موسكو – لم تخف روسيا غضبها من تولي أنقرة نقل المئات من المرتزقة السوريين للمشاركة في الحرب بين أذربيجان وأرمينيا حول إقليم ناغورني قره باغ، وهو ما يؤشّر على توتر في العلاقات بين البلدين، خاصة أن أنقرة تسعى لإثارة الأزمات في مناطق نفوذ تقليدية بالنسبة إلى روسيا بعد أن زاحمتها على النفوذ في سوريا وليبيا خلال السنوات الأخيرة.
وحذر رئيس المخابرات الخارجية الروسية سيرجي ناريشكين، الثلاثاء، من أن الصراع المتصاعد بين أذربيجان وأرمينيا بشأن جيب ناغورني قره باغ يجذب آلاف المتشددين الإسلاميين الذين يشكلون تهديدا لموسكو.
وقال ناريشكين إن الصراع الذي اندلع في السابع والعشرين من سبتمبر يستقطب أشخاصا، وصفهم بـ”مرتزقة وإرهابيين”، من الشرق الأوسط.
وأشار إلى عناصر هيئة تحرير الشام التي تنشط في سوريا وكانت تعرف سابقا باسم جبهة النصرة، وكذلك فرقة الحمزة وفرقة السلطان مراد وجماعات كردية متطرفة لم يسمّها.
وقال ناريشكين في بيان نشر بالموقع الإلكتروني للمخابرات الخارجية الروسية “نتحدث عن مئات بل آلاف بالفعل من المتشددين الذين يتطلعون إلى كسب المال في حرب جديدة في قره باغ”.
وأضاف “يجب أن نقلق من أن جنوب القوقاز قد يصبح منصة انطلاق جديدة للمنظمات الإرهابية الدولية، حيث يستطيع المسلحون أن يعبروا لاحقا إلى دول مجاورة لأذربيجان وأرمينيا ومن بينها روسيا”.
وكان الرئيس السوري بشار الأسد اتهم نظيره التركي رجب طيب أردوغان، الثلاثاء، بإشعال الصراع بين أرمينيا وأذربيجان وقال إن أنقرة ترسل مقاتلين إلى المنطقة.
وفي مقابلة مع وكالة الإعلام الروسية قال الأسد “إن أردوغان يدعم الإرهابيين في ليبيا، وكان المحرض الرئيسي في الصراع الأخير في ناغورني قره باغ بين أذربيجان وأرمينيا”.
وأضاف الأسد أن مقاتلين من سوريا نُقلوا إلى منطقة الصراع، وهو اتهام كان أول من أطلقه هو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي اتهم تركيا بإرسال جهاديين سوريين للقتال هناك، وهو ما نفته أنقرة وباكو.
وبخصوص مشاركة مقاتلين سوريين في الصراع قال الأسد “بوسع دمشق أن تؤكد هذا”.
ويعتقد مراقبون أن تصريحات الأسد مثلت مبررا لروسيا لإظهار غضبها من لعب الأتراك ورقة المرتزقة في مناطق نفوذها التقليدية، مشيرين إلى أن موسكو تسعى لتوظيف ورقة الإرهابيين، التي جاءت على لسان الأسد وقبله الرئيس الفرنسي ماكرون، للضغط على تركيا التي لم تجد إلى حد الآن من يقف في وجه إستراتيجية بناء النفوذ التي تتبعها في مناطق مختلفة متحديةً القوانين الدولية.
ويرى هؤلاء المراقبون أن التنسيق الروسي التركي في سوريا وليبيا كانت تحكمه ظروف مغايرة، أهمها أن البلدين يتحركان في ملاعب لم تكن فناء خلفيا لأيٍّ منهما، لكن هذه المرة انتقل التنافس إلى ميدان محسوب تاريخيّا على روسيا، ما جعلها تغضب لأن التحدي التركي يمس من صورتها كوسيط وضامن لتنفيذ الاتفاقيات بين الجمهوريات التي كانت أعضاء في الاتحاد السوفييتي السابق.
ولا يعرف سر إصرار تركيا على الاستنجاد بمقاتلين خسروا حروبهم في بلادهم بعد أن فتحوا الأبواب واسعة أمام التدخلات الأجنبية، وهل أن بإمكانهم ربح حروب الآخرين حين يتحولون إلى مرتزقة شعارهم القتل لأجل ضمان الرواتب؟
ولم يعد الحديث عن نقل مرتزقة سوريين من ليبيا إلى النزاع بين أرمينيا وأذربيجان مجرد توقعات أو تأويلات، بل صار حقيقة بعد أن كشفت عن تفاصيله جهات استخبارية ووسائل إعلام دولية ذات مصداقية.
وذكرت صحيفة “جريك سيتي تايمز” اليونانية أن الصحافية الأميركية ليندسي سنيل، التي كانت قد اختطفت سابقا على يد مجموعات سورية مدعومة من تركيا في شمالي سوريا، كتبت تغريدة على تويتر أكدت فيها أن المقاتلين الذين ينتمون إلى فرقة الحمزة وصلوا إلى العاصمة باكو عبر تركيا.
وكشفت سنيل أن هؤلاء المرتزقة في الغالب آتون من سوريا، لكن نحو 70 مسلحا كانوا في ليبيا أيضا.
ونشرت سنيل تسجيلا صوتيا لأحد المسلحين يقول فيه إن ما يصل إلى 1000 مقاتل سينقلون إلى أذربيجان.
وصرّح متمرد سابق شارك في الحرب الأهلية السورية لصحيفة “التايمز” البريطانية بأن تركيا جندت حوالي 200 من رفاقه للقتال في صفوف الأذريين.
وقال محمد محمود الصوراني، وهو عضو في الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا في محافظة إدلب، إنه سُجّل للانضمام إليهم.
وأضاف الصوراني أن الجيش التركي لم يجبر أحدا على التسجيل للقتال. لكن هذا كان الجانب المسيطر على هذه المنطقة (محافظة إدلب السورية)، التي تعاني من الجوع والفقر. وكان التجنيد مرتبطا بحاجة الشباب والآباء إلى المال.
وأوضح أن المعارك صقلت هؤلاء الرجال بعد سنوات من الصراع ضد القوات الموالية للأسد، بمن في ذلك الروس.
وتابع “هل هم مرتزقة؟ نعم. لكن لا يمكنني إلقاء اللوم على الرجال الذين ذهبوا إلى أذربيجان لأنني أعلم أنهم كانوا مجبرين بسبب (تردّي) الوضع الاقتصادي”. وقد علم المرتزقة أنهم سيستخدمون كحراس وضباط شرطة ومقاتلين في الصفوف الأمامية.
في النهاية، انسحب الصوراني وعلل ذلك قائلا “تمثّل أحد الأسباب التي دفعتني إلى تغيير رأيي في أننا قاتلنا الميليشيات الشيعية لمدة عشر سنوات هنا في سوريا، فلماذا نذهب الآن للقتال من أجل أذربيجان ذات الأغلبية الشيعية؟”.
وتابع “أريد أن تتوقف تركيا عن استغلال فقرنا. يتم استغلال الرجال السوريين، بينما يسعى السوريون لتحقيق السلام وليس الحرب”.
وأشار إلى أنه فقد الاتصال بالمقاتلين الذين ذهبوا إلى أذربيجان لأنه لم يُسمح لهم بالاحتفاظ بهواتفهم.
العرب