؤوليتها عمن سمتها “جهات تستخدم اسم الحشد لأغراض التشويه والتسقيط والقيام بعمليات مشبوهة ونشاط عسكري غير قانوني يستهدف مصالح أجنبية أو مدنية وطنية لا تنسجم مع ثوابت الدولة، وقد أعلن مراراً وعبر مواقف رسمية براءته الكاملة منها”، محذرة من محاولات “أطراف داخلية وخارجية لزجه بذلك”.
وسبق بيان الهيئة، إعلان تحالف “الفتح” رفضه استهداف البعثات الدبلوماسية في العراق، واصفاً تلك الأعمال بأنها “إضعاف للدولة وضرب لهيبتها، وهو أمر مرفوض ويؤدي إلى نتائج خطيرة”. فيما دعا التحالف، القضاء والأجهزة الأمنية إلى “إنهاء مسلسل الخطف والاغتيالات وإثارة الرعب بين الناس والذي تقف خلفه أياد آثمة تريد إثارة الفوضى وخلط الأوراق”.
وكانت هيئة الحشد الشعبي أعلنت إقالة قائدين بارزين فيها، في 24 سبتمبر (أيلول)، فيما لم توضح أسباب الإقالة.
وتضمنت القرارات إعفاء حامد الجزائري من مهام آمر اللواء 18 في الحشد، وتكليف أحمد محسن مهدي الياسري بدلاً عنه، ونص القرار الآخر على إعفاء وعد القدو من مهام آمر اللواء 30 في الحشد، وتكليف زين العابدين جميل خضر بدلاً عنه.
شعور باليأس
ويستعيد ناشطون فشل الحكومة من اتخاذ إجراءات حقيقية في كل المواجهات السابقة مع الفصائل المسلحة، مشيرين إلى أن فشل الكاظمي في إدارة تلك الأزمات زاد حالة اليأس لدى ناشطي الاحتجاجات من إمكانية أن تتخذ الجهات الرسمية خطوات حقيقية في محاسبة المتورطين بعمليات اغتيال وخطف.
ويرى الناشط حيدر المرواني، أن حادثة اختطاف سجاد العراقي “ترسخ لدى الناشطين عجز حكومة الكاظمي عن توفير الأمن لهم أو محاسبة الجماعات المتورطة بحوادث الخطف”، مشيراً إلى أن “الخسارات المتكررة للدولة مقابل الفصائل المسلحة، أسهمت بشكل كبير في إبعاد حكومة الكاظمي عن أجواء انتفاضة تشرين، لأنها لم تستطع توفير الحد الأدنى من الحماية لهم”.
ويضيف لـ”اندبندنت عربية” “أن عدم حسم هذا الملف، جعل دعاة اللادولة ينجحون في جر دعاة الدولة للاستعانة برجال دين بعد يأسهم من إجراءات الحكومة”، مبيناً أن “مطالبات الناشطين بتدخل مباشر من المرجع السيستاني قد تتصاعد في الفترة المقبلة”.
أحمد السهيل
اندبندت عربي