بعد رحيل “عميد الدبلوماسية”.. هل تغير الكويت ثوابت سياستها الخارجية؟

بعد رحيل “عميد الدبلوماسية”.. هل تغير الكويت ثوابت سياستها الخارجية؟

بالإعلان عن وفاة أمير الكويت، صباح الأحمد الجابر الصباح (91 عاما)، الثلاثاء، وتولي الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح مقاليد الحكم خلفا له، لا يتوقع مراقبون أن تتغير ثوابت ومحددات السياسة الخارجية للبلاد.

وحافظت الكويت طوال العقود الماضية على الابتعاد عن سياسة المحاور الإقليمية أو الدخول في أتون الصراعات التي تشهدها المنطقة، وتفضيلها لعب دور الوسيط المقبول.

وسيط مقبول من الجميع

ففي ظل حكم الشيخ الراحل صباح الأحمد الصباح للبلاد، لعبت الكويت دورا فعالا في مختلف الصراعات بالمنطقة، فكانت وسيطا مهما بالحرب اليمنية، واستضافت برعاية الأمم المتحدة ممثلين عن أطراف الصراع.

كما تعد الكويت الوسيط الرسمي الوحيد في الأزمة الخليجية بعد قطع كل من الإمارات والسعودية والبحرين ومصر علاقاتها مع قطر في 5 يونيو/حزيران 2017.

وينسب إلى أميرها الراحل نجاحه في وقف عمل عسكري “مبيّت” من دول الحصار لغزو قطر، أشار إليه وزير الدولة لشؤون الدفاع القطري خالد العطية، في مقابلة مع قناة “الجزيرة” الفضائية، قبل أيام.

ورغم أن الكويت تواجه تحديات جمة لوقوعها في منطقة التوترات سواء بالخليج العربي أو الشمال منها حيث العراق وإيران، إلا أنها نجحت في البقاء بعيدا عن تلك التوترات والصراعات.

نجاح الكويت في البقاء بعيدا عن الصراعات، يعود إلى دبلوماسية أميرها الراحل، فهو يتمتع بعلاقات واسعة مع قادة دول العالم، إذ شغل في وقت مبكر من استقلال بلاده منصب وزير الخارجية لسنوات طويلة تمتد لنحو 4 عقود.

وبرز دور الشيخ صباح الأحمد بشكل لافت في حشد الدعم العربي والدولي للكويت بعد تعرضها للغزو العراقي عام 1990، ولُقب، آنذاك، بـ”عميد الدبلوماسية العربية” بفضل جهوده في تعزيز علاقات بلاده مع البلدان العربية.

“أمير الإنسانية”

وإضافة إلى دور وسيط السلام، فإن مناطق الصراع بالمنطقة والعالم حظيت باهتمام خاص من أمير الكويت الراحل الذي حرص على تقديم المساعدات لدعم اللاجئين والمتضررين من الحروب.

وفي فبراير/ شباط الماضي، أطلق فلسطينيون في قطاع غزة اسم الشيخ صباح الأحمد على أحد الطرقات الرئيسية لجهوده المستمرة في إغاثة الشعب الفلسطيني ودعم حقوقه المشروعة في إقامة دولته المستقلة.

وكان من أبرز المواقف الإنسانية للكويت، تقديمها مبلغ 200 مليون دولار لإعادة إعمار ما دمرته الحرب الإسرائيلية على غزة في صيف العام 2014، التي أسفرت عن استشهاد نحو ألفي فلسطيني وإصابة 11 ألفا آخرين بجروح مختلفة، وتدمير نحو 11 ألف وحدة سكنية كليا و162 وحدة دمرت بشكل جزئي.

كما قدمت الكويت عام 2013 أكثر من 130 مليون دولار لدعم اللاجئين السوريين، إضافة إلى استضافتها عام 2018 مؤتمر المانحين الذي تعهدت الدول المشاركة فيه بتقديم 30 مليار دولار لإعادة إعمار العراق بعد الحرب مع تنظيم “داعش” (2014 – 2017).

ولدوره الإنساني البارز، منحته هيئة الأمم المتحدة جائزة “الإنسانية” في العام 2014، كقائد إنساني عالمي، ليصبح لقب “أمير الإنسانية” الأكثر شيوعا للأمير الكويتي الراحل.

كيف تنتقل السلطة بالكويت؟

وبعيدا عن السياسة الخارجية للكويت وعلى الصعيد الداخلي، فإن تداول السلطة في البلاد لن يواجه الكثير من المشاكل، فبعد وفاة الشيخ صباح الأحمد، بات الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح (ولي العهد) أميرا “مؤقتا” للبلاد إلى حين عقد مجلس الأمة جلسة خاصة لمبايعته.

وبذلك يصبح الشيخ نواف الأحمد الحاكم السادس عشر من أسرة آل صباح، والأمير السادس للكويت منذ الاستقلال عام 1961.

ووفقا لقانون “توارث الإمارة” فإن الكويت “إمارة وراثية في ذرية مبارك الصباح الذي حكم الكويت بين عامي 1896 و1915″، ويُنادى بولي العهد أميرا إذا خلا المنصب بسبب الوفاة أو عدم الأهلية الصحية أو لأسباب أخرى.

ولا تمثل الكويت حالة متفردة في تداول السلطة دون مشاكل، إذ أن عموم دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية محكومة بنظام الأسر أو العائلات الحاكمة.

ويشغل الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح (83 عاما) منصب ولي العهد منذ 20 فبراير/شباط 2006، بموجب تزكية من أخيه المتوفى صباح الأحمد، ومبايعة مجلس الأمة له في جلسة خاصة بنفس اليوم.

احتمالات الصراع

وفيما يرى مراقبون أن انتقال السلطة في الكويت سيكون سلسا، يتخوف آخرون من تكرار الخلافات التي حدثت عام 2006 بعد وفاة أميرها آنذاك، الشيخ جابر الأحمد الصباح.

فحينها لم يتمكن ولي العهد الشيخ سعد العبد الله الصباح، من قيادة البلاد في ظل تدهور حالته الصحية، لينتهي الأمر بعزله وتولي الشيخ صباح الأحمد الذي كان يشغل منصب رئيس الوزراء، إمارة الدولة.

ويعاني الشيخ نواف الأحمد الأمير الحالي البالغ من العمر 83 عاما من أمراض عدة، أهمها مرض نادر جدا في الدم أخضعه للعلاج لسنوات طويلة.

وبالتزامن مع ذلك، لا تخفي الكثير من التقارير وجود صراعات على السلطة بين فروع ذرية مبارك الصباح.

وتناوب على حكم الكويت في الغالب فرعا “جابر المبارك” و”سالم المبارك”، لكن في مرات أخرى تجاهلت الأسرة الحاكمة العرف السائد ليقع الاختيار على أمراء من خارج هذين الفرعين.

ومع كثرة التقارير التي تحدثت عن احتمالات حصول خلافات على وراثة السلطة، كان الأمير الراحل قد نقل جزءا من صلاحياته إلى ولي العهد الشيخ نواف الأحمد، قبل رحلته للعلاج في الولايات المتحدة في يوليو/ تموز الماضي.

لكن هذه التقارير قد لا تكون صحيحة، فحسب متابعين للشأن الكويتي، فإن انتقال السلطة سيكون سلسا إلى الشيخ نواف الأحمد، حيث أن الكويت لا تحتمل المزيد من الأزمات الداخلية في ظل التوترات الإقليمية المحيطة.

يذكر أن الكويت اتخذت جملة من الإجراءات الإصلاحية بعد اندلاع ثورات “الربيع العربي” عام 2011، لضمان مشاركة شعبية أوسع في الحكم، ممثلة بمجلس الأمة الذي يلعب دورا فاعلا في السياسات الخارجية والداخلية للبلاد.

ووفق النظام السياسي، فهناك فصل واضح بين السلطتين التنفيذية التي تمثلها الحكومة والتشريعية التي يمثلها مجلس الأمة، والذي يلعب دورا رقابيا على السلطة التنفيذية.

وتهيمن على المشهد السياسي في جانب انتخابات أعضاء مجلس الأمة عوامل عدة، منها العامل القبلي والعشائري المؤثر في اتجاهات الناخبين، إلى جانب التيارات السياسية والتي يغلب عليها الاتجاه الإسلامي الممثل بشكل واسع في مجلس الأمة.

والثلاثاء، أعلن الديوان الأميري في الكويت وفاة أمير البلاد، الشيخ صباح الأحمد، بالولايات المتحدة حيث كان يعالج، عن عمر يناهز 91 عاما.

وعقب الوفاة، أعلن مجلس الوزراء الكويتي الحداد لمدة 40 يوما وإغلاق الدوائر الرسمية لمدة 3 أيام اعتبارا من الثلاثاء، والمناداة بولي العهد الشيخ نواف الأحمد الصباح أميرا للبلاد.

ونعت تركيا ودول ومنظمات وحركات عربية أمير الكويت الراحل.

(الأناضول)