قراءة في مسار التطبيع في المنطقة والعراق

قراءة في مسار التطبيع في المنطقة والعراق

قبل الخوض في موقع العراق كيف يمكن ان يكون وكيف يكون إزاء الاعتراف بإسرائيل من عدمه، اريد الاشارة الى دخول امراء العرب على مسار التطبيع والصلح مع اسرائيل خلال الفترة الماضية، ما الذي يقف كدافع وراء الخطوة الحساسة هذه، والتي مرت بسلام ان صح التعبير بالقياس الى الموقف العربي والاسلامي من مصر بعد اتفاقية كامب ديفيد.

مقاطعة كاملة حدثت مع القاهرة، لكن فيما يتعلق الامر بالدول الجديدة على المسار، امتنعت الجامعة العربية حتى عن الإدانة وقررت جعل الامر سياديا لكل دولة، وفلسطين لم تقدر على تمرير بيان الادانة، في حين وصف 61 نائبا في الجمعية الوطنية الفرنسية قرار بدء العقلاقات الدبلوماسية العربية مع اسرائيل بإعتبار انها تعيق وتضرّ بجهود السلام في المنطقة، فإذا عقدت الدول العربية المعنية الأولى بالقضية اتفاقيات مع اسرائيل فمع من يمكن ان يبحث اسرائيل عن السلام حينئذ؟ فلا توجد حرب أو توتر في العلاقات حتى يكون البحث عن السلام.

لو أخذنا الامارات والبحرين، لا نجد الضرورة التي تدفع باتجاه هذه الخطوة، على خلاف دول أخرى، مثل سوريا والعراق مثلا.

1- الدولتان ليستا من الدول التي دخلت الحرب مع اسرائيل ولا مارستا سياسات عدائية مع اسرائيل حتى تستوجب التطبيع كطريق الى تعبيد طريق العلاقات او مغادرة دائرة التوتر والحرب والتوجس .

2- انهما ليستا من الدول الجارة، حتى تحتاج الحياة لهدوء التطبيع والصلح والدخول في مرحلة جديدة مع اسرائيل، وليستا من الدول الكبار التي تشتبك المصالح على المستوى الدولي، ولم تكونا من الدول المقاومة إذن، حتى تضطرا الى الخروج من المقاومة الى المصالحة.

3- ليستا من الدول الفقيرة حتى تطمعا في المساعدات الامريكية او الاوروبية، مع ان الاوروبيين ليسوا كما كانوا قبل عقود من الزمان فيما يتعلق بالصراع العربي الاسلامي مع اسرئيل، رؤيتهم مختلفة عن الامريكيين، الامارات والبحرين من الدول الغنية غير المحتاجة، ربما اسرائيل هي التي تحتاجهما وليس العكس.

4- إذا كانت العلاقة بين أبوظبي والمنامة وحركة حماس سيئة للغاية، فإن العلاقة بينهما وبين السلطة الفلسطينية جيدة، كان ينبغي عدم التضحية بها وحصرها في زاوية العودة الى حماس او الدول التي ترفع شعر تحرير القدس.

ربما السبب يمكن في:

1- محاولة تبوء مكان القيادة العربية عبر تقوية العلاقة مع اسرائيل، بعد مغادرة مصر او العراق هذا الموقع منذ فترة طويلة، والسعودية ليست محل اعتراف الامارات العربية المتحدة .

2- معاداة الحركة الاسلامية، والالتقاء مع اسرائيل في هذه النقطة.

3- إن إيران لم تعد بالدولة التي يمكن لتلك الدول الوقوف بوجه اطماعها في الخليج، والتمدد المذهبي الموالي لإيران وتشكيل دويلات عسكرية اقتصادية داخل كل دولة، مع النفور من الحركات الاسلامية السنية التي بإمكانها صد التمدد الايراني، يحتاج الى سحب اسرائيل الى مياه الخليج وجعلها في مواجهة مباشرة مع ايران من وجهة نظر كل من ابوظبي والمنامة، لكن هل فعلا تعادي طهران إسرائيل؟ او هل من الممكن الوقوف بوجه بعضهما من اجل دول عربية صغيرة في نظر الدولتين؟

في ضوء ما سبق يمكن الحديث عن العراق وما يمكن ان يحدث أو يكون عليه الحال لو حدث، لكن هل العراق خرج فعلا كدولة رسميا من الصراع مع اسرائيل؟ الجواب لا، رسميا لم يخرج لكن فعليا خرج بسبب الحرب في 2003، او بسبب القضاء على الجيش العراقي وحله بتحريض من العراقيين انفسهم، وفي أي وقت يريد او يكون جاهزا فإنه قادر على ان يكون اللاعب الاقوى مع الفراغ الحاصل في الميدان، أما الان فإن النفوذ الايراني هو على نفس سياسة العداء الكسبي لإسرائيل، وجزء آخر لم يعد يذكر شيئا باسم العدو في الخطابات الرسمية ربما بسبب القرب الامريكي، لكن هل سيصطف العراق الدولة مع الدول العربية الأخرى على المسار؟

اعتقد ان مصلحيا العراق ليس بحاجة لذلك لأن الامريكيين في كل الاحوال موجودين كداعمين للعراق، المصلحة الامريكية هي التي تقتض العلاقة القوية مع العراق علاقة ثنائية، من دون الحاجة لدخول اسرائيل على الخط، وماديا البلد ليس بحاجة فهي من الدول الغنية في الشرق الاوسط، وقوميا من الصعوبة بمكان، وهناك قضية أخرى و هي الوجود الايراني المسلح في أجساد عراقية على الارض، فقبل حل المعضلة الايرانية على المستوى الدولي، إن اي تقارب عراقي – اسرائيلي سيخلق حالة مشابهة للوضع اللبناني فيما يتعلق بشعار المقاومة المتثمل في حزب الله، وستكون الدولة كما هي الان بشكل تقريبي في مرمى المجموعات المسلحة.

هذه هي سياسة الطرف الشيعي الرسمي، والسنة بما يحملون من فكر قومي وديني، لن يقبلوا بذلك، أما الجانب الكوردي فالوضع مختلف الى حد بعيد، ليس الكلام عاما هنا، لأن الكورد أيضا يحملون من روح تحررية تجاه الاراضي المحتلة، فهي حالة يعيشونها، لكن هناك فرق، فرق بين الطرفين العربي والكوردي في هذا المجال، السبب هو ان الكورد هم يعانون استمرارا للتأريخ غير العادل من أخوة الدين والوطن، في العراق وتركيا وسوريا وايران، لا يمكن أو من الصعب القبول بالتراص مع الظالم ضد ظالم آخر، ثم إذا كان الصراع من وجهة نظر عربية رسمية – قومية، فما الضير في علاقة بين طرفين غير عربيين؟ خاصة أن السياسة الدولية قائمة ليست على القيم بل على المصالح، والكورد أكثر من خبّروا كيف كانت المصالح تعصف بالقيم عندما يتعلق الأمر بهم، في حين تبقى أطراف كوردية رئيسة تضع الحق الفلسطيني وفي مقدمته الحق الاسلامي في بيت المقدس على رأس الاولويات، لأن التناغم مع الشعوب الجارة مقدم مصلحياً و منسجم مع المبدأ.

لكن من جانب آخر هناك دولة جارة كبرى يترفرف العلم الاسرائيلي في سمائها، فهل من ضير مثلا لو اتخذ الجانب الكوردي والعراقي السياسة نفسها تجاه اسرائيل كما تفعل تركيا مثلاً، أو الأردن؟ السؤال هو:- إذا كانت اسرائيل دولة قائمة فعلاً، فما المانع من علاقات دبلوماسية معها، مع البقاء الى جانب الشعب الفلسطيني في كفاحه، وعدم القبول بوضع القدس والأقصى كما تريد إسرائيل؟ خاصة ان العراق كان من ضمن الجيوش التي خاضت الحرب ضدّ إسرائيل، فعقد الاتفاقيات معها مختلف عن الدول الهامشية.

في العراق، يبقى وأظن هو الحال في الدول الأخرى، أن حل القضية الفلسطينية واعادة الحق الى الشعب المهجر المشتت، مفتاح للتفكير الجهري الرسمي بمد جسور العلاقة مع اسرائيل.

شيروان شيمراني

رووداو