بيروت – كشفت مصادر سياسية لبنانية أن رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري اعتمد الأسلوب غير المباشر لاستبعاد نفسه من السباق إلى موقع رئيس الحكومة اللبنانية.
واعتبرت أن الكلام الصريح الذي وجهه إلى اللبنانيين خدم صورته الشخصية من جهة وأعاد بعض الأمل في إمكان تحسّن الوضع الاقتصادي من جهة أخرى.
لكنّ المصادر السياسية شدّدت على أن الأمل الذي خلقه سعد الحريري لا يمكن ترجمته على أرض الواقع في ظلّ طبقة سياسية يتحكّم بها حزب الله الرافض كلّيا للمبادرة الفرنسية وأي استعانة بصندوق النقد الدولي. وكان لافتا تأكيد الحريري عدّة مرّات أن المبادرة الفرنسية هي “الفرصة الوحيدة” المتوافرة أمام لبنان.
وأوضحت هذه المصادر أن الحريري، الذي كان يتحدّث إلى المحاور مرسيل غانم عبر فضائية “أم. تي. في” مساء الخميس، وضع عدّة شروط لتولّي موقع رئيس مجلس الوزراء.
وتعتبر هذه الشروط من النوع التعجيزي نظرا إلى أنّه ربط قبوله بالعودة بالمبادرة الفرنسية التي تعني تشكيل حكومة لا تضم سياسيين. وبرّر إمكان ترؤسه مثل هذه الحكومة على الرغم من أنه سياسي بإشارته إلى أن رئيس الجمهورية الماروني سياسي ونبيه برّي الشيعي سياسي، فلماذا ليس مسموحا بأن يكون رئيس الوزراء السنّي سياسيا؟
كما أشار الحريري إلى أن ماكرون طلب من الفرقاء السياسيين “تجميد خلافاتهم السياسية لمدة ستة أشهر” من أجل وضع حد للانهيار الاقتصادي في لبنان.
وقال “كل فريق سياسي يستطيع أن يخترع مشكلة في تشكيل الحكومة، ولكن إذا كانت الأحزاب السياسية تريد فعلاً وقف الانهيار وإعادة إعمار بيروت، عليها أن تسير بالمبادرة الفرنسية”.
وتوقف المراقبون السياسيون في بيروت عند قول الحريري إن مبادرة الرئيس إيمانويل ماكرون هي السبيل الوحيد والأسرع لإيقاف الانهيار وإعادة بناء العاصمة بيروت، مبديًا تخوفه مما يحصل اليوم من تسلح وعراضات عسكرية.
وسأل “ماذا يعني اليوم ما يحصل في بعلبك الهرمل؟ هذا انهيار الدولة”. ورأى أن “المشكلة ليست مشكلة نظام، بل مشكلة عقول، فنحن نذهب إلى الحدود القصوى بكل مواقفنا، كما حصل عندما شلّ البلد لمدة ثلاث سنوات لانتخاب الرئيس ميشال عون”.
وأشار إلى أن بعض السنّة يزايدون عليه لإيجاد موقع سياسي لأنفسهم، وسأل “أين السياسة؟ قل لي ما هو المشروع الذي يقوم به كل هؤلاء؟ ما هو البديل؟”.
ومن المزمع أن يجري الرئيس اللبناني ميشال عون الخميس المقبل مشاورات نيابية لتكليف رئيس وزراء جديد.
وفي سياق آخر، لفت الحريري إلى أن علاقته بالسعودية لا يمكن أن تهتز، واعتبر أن جبران باسيل شكل خطرا على هذا العهد الرئاسي لأنه اتبع سياسة إلغاء الفريق المسيحي الآخر.
وعن محاولات إطاحة حاكم المصرف المركزي رياض سلامة، اعتبر الحريري أنها لأسباب كيدية وسياسية، مؤكدًا أنه مع الإبقاء على سلامة في مركزه.
وردًا على سؤالٍ عمّا إذا كان يُحمِّل سلامة مسؤولية الانهيار، قال الحريري “أنا أحمل المسؤولية للسنوات الـ16 من الحكم ولكل ذلك التعطيل الذي حصل، نحن وصلنا إلى ناتج محلي إجمالي بقيمة ستين مليار، وأنا أقول لك صراحة، لو لم يكن هناك كل هذا التعطيل، فإن ناتجنا المحلي كان سيصل بكل سهولة إلى 130 أو 150 مليار دولار”.
وكان صندوق النقد الدولي حذر السلطات اللبنانية من التأخير في تنفيذ الإصلاحات الضرورية، ثم توقفت المحادثات مع الصندوق بعد نشوب خلاف بين مسؤولي الحكومة اللبنانية والمصرفيين والأحزاب السياسية بشأن حجم الخسائر المالية الهائلة التي تكبدتها البلاد.
وسئل الحريري: هل لديك أي معطيات إقليمية جديدة تسمح لك اليوم بتحديد اتجاه الحكومة؟ وهل لديك أي متغيرات جعلتك تختار هذا التوقيت الليلة؟ أجاب “أنا ليست لدي أي معطيات، وحين تحدثت معك كان بسبب أنك أصررت عدة مرات لإجراء مقابلة. وأنا لا أملك أي معطيات ولا أظن أن أحدا اليوم لديه أي معطيات”.
وأضاف “أنا أقول إن كل الفرقاء السياسيين قالوا ما لديهم ما عدا سعد الحريري. كما أن ما نراه اليوم في البلد من انهيار يفرض علينا أن نحكّم العقل على أي كلام يدفعك إلى مواقف من الصعب التراجع عنها”.
وأشار إلى أن “حزب الله وحركة أمل أقاما متاريس معينة وسيصعب عليهما الرجوع عنها. وأنا أرفض هذا الموضع لأن هذه المتاريس نقيمها في النهاية على بعضنا البعض وعلى الشعب اللبناني. ربما أنا أردت أن أتحدث اليوم لأنه بعد ما حدث في المبادرة الفرنسية، انكشف البلد على كل الاحتمالات، الأمنية وعدم الاستقرار والانهيار الاقتصادي”.
العرب