واشنطن – أعادت جماعة الإخوان المسلمين، من خلال ممثليها في الولايات المتحدة، ربط شبكة علاقاتها مع الحزب الديمقراطي، ونجحت في الوصول إلى جو بايدن، مرشح الحزب إلى الانتخابات الرئاسية القادمة، ما يفتح الباب أمام فرضية تحالف جديد للإخوان مع الديمقراطيين في الشرق الأوسط وتوظيف أذرع الجماعة كأوراق ضغط وتحصيل مكاسب للإدارة الأميركية القادمة في ما لو فاز بادين، في استنساخ لتعاونهم مع الرئيس السابق باراك أوباما.
وألقى جو بايدن كلمة أمام المؤتمر السنوي السابع والخمسين للجمعية الإسلامية لأميركا الشمالية “إسنا”، وهو فرع قديم تابع لجماعة الإخوان المسلمين في الولايات المتحدة.
وتفتخر “إسنا” بهذه الكلمة، إذ كانت المرة الأولى التي تحدث فيها مرشح رئاسي قبل المؤتمر. وأشرف زكي برزنجي على تقديم بايدن للجمهور. وزكي هو حفيد جمال برزنجي الذي كان من مؤسسي إسنا.
وشكر بايدن في كلمته “إسنا” على دعمها وباعتبارها بوابة للاقتراب من مسلمي الولايات المتحدة، على الرغم من أن بيانات الاقتراع الوحيدة المتاحة ذكرت أنه عندما سُئلت عينة من المسلمين عما إذا كانت “إسنا” تمثل اهتماماتهم، كانت الردود الإيجابية من الرجال والنساء محدودة جدا.
ووعد بايدن بأن إدارته المحتملة ستعيّن “أميركيين مسلمين” في عدد من المناصب على مستويات مختلفة على الرغم من عدم قدرة حملته وإدارة أوباما السابقة “أو عدم استعدادهما على ما يبدو” للتدقيق في علاقات المعينين بجماعة الإخوان في أميركا.
وقال مراقبون إن جمعيات الإخوان، التي تتخفى تحت عناوين مختلفة، تحاول الحصول على ثقة الجهات الرسمية حتى تتحول إلى ممثل للجالية المسلمة، ما يمكّنها من الحصول على شرعية سياسية توظفها في ‘التمكين” بوجوهه المختلفة من خلال جمعيات خاصة بشؤون الجالية، وأخرى ثقافية ودعوية وخيرية في استعادة للنموذج البريطاني، حيث تسلل الإخوان من بوابة العمل التطوعي والخيري لتكوين إمبراطورية مالية كبرى، فضلا عن بناء مجتمع مواز تسبب مع عوامل أخرى في صعود اليمين المتطرف المعادي للمهاجرين.
ويحذر المراقبون من أن تسامح إدارة أميركية ديمقراطية قادمة مع أنشطة الإخوان سيفتح الباب أمام الاستقطاب الدعوي الإخواني للجالية وتكوين جمعيات شبابية وطلابية، ما يوفر أرضية خصبة للتشدد الفكري وإعادة الحرب على الإرهاب إلى نقطة الصفر من خلال السماح لجماعة الإخوان بالاستقطاب، وهي التي لعبت في الكثير من التجارب دور الحاضنة الفكرية والروحية للإرهاب.
وتعود علاقة بايدن مع “إسنا” إلى سنة 2013 عندما التقى نائب رئيس الولايات المتحدة آنذاك مع رئيس “إسنا”، الإمام محمد ماجد، وزعماء دينيين آخرين لمناقشة مسألة الحد من العنف المسلّح، ومواقفهم من العمليات التي تنفذها حركة حماس.
ونجحت “إسنا” في تحقيق إنجاز رئيسي في 2019 عندما حضر المرشحان الديمقراطيان للرئاسة بيرني ساندرز وجوليان كاسترو مؤتمرها السنوي، خاصة بعد أن نجحت في التمويه على مواقفها السابقة التي تدعم الحركات الأصولية في الشرق الأوسط، فضلا عن معاداة السامية.
وأطلقت “إسنا” مواقف رمادية تجعلها تتبرأ من الإرهاب وتنفي معاداة السامية، لكنها لا تدين العمليات الانتحارية والاغتيالات التي نفذتها حماس ضد الإسرائيليين. وهذا الخطاب المراوغ، نجح في إقناع إدارة أوباما التي اعتبرت أن “إسنا” “أعادت تأهيل نفسها”.
واستندت الإدارة السابقة إلى مواقف لـ”إسنا” تدين الإرهاب في المطلق، بدءا من بيان “إسنا” لسنة 2008. وذلك على الرغم من إنكارها التورط في قضية تمويل حركة حماس في الأراضي الفلسطينية، وإدانتها للإرهاب.
ولم ينجح خطاب “إسنا” ومراجعة مواقفها بشأن الإرهاب ومعاداة السامية سوى في إقناع إدارة أوباما، حيث قال مركز “ديلي ووتش” المتخصص بمراقبة نشاط الجمعيات الإسلامية المتشددة، إن “إسنا” بقيت كما كانت دائما، جزءا لا يتجزأ من جماعة الإخوان المسلمين.
وفي 2016 أشار تقرير “ديلي ووتش” إلى تعيين زكي برزنجي في منصب مسؤول الاتصال الجديد لإدارة أوباما مع المجتمع الأميركي المسلم في إطار مكتب البيت الأبيض للمشاركة العامة والشؤون الحكومية الدولية.
ونشط زكي برزنجي مع منظمات الإخوان المسلمين الأميركية بمن في ذلك الشباب المسلم في أميركا الشمالية (مينا) المرتبط بـ”إسنا”.
ووثق “ديلي ووتش” اجتماعات عديدة في البيت الأبيض شاركت فيها جماعة الإخوان المسلمين الأميركية خلال إدارة أوباما. ويبدو أن علاقة الإدارات الديمقراطية بالإخوان في الولايات المتحدة قد بدأت في 1996 عندما دعت هيلاري كلينتون قادة الجماعة في الولايات المتحدة لأول مرة إلى عشاء في البيت الأبيض، وهو ما يمكن أن يفسر العلاقة المتطورة للسيدة كلينتون بالإخوان خاصة بعد ما بات يعرف بثورات “الربيع العربي”.
ويميل متابعون للشأن الأميركي إلى أن العلاقة القوية، التي جمعت جو بايدن بـ”إسنا”، ومن ورائها جماعة الإخوان، قد تفتح الطريق أمام علاقات مميزة بين الطرفين فيما لو نجح المرشح الديمقراطي في الوصول إلى البيت الأبيض، وأن الأمر قد يؤثر على رؤية بايدن لما يجري في الشرق الأوسط، ما يضعه في مواجهة مع دول عربية مؤثرة في المنطقة في تكرار لأخطاء باراك أوباما.
العرب