ولادة 9 مليشيات في العراق خلال 10 أشهر: محاولات لإشاعة الفوضى

ولادة 9 مليشيات في العراق خلال 10 أشهر: محاولات لإشاعة الفوضى

كانت حادثة مقتل قائد فيلق “القدس” الإيراني السابق، قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة “الحشد الشعبي”، أبو مهدي المهندس، بغارة أميركية مطلع العام الحالي قرب مطار بغداد الدولي، بداية لتغيير طريقة تحرّك المليشيات الموالية لإيران في العراق، إذ عملت على تحويل مجرى سلوكها من ضربات متقطعة على محيط السفارة الأميركية الواقعة في المنطقة الخضراء وسط بغداد، إلى تكثيف الجهود نحو الاستهداف الأسبوعي وشبه اليومي لها، حتى بلغ هذا الاستهداف خلال الأسابيع الأخيرة مرحلة يومية بالفعل، عبر استخدام صواريخ “كاتيوشا” وعبوات ناسفة. وقد ولدت في هذا الإطار مليشيات جديدة تتبنّى هذه العمليات ضمن ما يطلق عليه “المقاومة الإسلامية”، وترفع شعار “الثأر” من قوات التحالف، وتحديداً القوات الأميركية.

ومنذ يناير/ كانون الثاني الماضي، أُعلن عن ولادة تسع مليشيات مسلحة، كانت أولاها مليشيا “أصحاب الكهف”، ثم “عصبة الثائرين”، ومن بعدها على التوالي مليشيا “سرايا ثورة العشرين الثانية”، و”قوات ذو الفقار”، و”سرايا المنتقم”، و”أولياء الدم”، و”ثأر المهندس”، و”قاصم الجبارين”، و”الغاشية”، وكلها تتبنى “أخذ الثأر” لسليماني والمهندس وإخراج القوات الأميركية من العراق. ويأتي ذلك وسط توقعات بولادة مليشيات أخرى، ضمن خطة خلط الأوراق والتشويش على حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي والقوات الأميركية على حد سواء، إذ إنّ جميع المراقبين والمعنيين بشؤون الجماعات المسلحة يؤكدون أن ولادة تلك المليشيات الجديدة كانت من خاصرة الفصائل الرئيسة الموجودة حالياً ضمن “الحشد الشعبي”، مثل “كتائب حزب الله” و”النجباء” و”الخراساني” و”سيد الشهداء” و”الطفوف” وغيرها.

توقعات بولادة مليشيات أخرى، ضمن خطة خلط الأوراق والتشويش على حكومة الكاظمي والقوات الأميركية

وتتخذ تلك المليشيات من تطبيق “تلغرام” منصة لها للإعلان عن عملياتها، بعد الإغلاق المتكرر من قبل موقع “تويتر” لحساباتها. وتعدّ قناة “صابرين نيوز”، و”الجداحة”، و”ربع الله”، و”ولد الشايب”، أبرز تلك القنوات.

وأخيراً تشكّلت مليشيا جديدة، زعم الإعلام الداعم للجماعات المسلحة أنها كردية، وذلك عقب استهداف قاعدة “الحرير” العسكرية التي تستضيف قوات التحالف الدولي في أربيل، بصواريخ من نوع “كاتيوشا”، الأربعاء الماضي. وذكرت قناة “صابرين نيوز” على “تلغرام” أنّ مجموعة عراقية تطلق على نفسها اسم “أحرار كردستان”، وتتخذ شعاراً مشابهاً لشعار “حركة التغيير الكردية” المعارضة (كوران)، تتبنى عملية استهداف قاعدة الحرير في أربيل، وتؤكد أنها ستنفذ عمليات داخل إقليم كردستان مجدداً على أهداف تابعة لما وصفته بـ”الإمبريالية العالمية”. مع العلم أنّ مراقبين وضباطاً من قوات البشمركة اتهموا لواء “الشبك” في “الحشد الشعبي” بتنفيذ الضربات الصاروخية، كونها انطلقت من محافظة نينوى، وتحديداً من الأراضي الخاضعة لإمرة “الحشد الشعبي”.

وعلى الرغم من عشرات اللجان التحقيقية التي شكلتها الحكومة العراقية برئاسة الكاظمي، من أجل التوصل إلى عناصر هذه المليشيات ومن يقف خلف هذه العمليات، إلا أنّها لم تحرز أي تقدم إيجابي في هذا الصدد. ويُساند زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، الكاظمي في توجهاته لإيقاف هذه المليشيات، وقد بدا الأول أخيراً منزعجاً من تصرفات الفصائل المسلحة والمليشيات الجديدة. وقد أكد في أكثر من تغريدة على حسابه في موقع “تويتر” خلال الأيام الماضية، أنّ “تصرفات المليشيات تؤثر على العراق سلباً”، فيما أكد مقرب منه تحدث لـ”العربي الجديد” أنّ “الصدر يدرك أن تلك العمليات لا تؤثر بشيء على الوجود الأميركي، بل تعطيه شرعية إضافية وتبريراً للوجود”.

ونتيجة الاستهدافات المتكررة للسفارة الأميركية والتي باتت تتبناها المليشيات الجديدة، أبلغت واشنطن بغداد أخيراً نيتها غلق سفارتها في العاصمة العراقية. وقد أقرّت الحكومة العراقية بالتداعيات الخطيرة لهذا القرار، فيما تحاول بذل جهود كبيرة في الداخل والخارج من أجل تطويق هذه الأزمة.

في السياق، قال مسؤول عراقي في قيادة العمليات المشتركة، في حديث لـ”العربي الجديد”، إنّ “تلك المليشيات انبثق أغلبها من غرفة واحدة، ولا يحتاج الأمر للإعلان عنها إلا لآلة طابعة، ومصمم غرافيك وبيان مكتوب”. وأضاف أنّ “التحقيقات التي تجريها الأجهزة الأمنية أكدت أنّ خمساً من تلك المليشيات الجديدة غير بعيدة عن كتائب حزب الله، والبقية تابعة لفصيلي النجباء والعصائب، وهي تحاول خلط الأوراق وتشتيت انتباه قوات الأمن، وإثارة حالة تجييش إعلامي من خلال الإعلان عن تلك المليشيات”.

عناصر في فصائل مسلحة تلقت دورات في الحرب النفسية والإعلامية في العاصمة اللبنانية بيروت

ولفت المسؤول نفسه، الذي طلب عدم ذكر اسمه، إلى أنّ “عناصر في فصائل مسلحة تلقت دورات في الحرب النفسية والإعلامية في العاصمة اللبنانية بيروت، فضلاً عن دورات لتعلّم أسس الفيديوغراف وغيرها، وهي تدير حتى الآن حرباً إعلامية لا يمكن الاستهانة بها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وتستهدف الحكومة وشخصيات مدنية ناشطة وأيضاً تظاهرات الحراك الشعبي، بالإضافة إلى ما تقوم به بشأن ملف الوجود الأميركي في البلاد”. واعتبر المسؤول أنّ “جميع هجمات الفصائل المسلحة الصاروخية أو بالعبوات الناسفة تتم تحت غطاء رسمي، من خلال سيارات ورخص ممنوحة لأفراد الحشد الشعبي”.

من جهته، رأى السياسي العراقي غيث التميمي، في حديث لـ”العربي الجديد”، أنّ “الكاظمي في وضعٍ حرج، فهو يعرف هذه الجهات المسلحة والمليشيات حق المعرفة، ويعرف أماكن مقراتها والمسؤولين عنها، والمشرفين على الهجمات الصاروخية، وغالبية زعماء الأحزاب السياسية الشيعية على وجه التحديد لديهم معلومات شبه كاملة عن هذه المليشيات، إلا أنّ هناك امتناعاً عن إيقافها، بسبب الخوف من مواجهة عسكرية بين قوات الأمن النظامية وقوات المليشيات التي تمتلك شبه ما تمتلكه الحكومة من آليات وعتاد عسكري وإمكانات”. وأوضح التميمي أنّ “كل المليشيات الجديدة التي تدّعي المقاومة هي ليست في الحقيقة وهمية، إنما ترتبط بفصائل مسلحة معروفة، وتندرج ضمن الحشد الشعبي، ولا سيما كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق والنجباء، وقد اشترك أخيراً حشد الشبك معها، فيما تعمل هذه المليشيات بأوامر قادة في الحشد الشعبي”.

بدوره، أكد عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، بدر الزيادي، أنّ “المشهد الأمني يزداد تعقيداً مع وجود فصائل تتحدّى الدولة العراقية وقراراتها وسيادتها”، مضيفاً أنه “على الرغم من وجود دعم برلماني من قبل بعض الكتل لتوجهات الكاظمي لإيقاف هذه الجماعات المسلحة عن ضرب مصالح العراق والتأثير سلباً على علاقاته بجيرانه، إلا أنّ الحكومة تبدو ضعيفة جداً الآن”. وأوضح الزيادي، في حديث لـ”العربي الجديد”، أنّ “الجهات الغاضبة من حادثة اغتيال سليماني والمهندس عليها أن تدرك أنّ الإضرار بالعراق يعدّ خطاً أحمر، ولا بدّ كذلك من تنفيذ الحكومة قرار البرلمان القاضي بإخراج القوات الأجنبية من البلاد”.

إلى ذلك، رأى الباحث والمحلل السياسي العراقي، مؤيد الجحيشي، أنّ “الحكومة ليست ضعيفة، ولكنها تخشى المواجهة مع جهات تعتبر أن عملها جهادي ومقدس ولا غبار عليه، وبالتالي فإنّ أيّ خطوة غير مدروسة من الحكومة للتعامل مع هذه الجهات تعني انهيار الدولة والدخول في دوامة الحرب”. وأكد الجحيشي، في اتصالٍ مع “العربي الجديد”، أنّ “الإرادة الشعبية تشهد اليوم غضباً عارماً من ممارسات هذه الجماعات، وعودة التظاهرات ستغيّر الكثير من الوقائع، لا سيما أنّ المليشيات التي تورطت بقتل المحتجين، هي ذاتها تتورط حالياً باستهداف العراق وأمنه، وقتل الأسر الآمنة بحجة مقاومة المحتل”.

زيد سالم

العربي الجديد