الاقتصاد العراقي ومصيدة الاقتراض المالي 2020

الاقتصاد العراقي ومصيدة الاقتراض المالي 2020

الباحثة شذى خليل*

يعاني العراق من أزمة اقتصادية كبيرة منذ عام 2003 انعكست سلباً على شؤون البلاد، تمثلت بحقيقة واضحة “إدارة غير موفقة” أي (إدارة مجموعة من الشخصيات سيطرت وتحكمت بالقرارات الاقتصادية (بشقيها المالية والنقدية) اعتمدت الأحادية الاقتصادية) وما رافقها من مخاطر آنية ومستقبلية، وعجزت عن تحريك عجلة السوق وتحفيز الإنتاج الداخلي لتوفر فرص عمل، وتحقيق تنمية تولد استدامة مالية (توليد النقد) طيلة 17 عاماً لأسباب مختلفة.
وعلى الرغم من أن العراق يتمتع بموارد مختلفة والأخص والأبرز هو النفط، وهو العضو في منظمة أوبك، لكنه وباستمرار عرضة للازمات ، كانخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية، وبسبب انتشار مرض فايروس كورونا في معظم أنحاء العالم، ما أدى إلى حصول ركود اقتصادي، في ظل النقص الفادح في السيولة.
تكشف مؤشرات ميزانية العراق لعام 2020، مدى صعوبة إنقاذ الوضع الاقتصادي المأزوم سريعا ، و فرضت حقائق الواقع على الحكومة العراقية البحث عن مخرج ينهي مشكلة إعداد ميزانية 2020، والتي تعاني من عجز ضخم.
حيث صدر بتاريخ 28-09-2020 كتاب من وزارة المالية العراقية العدد 6196 موجه الى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، موضوعه “مشروع قانون تمويل الاقتراض المحلي لتمويل العجز المالي لعام 2020” .
بالإضافة الى نص قانون الذي يخول وزير المالية الاتحادي صلاحية الاقتراض في يوم 25 حزيران 2020 محليا وخارجيا من خلال إصدار حوالات الخزينة والسندات والقروض المحلية. وخولت الحكومة العراقية وزير المالية علي علاوي صلاحية التفاوض وتوقيع قروض تصل إلى أكثر من مليار يورو (1.126 مليار دولار)، لتمويل مشاريع الطاقة الكهربائية في البلاد.
كما يتيح القانون للحكومة أيضا “الاقتراض من المؤسسات المالية الدولية والبنوك الأجنبية لتمويل النفقات العامة، على أن تخصص مبالغ القروض الخارجية للمشاريع الاستثمارية وتنمية الأقاليم المستمرة، مع مراعاة أن تكون أولوية التمويل للمحافظات الأقل تمويلا في السنوات السابقة”.
وحدد القانون سقفا أعلى للاقتراض بـ5 مليارات دولار من الخارج و15 تريليون دينار (نحو 13 مليار دولار) من الداخل.
وتكافح الحكومة لتأمين رواتب الموظفين والنفقات التشغيلية الأخرى، جراء تراجع أسعار النفط بفعل جائحة كورونا التي شلت قطاعات واسعة من اقتصاد العالم.
ويعتمد العراق على إيرادات بيع النفط لتمويل 95% من نفقات الدولة.
ووفقا لبيانات وزارة النفط العراقية، خسرت البلاد نحو 11 مليار دولار منذ بداية العام الجاري، جراء تراجع أسعار النفط.
وستعتمد الحكومة على ميزانيات شهرية لصرف المستحقات التشغيلية، حيث أن وزارة المالية بحاجة إلى اقتراض 30 تريليون دينار لتأمين رواتب الموظفين والمتقاعدين والرعاية الاجتماعية للأشهر المتبقية من السنة الحالية.
45 مليار دولار عجز الميزانية للعام الحالي، والذي يرى محللون أن الحكومة غير قادرة على تغطيته، وكانت الحكومة قد قررت في وقت سابق تشكيل خلية الطوارئ للإصلاح المالي لتوفير السيولة المالية واتخاذ القرارات الخاصة بالإصلاح المالي من خلال ترشيد الإنفاق وتعظيم الموارد وإصلاح المؤسسات المالية.
وبالإضافة إلى ذلك ستضع خطط تمويل لمشاريع الإعمار والتنمية والاستثمار، وموارد وآليات التمويل من خارج الإنفاق الحكومي، غير ان محللون يرون أنه من الصعب أن تواجه الحكومة الأزمات المزمنة التي خلفتها السياسات الفاشلة للحكومات السابقة بهذه الحزمة من المبادرات، خاصة مع استمرار الاضطرابات وتوقف معظم القطاعات عن النشاط والإمعان في التركيز على عائدات الطاقة.
منذ تسلمه لمصب رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي يسعى الى إعادة ترميم ما يمكن إصلاحه ، حيث انتقد الكاظمي ،اعتماد الميزانية العامة للبلاد بنسبة 95% على النفط، معتبرا ذلك “دليل فشل السياسات السابقة”، واكد أن حكومته “تعمل من أجل تعظيم الإيرادات الأخرى، وأن تتحول الإيرادات النفطية إلى مشاريع عمل تنموية لخدمة الاقتصاد العراقي”، محاولا اعتماد التخطيط الذكي لتفعيل دور القطاع النفطي لتمويل جميع القطاعات وبالأخص الصناعية كي يكون الاعتماد عليها جميعا، أي يستثمر قطاع النفط لتنمية القطاعات وضرورة إدخال إصلاحات مالية واقتصادية في عمل وزارة النفط.

وتدرس الحكومة حاليا تشكيل صندوق للاستثمار لتأمين مستقبل أجيال البلاد المقبلة، وقال الكاظمي إن “إيرادات النفط تمثل المصدر الأساس للدولة ولابد من تحقيق مبدأ العدالة من خلال توزيع الثروة بين الأجيال”.
واتخذت حكومة الكاظمي إجراءات فعلية في محاولة لمعالجة الوضع الاقتصادي، وهي التقليص من الرواتب، والاستقطاعات كبيرة للغاية، سواء بالنسبة للدولة ذات الاقتصاد الراكد أو بالنسبة للعراقيين الذين يعيش واحد من كل خمسة منهم تحت خط الفقر.
يتركز الاقتراض الحكومي صوب الاقتراض الداخلي ولعدة أسباب؛ أولها: ان الأسباب الموجبة لقانون الاقتراض الخارجي هي تراجع أسعار النفط، وهذا التراجع غير مفاجئ ويتعايش العراق معه منذ سنوات بسبب تقلبات أسعار النفط انخفاضا وارتفاعا، وبالتالي لا ضرورة لرهن موارد البلد الاقتصادية والمالية للخارج بسبب تقلب أسعار النفط.
وفي السياق يتطلب التعايش مع جائحة كورونا وتحريك القطاعات الاقتصادية، وقطاع النقل بشكل خاص، تدريجيا، ويكمن السبب الثاني في حاجة الموازنة الاتحادية الى سيولة بالعملة الوطنية لتجسير فجوة التمويل لحين تعافي الاسعار وتعظيم الموارد المالية الاخرى للحكومة.
وأخيرا يعد الركون الى الاقتراض الخارجي حاليا رهن لمصير العراق الى ارادات دولية وتهديد لوضعه السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
حيث يمكن اعتماد الاقتراض الداخلي عبر المصارف العراقية الحكومية (الرافدين والرشيد والمصرف العراقي للتجارة) وغيرها من المصارف الخاصة، وسيقوم البنك المركزي بدعم هذه المصارف لتمويل الموازنة العامة كما حدث عام 2016 وعام 2017.
ويمكن كذلك اقناع الأفراد والمؤسسات المالية على تمويل جزء من الديون الحكومية مقابل الحصول على سندات وطنية بفوائد وتسهيلات مغرية لضمات التسويق الداخلي للسندات الحكومية.
ختاما.. يجب ان تتاح الفرصة الى المختصين الاقتصاديين والإداريين العراقيين بإدارة الملف الاقتصادي لجهة عليا للتخطيط والإشراف، كفؤة ونزيهة وتمتلك صلاحيات واسعة بالكامل لإدارة الأزمة المالية، وقادرة على إعداد الرؤية المستقبلية لنموذج اقتصادي جديد يتناسب مع الواقع المالي الخطير الذي يعيشه البلد، يتنوع الناتج القومي من الزراعة الى الصناعة الى الخدمات بهدف تحقيق الاستقرار والنمو الاقتصادي في العراق ليحقق الرفاه الاقتصادي لأبناء الشعب كافة، ومن ثم تحسين مستويات الدخل وتعافي أسعار الصرف وتدفق النفط نحو الأسواق الدولية وخطط التنمية وبرامج عمل الحكومة للوصول الى الإصلاح .

 

وحدة الدراسات الاقتصادية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية