عاصمة جديدة لإيران صونا للنظام من غليان طهران

عاصمة جديدة لإيران صونا للنظام من غليان طهران

تجدد النقاش في إيران، حول مشروع تغيير العاصمة من جديد، بعدما أرسلت قاعدة “خاتم الأنبياء” التابعة للحرس الثوري الإيراني، طلبا رسميا إلى الرئيس حسن روحاني، تبدي فيه استعدادها لتولي مهام استبدال طهران، عاصمة البلاد منذ عهد القاجاريين عام 1795، بعاصمة أخرى جديدة، تضاف إلى قائمة عواصم بلاد الفرس “شيراز، أصفهان…”. تعود بدايات هذا النقاش إلى 2013، حين وافق البرلمان الإيراني ومجلس صيانة الدستور على قانون “دراسة جدوى نقل المركز السياسي والإداري للبلاد، والتنظيم واللامركزية من طهران”، وتكرر بعد أربعة أعوام، حين وجه 73 نائبا من مجلس الشورى طلبا للمرشد من أجل البت، بشكل مستعجل، في إجراءات نقل العاصمة إلى مدينة أخرى.
يقدم أصحاب مشروع تغيير العاصمة أكثر من حجة للدفاع عن مقترحهم، فطهران أضحت تمثل تهديدا أمنيا للنظام، بسبب التركز المفرط للأشخاص والثروة والصناعة، وتدفق المهاجرين بنحو ربع مليون شخص سنويا، ما حتم التفكير في ضرورة استبدالها، خوفا من اعتداءات طبيعية “زلازل” أو عسكرية “هجمات خارجية” أو عصيان مدني “احتجاجات شعبية”، وذلك بإزالة مرافق وجامعات وثكنات ومصانع…، وكل ما قد يمثل تهديدا محتملا للجمهورية الإسلامية، أو يتحول إلى مشكل لنظامها.
يعتقد الحرس الثوري أن حماية ركائز النظام في العاصمة باتت أولوية أساسية، ومركزته في طهران التي أضحت تساوي إيران غير مجد، لأن تضررها يعني أن البلاد كلها معطوبة. وكانت وتيرة الاحتجاجات الشعبية المتزايدة باستمرار، رغم بطش وقمع رجال المرشد، مؤشر قلق لدى المسؤولين، حيث شهدت البلاد، في نهاية 2019 انتفاضة شعبية، كشفت عن أن حجم الفجوة بين القيادة وبين الشعب بات كبيرا.
يسوق رجال المرشد للشعب الإيراني حججا، تجعل المواطن الإيراني البسيط، يعتقد أن النظام مهتم فعلا لأمره، على رأسها الحفاظ على صحة المواطنين وسلامتهم من التلوث، لوجود طهران في منطقة منخفضة بين ثلاث سلاسل جبلية، تسجل ارتفاعا في المصانع والسيارات “أربعة ملايين سيارة”، ما تسبب في مشكلة التلوث، إذ لم تشهد العاصمة سوى 15 يوما من الهواء النظيف، منذ بداية الربع الثاني من العام الجاري، حتى باتت طهران من أسوأ المدن من حيث تلوث الهواء في العالم، لقد تجاوزت مستويات التلوث في طهران ستة أضعاف الحد الأقصى الذي توصي به منظمة الصحة العالمية، بعدما بلغ 145 ميكرو جراما لكل متر مكعب، بدل 25 ميكرو جراما للمتر المكعب الموصى بها، ما يتسبب في وفاة آلاف من الضحايا كل عام.
يرى المعارضون في خطة تغيير العاصمة خطوة استباقية، تستغل فيها الأوضاع الاقتصادية والبيئية، وحتى الطبيعية “كثرة الزلازل”، من جانب قيادة الحرس الثوري لحماية النظام من أي ثورة شعبية لا يستطيع إخمادها، في أكبر مدن البلاد بتجمع سكاني يبلغ 15 مليون نسمة، خاصة بعد بلوغ البلاد شفا الانهيار، بسبب الفساد في النظام السياسي وسوء إدارة البلاد.
يبقى خبر تطوع “خاتم الأنبياء”، الفرع الاقتصادي للحرس الثوري الإيراني، الجانب المثير حقا في الموضوع، فكيف يحق لكيان اقتصادي تابع لمؤسسة عسكرية أن يتدخل في الشؤون السياسية، في أعلى المستويات، مطالبا الرئيس باستعجال أمر بناء “مدينة إسلامية حديثة”، لكن الخطة انكشفت، بعدما نشرت صحف محلية، نقلا عن لسان سعيد محمد قائد مقر “خاتم الأنبياء” أن الحكومة الإيرانية مدينة بنحو 12 مليار دولار لمقر “خاتم الأنبياء”.
تدير قاعدة “خاتم الأنبياء” معظم أعمال البناء والإنشاءات، إضافة إلى عمليات تهريب النفط والغاز وسائر المنتجات للالتفاف على العقوبات الأمريكية، كما تتولى أيضا تنسيق عمليات الحرس الثوري والقوات المسلحة الإيرانية الأخرى بما فيها الجيش النظامي، لتنفيذ مشاريع الإعمار والأنشطة الدينية والسياحة، وتضم الفنادق والمطاعم والمتاجر وغيرها بجانب الأضرحة، ما حولها إلى مركز لاستيعاب الأموال، وأكبر شركة هندسية في البلاد، تسيطر على عديد من القطاعات الاقتصادية.
كشف ما سبق، بشكل واضح، أن الحكومة والأحزاب في إيران، مجرد كراكيز “دمى” تتصدر الواجهة الإعلامية، وأن الانتخابات في الجمهورية أقرب إلى محطات ومواسم لتنفيس الضغط والاحتقان في أوساط الشعب، فيما الممسكون حقيقة بزمام هندسة وتدبير شؤون البلاد منتشرون في دواليب الأجهزة الموازية، تحديدا أخطبوط الحرس الثوري الذي يسيطر بطرقه الخاصة على المؤسسات الرسمية للدولة كافة.
بالموازاة مع نقاش مخطط استبدال العاصمة بمكاسبه الجمة ومغانمه الوفيرة على خزائن الحرس الثوري، التي تضررت كثيرا من إعادة فرض العقوبات على الدولة، نشرت صحيفة “الأندبندنت” البريطانية، يوم 21 أيلول (سبتمبر) الماضي، تحقيقا عن الحالة المعيشية في إيران، حيث التزايد المستمر في نسب الفقر والبطالة والهشاشة، وانخفاض الحد الأدنى للأجور.
معطيات التقرير تفيد بأن خطر الانفجار الاجتماعي وشيك جدا في جمهورية المرشد، فعلى سبيل المثال، من إجمالي عدد سكان إيران، يوجد حاليا 57 مليون شخص في سن العمل، لكن الأشخاص العاملين منهم حقا وفعلا، لا يتعدون 23,5 مليون شخص، فيما البقية بلا عمل أو دخل، وهذا يعني أن أكثر من نصف السكان في سن العمل عاطلون، وتشكل النساء أغلبية هؤلاء العاطلين عن العمل. مقارنة الرقم ذاته، أي عدد السكان العاملين في البلاد “23,5 مليون شخص” بعدد الأسر في البلاد “25 مليون أسرة”، تعني أن المتوسط في صفوف الإيرانيين هو وظيفة واحدة لكل أسرة.
حولت السياسات الداخلية والخارجية لرجال المرشد، دولة غنية لا حصر فيها للموارد البشرية والطبيعية إلى دولة يعيش فيها 4/3 السكان في حالة فقر مدقع. ونقيض الخطاب الدعائي والمستمر للنظام، كانت الأمور في عهد رضا بهلوي تسير نحو تقليل عدد الأشخاص الذين يعيشون تحت خط الفقر، فقد انخفضت نسبة الأشخاص الذين يعيشون تحت خط الفقر من 54 في المائة عام 1971 إلى نحو 28 في المائة عام 1975.
إن الإيرانيين ليسوا بحاجة إلى المن والصدقات عليهم من قبل النظام، بل يكفي أن يتخلى المرشد وأعوانه عن حلم التحول إلى قوة عظمى، بالاعتماد على الإرهاب وكراهية الغرب والبرامج النووية والصاروخية، وأن يعيد موارد البلاد إلى مواطنيها، وأن تترك قواعد اللعبة الديمقراطية بين يدي الإيرانيين حتى يعلموا المسؤولين حقيقة عن تدبير البلاد، لا الإمعان في أسلوب الإدارة بالتقية ومن وراء حجاب.

محمد طيفوري

الاقتصادية