تأمين “قوة المراقبين المتعددة الجنسيات” في سيناء من دون تراجع أمريكي

تأمين “قوة المراقبين المتعددة الجنسيات” في سيناء من دون تراجع أمريكي

mfo-sinai-ussoldiers-198x132

في أعقاب الهجوم الصاروخي الذي شنه جهاديون على “قوة المراقبين المتعددة الجنسيات” [“القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون”/”قوة المراقبين”/”القوة”] في 9 حزيران/يونيو، وغيره من الحوادث الخطرة، تعيد الحكومة الأمريكية النظر في مستقبل انتشارها العسكري في شبه جزيرة سيناء. وفي حين لا يبدو أنّ لدى واشنطن خطط على المدى القريب لإحداث تغيير جوهري في انتشار “قوة المراقبين”، ناهيك عن إنهائه، دفعت المداولات الجارية حول حماية “القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون” بالبعض خارج الحكومة – من بينهم صحيفة “نيويورك تايمز” – إلى الدعوة إلى انسحاب القوات الأمريكية. وسواء تمّت الاستجابة لهذه الدعوات أم عدمها، فإن الوضع الحالي يعزّز السرد [المنتشر] بأنّ الولايات المتحدة تنسحب من الشرق الأوسط، ويقوّض جهود واشنطن المستمرة الرامية إلى طمأنة الحلفاء الإقليميين بشأن الاتفاق النووي مع إيران.

الخلفية

تتألّف “قوة المراقبين المتعددة الجنسيات” من أفراد عسكريين ومدنيين من 12 دولةً، وقد تأسّست عام 1981 للإشراف على الترتيبات الأمنية التي أرستها معاهدة السلام بين إسرائيل ومصر عام 1979. وتتحقّق “القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون” على وجه التحديد من احترام كلا البلدين للقيود المفروضة على القوات والمعدات العسكرية داخل المناطق الأربعة التي تمّ ترسيمها بموجب المادة الثانية من الملحق الأول. كذلك، تراقب “قوة المراقبين” حرية الملاحة في مضيق تيران، وتنفّذ هذه المهمة عبر تشغيل نقاط تفتيش ومراكز مراقبة في سيناء وعلى طول الحدود الدولية، وعبر إجراء عمليات تحققٍ دورية تضمن تنفيذ المعاهدة. وبالتالي، كانت “قوة المراقبين” ضرورية لضمان استمرارية السلام المصري الإسرائيلي لأكثر من ثلاثة عقود، وقد سهّلت في السنوات الأخيرة التعاون الأمني غير المسبوق بين البلدين على الرغم من “السلام البارد” المعروف بينهما.

غير أنّ نجاح “قوة المراقبين” أصبح اليوم يثير تساؤلات في واشنطن حول مستقبل البعثة على المدى الطويل. فبينما تؤيّد مصر وإسرائيل بشدة الإبقاء على  “القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون” بعددها الحالي – 1667 فرداً، بمن فيهم 692 أمريكياً – يقول بعض المسؤولين الأمريكيين أنّ حجماً كهذا لـ “قوة المراقبين” لم يعد ضرورياً بالنظر إلى عمق التعاون الأمني بين مصر وإسرائيل.

مخاطر جديدة

يكمن السبب الرئيسي وراء أحدث المداولات حول مستقبل “قوة المراقبين المتعددة الجنسيات” في تدهور الوضع الأمني في سيناء. ففي الأشهر الأخيرة، عمل تنظيم «ولاية سيناء» على زيادة تهديداته التي تستهدف قوات حفظ السلام؛ وهذا التنظيم هو فصيل جهادي كان يُعرف باسم جماعة «أنصار بيت المقدس»، إلى أن أعلن نفسه “إمارة”/”ولاية” تابعة لما يسمى بـ تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية» في تشرين الثاني/نوفمبر المنصرم. وقد وقع الحادث الأكثر أهمية في التاسع من حزيران/يونيو، عندما أطلق التنظيم صاروخاً على قاعدة الجورة الجوية التابعة لـ “قوة المراقبين”. كما أطلق قذائف هاون وزرعَ عبوات ناسفة على الطرق التي تسلكها “القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون”. وفي غضون ذلك، أظهر التنظيم قدرات مُحسَّنة ضد قوات الأمن المصرية، فأطلق العنان للعبوات الناسفة التي تحملها السيارات والانتحاريين والصواريخ المضادة للدبابات ضدّ أهداف للجيش والشرطة، وحتى أصاب أيضاً زورق دورية بحرية. ولهذا السبب، يعتقد بعض المسؤولين الأمريكيين أنّها مجرّد مسألة وقت قبل أن يشنّ تنظيم «ولاية سيناء» هجوماً كبيراً ضدّ “قوة المراقبين المتعددة الجنسيات”.

إن نهج القاهرة المتعلق بمحاربة الجهاديين شمال شرق سيناء، والذي عفا عليه الزمن قد فاقم هذه المخاوف. فبعد مرور عامين على العملية الحالية للجيش المصري، لا يزال هذا الجيش يعتمد على تكتيكات أكثر ملاءمةً مع المعارك التقليدية من حملات مكافحة التمرّد. ووفقاً لمسؤولين أمريكيين، تسبّب الجيش بنفور السكان المحليين من خلال دخوله القرى في تشكيلات كبيرة، واستهدافه العدو على نحوٍ غير دقيق باعتماده على المواجهة النارية (المدفعية والضربات الجوية)، وإخفاقه في تزويد عمليات قواته الخاصة بالاستخبارات المستهدِفة.

ويقيناً، غالباً ما استجاب الجيش المصري للمطالب الأمنية التي تقدّمت بها “قوة المراقبين”، فزاد من عدد الدوريات، وعزّز بعضاً من نقاط التفتيش التابعة له، وأسّس وجوداً وقائياً في أخطر المناطق التي تعمل فيها قوات حفظ السلام – بعد أن هدّدت “قوة المراقبين” بالتخلي عن بعض مراكزها. لكن، لا يزال ثمة قلقٌ شديد بشأن أمن “قوة المراقبين” على المدى البعيد، ففي كلّ مرة واجهت وحدات “القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون” هجماتٍ محتملة، لم يخرج الجيش المصري من مواقعه المُحصّنة للاشتباك مع مقاتلي «ولاية سيناء»، الأمر الذي دفع بمسؤولين أمريكيين إلى إثارة التساؤلات حول ما إذا كانت القاهرة تحاول فقط احتواء الوضع، بدلاً من إلحاق الهزيمة بالجهاديين.

مداولات جديدة

نتيجةً للتوقعات الأمنية القاتمة في سيناء، عمل مسؤولون في “قوة المراقبين” على حث واشنطن لفترة دامت أكثر من عام على تغيير انتشار قواتها. وقد دعا بعض المسؤولين الأمريكيين إلى إنهاء مهمة “القوة” على المدى البعيد. بيد، جاءت استجابة واشنطن و”قوة المراقبين” على المدى القريب عبر تحصين مواقع “القوة” والتركيز على حمايتها. وقد وُضعت أيضاً أجهزة استشعار وحواجز مطوَّرة، فضلاً عن أبراج حراسة إضافية شُيدت حول مراكز “قوة المراقبين” على مدى العامين الماضيين، كما تلقّت قوات حفظ السلام أسلحة متطورة في الأسابيع الأخيرة.

ورغم ذلك، تتداول واشنطن الآن في إجراء تغييرات أكثر أهمية، من جملتها اقتراح “قوة المراقبين” بإغلاق المراكز المأهولة والمعزولة (على سبيل المثال، في جزيرة في مضيق تيران) التي تُعتبر أكثر عرضةً للهجمات وأكثر تكلفةً للتشغيل، ومن ثمّ استبدالها بالمراقبة المتحركة. ويدرس المسؤولون في واشنطن أيضاً سحب القوات الأمريكية على مدى عدة سنوات، الأمر الذي من شأنه أن يقلّص “قوة المراقبين”، لتصبح جزءاً صغيراً ممّا هي عليه الآن، أو أن يؤدّي إلى إنهائها بالكامل. وكجزءٍ من هذه العملية، ستزيد “قوة المراقبين المتعددة الجنسيات” من اعتمادها على أجهزة الاستشعار عن بعد الغير مجهزة بالجنود مع الاستمرار في بناء الثقة بين مصر وإسرائيل.

ومع ذلك، جاء ردّ الحكومتان المصرية والإسرائيلية على هذه المداولات سلبياً، إذ يعتبر كلا الجانبين أنّ “قوة المراقبين” هي آلية مهمة لتسهيل التعاون الثنائي، ويقولان بأنّ “الوقت ليس مناسباً الآن” للتفكير في إجراء تغييرات نظراً إلى حالة الغموض السياسي الذي يكتنف المنطقة.

توصيات سياسية

ليست هذه هي المرة الأولى التي فكّرت فيها واشنطن بسحب “القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون”. فقد دعت وزارة الدفاع الأمريكية خلال الإدارتين السابقتين ولفترة وجيزة إلى اتخاذ هذا النهج لأنّها أرادت أن تُوجّه أفراد “قوة المراقبين” إلى مكان آخر. غير أنّ هناك مخاوف مختلفة تماماً – وصحيحة للغاية – تحرّك مداولات إدارة أوباما حول ضمان أمن أفراد “القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون”. فالتطوّر المتزايد للجهاديين، إلى جانب استراتيجية الجيش المصري التي عفا عليها الزمن، يشكّلان تهديداً كبيراً لعملية حفظ السلام التي كان يُعتبر خطرها في السابق منخفضاً للغاية.

ورغم هذه المخاوف، ينبغي على الإدارة الأمريكية أن تأخذ بعين الاعتبار مخاطر تغيير انتشار “قوة المراقبين المتعددة الجنسيات” في أيّ وقت قريب. أولاً، يهدّد أيّ تقليص في قدرة “قوة المراقبين” بإضعاف بعثةٍ متعددة الجنسيات التي لم تكتف بالتحقق من تطبيق معاهدة عام 1979، بل تشجّع أيضاً على التنسيق الاستراتيجي غير المسبوق القائم حالياً بين مصر وإسرائيل. وهذا التنسيق ليس حتمياً، فالعلاقات الثنائية كانت على وشك الانهيار في أيلول/سبتمبر 2011، عندما هاجم غوغاء مصريون السفارة الإسرائيلية في الجيزة بعد ثلاثة أسابيع من مقتل ستة جنود مصريين خطأً من قبل القوات الإسرائيلية، بينما كانت هذه الأخيرة تطارد الجهاديين عبر الحدود. وفي وقتٍ لاحق، خفّض زعيم «الإخوان المسلمين» الرئيس المصري السابق محمد مرسي، العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل في العام الذي تبوّأ فيه الحكم. وطوال تلك الفترة المُبهمة، سهّلت “قوة المراقبين” التعاون الثنائي، لا بل استحصلت أيضاً، في وجه تنامي التمرّد في سيناء، على إذن من إسرائيل يسمح بنشر قوات مصرية يتجاوز عددها الحدود التي فرضتها المعاهدة. وعلى أقل تقدير، يشكّل التنسيق الاستراتيجي القوي القائم حالياً حجةً لصالح أهمية “قوة المراقبين” وليس لحجمها المفرط.

ثانياً، نظراً لأنّ “القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون” تُعدّ من النجاحات القليلة التي حقّقتها سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فإنّ أيّ خطة لتقليصها ستزعج بصورة أكثر أولئك الحلفاء الذين يشعرون بالقلق من المغادرة الأمريكية المحسوسة من المنطقة، وستقوّض كذلك الجهود التي بذلتها إدارة أوباما لطمأنة هؤلاء الحلفاء بعد الاتفاق مع إيران. ولهذا السبب، إذا كانت هذه الإدارة جادة بشأن تغيير انتشار “قوة المراقبين” الأمريكية، ينبغي عليها أن تنسّق هذه التغييرات مع مصر وإسرائيل لكي تُظهر أنّها تعمل بشكلٍ كامل مع حلفائها في السعي إلى تحقيق المصالح المتبادلة. أمّا المداولات الأحادية، فتبعث برسالةً معاكسة وتشير إلى أنّ واشنطن لا تريد إلّا الانسحاب.

وفي غضون ذلك، ينبغي على إدارة أوباما الاستمرار في تشجيع الجيش المصري على تحديث استراتيجيته ضدّ الجهاديين في سيناء. وفي حين رفضت القاهرة سابقاً العروض الأمريكية بتوفير التدريب في مكافحة الإرهاب، إلا أن المسؤولين العسكريين المصريين أبدوا اهتمامهم بهذه التدريبات في أعقاب “الحوار الاستراتيجي” الذي عُقدَ هذا الشهر بين واشنطن والقاهرة. لذا ينبغي على واشنطن النظر في الفرص المتاحة لتحسين التنسيق في مكافحة الإرهاب، وذلك لأنّ وجود استراتيجيةً مصرية أكثر فعاليةً تعني توفير أمنٍ أفضل لأفراد “قوة المراقبين المتعددة الجنسيات” وللملايين من المصريين على حدٍ سواء.

اريك تراجر

معهد واشنطن