بينما يحظى الاشتباك العسكري بين أذربيجان وأرمينيا باهتمام إقليمي كبير فإن هناك قضية أخرى تشكل تهديدا كبيرا لأسواق الطاقة، في ظل احتدام الصراع حول بحر قزوين.
فما انعكاسات ذلك على المصالح الاقتصادية التركية من جهة، ومصالح طرفي النزاع من جهة أخرى؟ وما هو حجم النفط وأنابيب الغاز التي توجد بمناطق الصراع؟
قد تؤدي زيادة الأعمال العسكرية على كلا الجانبين إلى تفاقم الخطر على النفط الإقليمي الحالي والبنية التحتية للغاز، كما ستتضرر تركيا بشدة حال تصاعد الصراع، لأنها تعتمد بشكل كبير على النفط والغاز من تلك المنطقة.
وفي هذا الصدد، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن أنقرة لن تتردد أبدا في التصدي للهجوم على حقوق وأراضي أذربيجان، مرجحا وجود مؤامرة أوسع نطاقا وراء القتال الأخير فيها.
وصرحت عضوة البرلمان الأذري غانيرة باشاييفا لوكالة الأناضول بأن أرمينيا تسعى من خلال الهجمات التي تنفذها بين الفينة والأخرى للسيطرة على بعض المرتفعات الإستراتيجية التي تجعل مشاريع الطاقة والنقل التركية الأذرية المشتركة بالمنطقة في مرمى نيرانها.
وذكر إلشاد ناصروف نائب رئيس شركة الطاقة الوطنية الأذربيجانية “سوكار” (SOCAR) في مؤتمر صحفي أن البنية التحتية للطاقة المرتبطة بشحن النفط والغاز من بحر قزوين إلى الأسواق العالمية تقع بالقرب من العمليات العسكرية الحالية.
ورغم أن منظمة التعاون والأمن الأوروبي “أو سي إس إي” (OCSE) أنشأت ما سميت مجموعة “مينسك” للإشراف على المفاوضات بين أرمينيا وأذربيجان، فإنها لم تتمكن من تحقيق أي تقدم في المسار الدبلوماسي، وذلك لأسباب جيوسياسية وأخرى اقتصادية تهم القوى الإقليمية والدولية، مما يبقي الصراع مفتوحا على كل السيناريوهات.
فروسيا تعتبر أرمينيا ورقة مهمة في الصراع الدائر بين موسكو من جهة، والدول الأوروبية وتركيا من جهة ثانية للتحكم في أنابيب النفط والغاز القادمة من بحر قزوين، والتي تتقاطع خطوطها في هذه المنطقة الحساسة.
أردوغان قال إن أنقرة لن تتردد أبدا في التصدي للهجوم على حقوق وأراضي أذربيجان (رويترز)
مصالح اقتصادية
ومن إسطنبول، اعتبر الباحث في الشأن الاقتصادي التركي أحمد مصبح أن البعد الاقتصادي أحد أهم أركان التحالف الإستراتيجي بين تركيا وأذربيجان، فتركيا ثاني أكبر سوق للصادرات الأذرية بقيمة 1.85 مليار دولار، ويبلغ إجمالي حجم التبادل التجاري بين الطرفين 3.3 مليارات دولار، ويستهدف البلدان رفع حجم التبادل التجاري إلى 15 مليار دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة.
وقال مصبح للجزيرة نت “بعيدا عن العلاقات التاريخية والروابط الثقافية، فأذربيجان تعتبر ثاني أكبر موردي الغاز لتركيا بعد روسيا، كما ترتبط تركيا بأذربيجان من خلال ممر لنقل الغاز (تاناب) الذي يربط بين أذربيجان وأوروبا ويبلغ طوله 3500 كيلومتر”.
ويمنح هذا المشروع تركيا دورا أكبر على صعيد الطاقة العالمية، حيث يمكّنها من تأمين احتياجاتها من الطاقة، فضلا عن المساهمة في أمن إمدادات الطاقة لأوروبا، ويستهدف هذا المشروع نقل 16 مليار متر مكعب من الغاز الأذري سنويا، وفق المتحدث ذاته.
وأضاف مصبح أن “تركيا تستقبل سنويا قرابة مليون سائح من أذربيجان، وفي عام 2017 تم افتتاح خط حديدي دولي يربط بين أذربيجان وتركيا مرورا بجورجيا “باكو ـ تبليسي ـ قارص”، يهدف لنقل مليون مسافر سنويا، بالإضافة إلى 6.5 ملايين طن من البضائع بين البلدان الثلاثة، كما يسهم الخط -من خلال ربطه بين تركيا وآسيا ومنطقة القوقاز والدول الأوروبية- في نقل 50 مليون طن من البضائع كل عام”.
ولفت إلى أن جميع هذه الأرقام والمشاريع الإستراتيجية تمثل نقاطا محورية في مشروع تركيا 2023، لما توفره من نفوذ تجاري واقتصادي لتركيا، وتعزيز مكانتها على الصعيدين الإقليمي والدولي، الأمر الذي يعطي تركيا مساحة أكبر في الساحة الدولية، وعليه فإن استقرار أذربيجان الأمني والاقتصادي يعتبر مسألة محورية لتركيا وخططها المستقبلية.
بحر قزوين
وأعاد تجدد الاشتباك العسكري الأخير في منطقة ناغورني قره باغ انتباه المجتمع الدولي من جديد إلى بحر قزوين الذي يعتبر أكبر مسطح مائي مغلق في العالم، وتبلغ مساحته نحو 370 ألف كيلومتر مربع، والذي يتحول من جديد إلى سبب للشقاق الجيوسياسي.
وقد أُكتشف في بحر قزوين 20 حقل نفط وغاز و250 قطاعا رسوبيا نفطيا، لكن الخبراء يقدرون نسبة النفط بالأحجام التجارية فيها بـ12-15%، وتتراوح كمية موارد الحقول النفطية المؤكدة بين 24 و26 مليار طن.
وبحسب المختصين الروس، تفوق تقديرات الخبراء الغربيين لاحتياطي الخامات الهيدروكربونية المكتشف الأرقام الواقعية مرات عديدة، خصوصا بالنسبة إلى تقدير حجم احتياطي النفط والغاز في القطاع الأذربيجاني من البحر، فمثلا تفوق تقديرات الخبراء الأميركيين لموارد باكو الهيدروكربونية بـ4 مرات تقديرات زملائهم الروس.
ووفقا لتقرير أورده موقع “أويل برايس” (Oil price)، فإن منطقة القوقاز محطة عالمية رئيسية لنقل النفط والغاز، وهي تشمل روسيا وتركيا وإيران وأذربيجان وأرمينيا ودول آسيا الوسطى، وأصبح قرب الاشتباكات الحالية من نفط باكو-تركيا وأنظمة أنابيب الغاز مصدر قلق للمختصين والمراقبين لأسواق الطاقة.
وبحسب “أويل برايس”، فإن التهديدات لهذه الأنابيب المهمة للنفط والغاز لا تربط منتجي آسيا الوسطى بالأسواق العالمية فقط، بل تعمل أيضا على استقرار المنطقة، بسبب آثارها الاقتصادية والتنموية في المنطقة التي تمولها إيرادات هذه الأنابيب.
ومن خلال الحصول على الغاز الأذربيجاني عبر خط أنابيب الغاز عبر الأناضول تمكنت تركيا من خفض تكاليفها بشكل كبير، ويمكن أن تتعمق الشراكة الأذربيجانية التركية بشكل أكثر مع ظهور فرصة جديدة في عام 2021 عندما تكون صفقة الغاز الرئيسية بين تركيا وروسيا في انتظار التجديد.
المصدر : الجزيرة