تسعى أنقرة إلى مراجعة عقود توريد الغاز وخفض تكلفته بعد اكتشافها الجديد في البحر الأسود، ويرى الخبراء أنها تملك عدة أوراق للضغط من أجل تحقيق أهدافها.
وفي تقرير نشره موقع “نيوز ري” الروسي استطلع الصحفي الروسي ميخائيل كالماتسكي آراء عدد من الخبراء بشأن قدرة تركيا على الضغط على روسيا من أجل مراجعة أسعار الغاز والحصول على المزيد من التخفيضات في الفترة المقبلة.
ويعتقد الخبراء أن الاحتياطيات المكتشفة حديثا في البحر الأسود ليست كافية لقلب المعادلة وفرض تخفضيات جديدة على الجانب الروسي، لكن أنقرة تملك في المقابل أوراقا أخرى للوصول إلى ما تريده.
يشار إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردغان كان قد أعلن في أغسطس/آب الماضي عن اكتشاف بلاده أكبر حقل غاز في تاريخها بالبحر الأسود، واكتشفت سفينة التنقيب “فاتح” 320 مليار متر مكعب من احتياطيات الغاز الطبيعي في بئر “تونا”.
تعكس تصريحات المسؤولين الأتراك -حسب رأي الكاتب- رغبة قوية لدى أنقرة في مراجعة العقود على الرغم من أن عملية تطوير الحقل الذي أعلن عن اكتشافه مؤخرا لا تزال في بداياتها، غير أنها بدأت في استغلال هذه الورقة وأخذت تلمح لموردي الغاز إلى ضرورة خفض الأسعار.
وقال وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي فاتح دونماز في هذا السياق إن اتفاقيات التوريد تتضمن بنودا تسمح بإجراء مشاورات ومفاوضات بشأن مراجعة الأسعار.
وأشار دونماز إلى أن اكتشاف الغاز مؤخرا في البحر الأسود سيمكن تركيا من تخفيض الرسوم الجمركية ويقلل تكلفة الاستيراد الحالية.
بدوره، صرح وزير الخزانة والمالية التركي براءت ألبيرق أن الحقل المكتشف سيسمح لبلاده بشراء الغاز من الخارج بسعر أرخص بنسبة 30% مقارنة بسعره السابق.
لكن المحلل في الصندوق الوطني لأمن الطاقة الروسي إيغور يوشكوف يرى أن تركيا تبالغ في تقدير إمكانيات الاستفادة من الحقل المكتشف في البحر الأسود، ويقول في هذا السياق إن “الاحتياطات التي تم العثور عليها والتي أعلنت عنها القيادة التركية ليست كبيرة جدا، وحتى مع بدء تطوير الحقل فمن غير الممكن توقع إمدادات غاز إلا بعد 5 إلى 7 سنوات، ومع انخفاض أسعار الطاقة من غير المرجح أن تقوم أنقرة بذلك على الإطلاق”.
ويعتقد ألكسندر فرولوف نائب المدير العام للمعهد الوطني الروسي للطاقة أن تركيا لا تملك حتى الآن دراسة شاملة لمشروع استخراج الغاز من البحر الأسود، وليست لديها فكرة عن مدى جدوى تطوير هذا الحقل.
أوراق ضغط
في المقابل، يؤكد يوشكوف أن لدى تركيا أوراقا أخرى تجعلها قادرة على إبرام عقود جديدة بشروط أفضل لتوريد الغاز الروسي، من أهمها انطلاق عمليات توريد الغاز من أذربيجان منذ العام الماضي عبر “خط أنابيب الغاز عبر الأناضول”، فضلا عن التطورات التي يشهدها سوق الغاز الطبيعي المسال عالميا.
وسبق لتركيا أن نجحت خلال السنوات الماضية في خفض قيمة عقود الغاز، وفازت بأكثر من نزاع أسعار مع روسيا، كما يقول الكاتب.
وذكرت الخبيرة الاقتصادية ماريا بيلوفا أنه على مدى السنوات العشر الماضية تم تعديل العقود الروسية لتوريد الغاز إلى تركيا عدة مرات، فعلى سبيل المثال حصلت تركيا في عام 2010 على تخفيض بنسبة 10%، وفي عام 2014 وبعد انخفاض كبير في أسعار النفط عالميا حصلت الشركات التركية الخاصة على تخفيضات بموجب عقودها مع غازبروم الروسية.
وأضافت بيلوفا أنه في ظل الانخفاض الحالي لأسعار النفط والغاز فإن من المحتمل أن تحصل تركيا على تخفيضات جديدة.
من جانبه، يرى ألكسندر فرولوف أنه لا توجد أي شروط مسبقة حاليا تدعو روسيا لخفض أسعار الغاز المصدر إلى تركيا، خاصة أن أنقرة حصلت في السابق على خصم على إمدادات الغاز التي تمر عبر خط أنابيب السيل التركي.
ويلفت الكاتب إلى أن إمدادات الغاز الروسي إلى تركيا انخفضت بشكل ملحوظ هذا العام، ووفقا لهيئة تنظيم سوق الطاقة التركية تم استيراد 4.68 مليارات متر مكعب من روسيا في النصف الأول من هذا العام، أي أقل بنسبة 41.5% مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي.
ويرى يوشكوف أن السبب الرئيسي لانخفاض إمدادات الغاز الروسي إلى تركيا هو ارتفاع السعر مقارنة بالموردين الآخرين.
وتؤكد بيلوفا أنه في ظل انخفاض حجم إمدادات الغاز الروسي إلى تركيا، وإنهاء عقد شركة غازبروم مع شركة بوتاس التركية الحكومية، وعدد من الشركات التركية الخاصة لتوريد 8 مليارات متر مكعب في نهاية عام 2021 تبدو الحاجة ملحة إلى مراجعة العقود وتمديد جزء منها على الأقل.
وتستورد تركيا أكثر من 90% من احتياجاتها النفطية من الخارج، مما يضعها على رأس قائمة البلدان التي تستهلك أغلى أنواع الوقود على مستوى العالم، إذ تبلغ فاتورة الواردات التركية من الطاقة حوالي 40 إلى 45 مليار دولار سنويا.
المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية