القاهرة – هيمنت الترتيبات الأمنية المتعلقة بالمنشآت النفطية على محادثات الغردقة بين العسكريين الليبيين، وقد انطلقت يوم الاثنين واستمرت حتى مساء الثلاثاء.
ودرست مجموعة 5+5 المنبثقة عن مؤتمر برلين الكثير من الترتيبات الأمنية، وتمت إحالة مهام ومسؤوليات حرس المنشآت النفطية إلى اللجنة العسكرية المشتركة وتقييم الموقف بدقة، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بضمان انتظام عملية الإنتاج والتصدير.
وقالت مصادر لـ”العرب” إن هذه المسألة تحتل أولوية كبيرة لدى المسؤولين في الإدارة الأميركية، وهو ما جعل واشنطن ترمي بثقلها مؤخرا خلف المحادثات التي ترعاها رئيسة بعثة الدعم في ليبيا بالإنابة الدبلوماسية الأميركية ستيفاني وليامز التي يبدو أنها تعول بشكل كبير على مصر في حل هذه المعضلة.
وبدأ استئناف إنتاج وتصدير النفط بشكل تدريجي عقب اتفاق سوتشي بين القيادة العامة للجيش ونائب رئيس المجلس الرئاسي عن مدينة مصراتة أحمد معيتيق، وهو ما عكس هيمنة روسية على ملف النفط الذي ظل طيلة عقود تحت سيطرة الولايات المتحدة.
ولم تتوقف واشنطن وحلفاؤها الليبيون طيلة الأشهر الماضية عن اتهام موسكو بنشر مرتزقة فاغنر داخل بعض الموانئ والحقول النفطية الليبية.
وتسعى الولايات المتحدة إلى جعل المنطقة الوسطى من سرت وصولا إلى أجدابيا منطقة منزوعة السلاح، وهو ما يعني إنهاء سيطرة الجيش بقيادة المشير خليفة حفتر، حليف موسكو القوي، على المنطقة.
ورفض الجيش الليبي مبادرة نزع السلاح، وهو ما يطرح تساؤلات بشأن ممثلي الجيش في محادثات الغردقة وينذر بوجود انشقاقات داخله ويرجح أن يكون من حضر تلك المحادثات من المحسوبين على رئيس البرلمان عقيلة صالح.
وتبذل واشنطن جهودا حثيثة للتخلص من حفتر وإقصائه من المشهد، وهو ما يبدو عقابا له على رفضه اقتسام السلطة مع الإسلاميين، ونجحت في فرض عزلة دولية عليه قبل أن يعود إلى الواجهة بفضل اتفاق سوتشي، ما يشير إلى أن روسيا ما زالت تدعمه رغم ما تواتر من أنباء خلال الأشهر الماضية بشأن توتر العلاقة بينهما.
وغلب التكتم على الاجتماعات الأمنية التي عقدت في الغردقة على مدار يومي الاثنين والثلاثاء، ولم يتم الإفصاح عن أسماء ممثلي كل جانب منعا لأي تأثير سلبي عليهم.
وجرى بالفعل التوافق على تثبيت وقف إطلاق النار بين الجانبين، واتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان أمن وتصدير النفط، ما يمهد للبدء في حوارات سياسية واقتصادية تقود عمليا إلى الشروع في تسوية الأزمة الليبية.
وألمحت مصادر أخرى، لـ”العرب”، إلى أن التحركات تتم على مسارات عسكرية وسياسية متوازية في أكثر من محطة، ما يمهد لتغيير في الطبقات المتصدرة للمشهد حاليا، لأن عددا كبيرا استنفد مرات رسوبه في المهام التي أسندت إليه وبات عبئا، ولم تعد هناك ضرورة لإعادة إنتاج الوجوه نفسها في مشهد أخذت تتبدل الكثير من أوراقه.
واستشهدت المصادر بإعلان فايز السراج رئيس حكومة الوفاق عزمه ترك منصبه قبل نهاية أكتوبر الجاري، بموجب ضغوط أميركية، وهو ما يستخدمه البعض دليلا على أهمية أن يُقْدم الطرف الآخر -في إشارة إلى المشير خليفة حفتر- على خطوة مماثلة، مع توفير الضمانات اللازمة لعدم المساءلة.
وتابعت “هناك مخاوف لدى البعض من أن تؤدي خطوة كبيرة من هذا النوع إلى هزة داخل المؤسسة العسكرية قبل نجاح مهمة توحيدها بصورة صحيحة، ما يعيد الأمر إلى ما كان عليه من تفسخ وتشرذم، ولذلك من الواجب استمرار حفتر على رأس الجيش الليبي في هذه المرحلة”.
وقال متابعون، لـ”العرب”، إن هذه هي المرة الأولى التي تلتقي فيها مباشرة وفود على المسار العسكري (5+5) المنبثق عن مؤتمر برلين، إذ كان ممثلو الأمم المتحدة يتلقون ردود كل فريق وينقلونها إلى الفريق الآخر في اللقاءات التي عقدت الفترة الماضية، ما أكد آنذاك عدم الرغبة في الحوار المباشر، وعدم وجود نية للتقدم.
ويشير كسر هذه الحلقة إلى جدية الطرفين في الحوار، واستعداد قوى إقليمية ودولية للدفع نحو التحرك الإيجابي على المستوى العسكري أولا، كرأس حربة لتحقيق تقدم على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية.
وأعلنت بعثة الدعم في بيان لها، مساء الثلاثاء، التوصل إلى مجموعة توصيات مهمة في ختام محادثات مباشرة جرت في الغردقة بين وفدين ضما ضباطا يمثلون كلا من الجيش الوطني الليبي، وحكومة الوفاق في طرابلس.
وتضمنت المحادثات الإسراع بعقد اجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) ولقاءات مباشرة خلال الأسبوع المقبل، واتخاذ تدابير عاجلة لتبادل المحتجزين بسبب العمليات العسكرية قبل نهاية أكتوبر عبر تشكيل لجان مختصة من الأطراف المعنية.
ويعزز تحديد التوقيتين رغبة الأمم المتحدة في حل بعض المشكلات التي تعكر التفاهمات السياسية بين الأطراف المتخاصمة، وفتح الطريق لتنفيذ ما يتمخض عن اجتماعات بوزنيقة المغربية الراهنة، ومؤتمر جنيف المتوقع انعقاده منتصف أكتوبر الجاري.
العرب