تحريض تركي لأذربيجان يقوض الجهود الدولية للتهدئة مع أرمينيا

تحريض تركي لأذربيجان يقوض الجهود الدولية للتهدئة مع أرمينيا

ترسم الحماسة التركية في تحريض أذربيجان التي تخوض اشتباكات دامية مع جارتها أرمينيا، أجندات أنقرة في جنوب القوقاز، فالرئيس التركي رجب طيب أردوغان يرى في تغذية النزاع والدفع به نحو مواجهة عسكرية شاملة فرصة مواتية لتحقيق طموحاته الجيواستراتيجية في المنطقة وتصفية حساباته مع عدوته أرمينيا.

يريفان (أرمينيا)- سارع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الدخول على خط الاشتباكات بين أذربيجان وأرمينيا الأحد، قائلا إن بلاده “لن تدخر جهدا ولا سبيلا” في دعم حليفته باكو، في وقت تتالت فيه الدعوات الدولية إلى التهدئة والعودة إلى طاولة المفاوضات بين البلدين.

ولم يستغرب مراقبون الاندفاعة التركية لتغذية الأزمة في منطقة القوقاز التي تسعى أنقرة لتثبيت موطن قدم فيها لاعتبارات اقتصادية وجيوسياسية، حتى أن الرئيس التركي لمّح إلى إمكانية استخدام القوة العسكرية في دعم أذربيجان ضد أرمينيا.

وشذّ الموقف التركي الذي وصفه مراقبون بـ”التحريضي” عن بقية مواقف القوى الإقليمية والدولية الداعية إلى ضبط النفس ووقف فتيل التوتر، فيما يرى متابعون أن أنقرة التي أقحمت نفسها في الصراع بين الطرفين تستشعر بأن الفرصة سانحة لتوجيه ضربة إلى عدوتها التاريخية أرمينيا .

ودعا أردوغان الأحد مواطني أرمينيا إلى التمسك بمستقبلهم في مواجهة “قيادة تجرهم إلى كارثة ومن يستخدمونها كدمى” وأضاف أن تضامن أنقرة مع باكو “سيستمر ويزيد”.

وقال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار “العقبة الكبرى أمام السلام والاستقرار في القوقاز هي الموقف العدائي من جانب أرمينيا وعليها أن تكف فورا عن هذه العدائية التي ستلقي بالمنطقة في النار”. وأضاف أن أنقرة ستدعم باكو “بكل ما لديها من موارد”.

وبدت باكو ويريفان على وشك الانخراط في حرب بعدما اندلعت مواجهات عنيفة الأحد بين الجيش الأذري والانفصاليين الأرمن في منطقة ناغورني قره باغ أدت إلى سقوط عسكريين ومدنيين من الجانبين، بينهم طفل على الأقل.

وزادت أسوأ الاشتباكات منذ العام 2016 احتمال اندلاع حرب واسعة النطاق بين أذربيجان وأرمينيا اللتين انخرطتا على مدى عقود في نزاع للسيطرة على ناغورني قره باغ. ومن شأن اندلاع مواجهة من هذا النوع بين البلدين الجارين أن يدفع القوتان الإقليميتان روسيا وتركيا إلى التدخل.

ودعت كل من روسيا وفرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي إلى “وقف فوري لإطلاق النار”، فيما صلى البابا فرنسيس كي يسود السلام. وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع في أذربيجان آرتسرون هوفهانيسيان إنّ قتالا عنيفا اندلع على طول جبهة ناغورني قره باغ بعد ظهر الأحد.

وأعلنت أذربيجان أنّ قواتها دخلت سبـع قرى خـاضعة لسيطرة الأرمن خلال المواجهات ، وهو ما نـفته أرمينيا. وفي خطاب متلفز للأمة، تعهّد الرئيس الأذري إلهام علييف بالانتصار على القوات الأرمنية.

وأعلنت كل من أرمينيا ومنطقة ناغورني قره باغ الأحكام العرفية والتعبئة العامة، فيما أكدت يريفان أنها دمرت أربع طائرات هليكوبتر و15 طائرة مسيرة و10 دبابات لأذربيجان خلال الاشتباكات. وقال رئيس الوزراء الأرمني نيكول باشينيان “استعدوا للدفاع عن أرضنا المقدّسة”، متهما أذربيجان بـ”إعلان الحرب” على شعبه.

ودعا باشينيان المجتمع الدولي إلى ضمان عدم قيام تركيا بإقحام نفسها في الصراع بين بلاده وأذربيجان. وتابع “من شأن سلوك تركيا أن تكون له عواقب مدمرة على منطقة جنوب القوقاز والمناطق المحيطة”.

ودعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأحد، إلى وضع حد للمواجهات. وقال بوتين إثر اتصال هاتفي برئيس الوزراء الأرمني “من المهم بذل كل الجهود الضرورية لتجنب تصعيد المواجهة، لكن الأمر الأساسي هو وجوب وضع حد للمواجهات”.

ويتابع المجتمع الدولي بقلق التصعيد بين أرمينيا وأذربيجان وسط مخاوف من انعكاساته على منطقة القوقاز، في وقت عزز الانخراط التركي في هذا التوتر الإقليمي المخاطر من اندلاع مواجهة عسكرية واسعة.

وقال رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال إنّ “الأعمال العسكرية يجب أن تتوقف بشكل عاجل لمنع المزيد من التصعيد”، ودعا “إلى عودة فورية إلى المفاوضات دون شروط مسبّقة”.

وحث مراقبون سياسيون القوى العالمية إلى تكثيف المحادثات لوقف تطور النزاع. وأفادت أوليسيا فارتانيان من مجموعة الأزمات الدولية “نحن على بعد خطوة من حرب واسعة النطاق”.

وأضافت فارتانيان أن “أحد الأسباب الرئيسية للتصعيد الحالي هو عدم وجود أي وساطة دولية استباقية بين الجانبين لأسابيع”. وكتب ديمتري ترينين مدير مركز كارنيغي في موسكو على تويتر “الحرب تتواصل. حان الوقت لروسيا وفرنسا والولايات المتحدة بشكل فردي وجماعي لوقفها”.

ويذهب المحللون الأتراك الموالون لحزب العدالة والتنمية إلى تصوير دعم حكومتهم لأذربيجان ضد أرمينيا في إطار حماية مصالح البلاد الطاقية وحماية خط باكو – تركيا النفطي وأنظمة أنابيب الغاز، إلا أن العداء التاريخي بين الأتراك العثمانيين والأرمن أهم أسباب الدعم لباكو المناوئة لأرمينيا .

وتعود جذور الخلافات بين تركيا وأرمينيا إلى قضية إبادة الأرمن خلال الحقبة العثمانية، حيث ترفض أنقرة الاعتراف بوجود جرائم حرب ارتكبها العثمانيون وكان ضحيتها الأرمن. وتصنف 20 حكومة بينها حكومات فرنسا وألمانيا وروسيا رسميا قتل الأرمن في عهد الإمبراطورية العثمانية على أنه إبادة جماعية.

الموقف التركي الذي وصفه مراقبون بـ”التحريضي” شذّ عن بقية مواقف القوى الإقليمية والدولية الداعية إلى ضبط النفس ووقف فتيل التوتر

ودأبت تركيا على اتهام من يصف المجازر التي ارتكبت بحق الأرمن في الحرب العالمية الأولى بأنها إبادة جماعية بالتآمر ضدها. واتهم رئيس قره باغ هاروتيونيان أنقرة بإرسال مرتزقة إلى أذربيجان. وقال “لدينا معلومات تفيد بأنه تم إرسال مرتزقة من تركيا ودول أخرى جوا إلى أذربيجان. الجيش التركي في حالة استعداد في أذربيجان تحت ذريعة التدريبات العسكرية”.

وفي وقت سابق، نقلت وسائل إعلام عربية عن مصادر في مدينة عفرين التي تحتلها تركيا شمالي سوريا قولها إن المخابرات التركية بدأت بتسجيل أسماء المرتزقة وخاصة مرتزقة الفصائل التركمانية لزجهم في أذربيجان لقتال الأرمن.

وكشفت المصادر عن وجود تجمعات في مركز المرتزقة التركمان في مركز مدينة عفرين حيث “جاءت عدة عربات مصفحة من نوع جيب يستقلها مسؤولون أتراك كبار المستوى مع حراسة شديدة”.

وقالت المصادر إن مسؤولي المخابرات التركية أجروا مناقشات مع عدد من العناصر المرتزقة، واتضح أنهم جاؤوا لتسجيل أسماء مرتزقة تركمان للزج بهم في الصراع الحدودي بين أذربيجان وأرمينيا.

العرب