فاروشا.. ورقة تركية خاسرة لدعم القوميين من القبارصة

فاروشا.. ورقة تركية خاسرة لدعم القوميين من القبارصة

فاروشا (قبرص) – بدأ القبارصة الأتراك الأحد التصويت لاختيار رئيس جديد “لجمهوريتهم” المعلنة من طرف واحد ولا تعترف بها سوى تركيا، وذلك بعد ثلاثة أيام على إعادة فتح الجيش التركي لساحل مدينة فاروشا التي تشكل رمزاً لتقسيم الجزيرة المتوسطية.

وجاء إقدام تركيا على فتح فاروشا أو مدينة الأشباح كما يحلو للكثيرين تسميتها منذ فر منها سكانها القبارصة اليونانيون العام 1974، بهدف دعم المرشح القومي ورئيس الوزراء أرسين تتار للفوز في هذه الانتخابات التي تأتي في ظرفية حساسة بيد أن متابعين يرون أن هذه الخطوة أتت بنتائج عكسية.

وتعتبر “جمهورية قبرص الشمالية” أو “قبرص التركية” نفسها دولة، لا تعترف بها إلا تركيا، وتقع في الجزء الشمالي من جزيرة قبرص، وأغلب قاطنيها من أصول تركية، وتخضع بشكل كامل للسلطات التركية حيث يتجول بها الجيش التركي ويتعامل سكانها بالليرة التركية أيضاً.

ولاقت خطوة إعادة افتتاح فاروشا احتجاجات من قبل “القبارصة اليونانيين” الذين نظموا احتجاجا في الجانب الآخر من خط الهدنة الذي يفصل بين شطري الجزيرة، وتسير فيه الأمم المتحدة دوريات.

وبعد الاجتياح التركي للثلث الشمالي من الجزيرة في العام 1974، قسّمت الجمهورية إلى جزأين أحدهما مقفر بالكامل بعد تدمير أغلب معالمه السياحية الشهيرة من قبل القوات التركية.وتعتبر تركيا قبرص جزءًا رئيسيًا في استراتيجيتها لتوسيع حدودها البحرية.

وندد الرئيس القبرصي نيكوس اناستاسياديس بالأمر معتبرا أنه “انتهاك صارخ للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن الدولي”.

وكانت خطوة أردوغان الذي يمارس دور الوصاية على هذا الجزء من قبرص، عكس توقعاته، اذ أثارت غضب سكانها ودفعت البعض من الممتنعين عن المشاركة في التصويت إلى تعديل موقفه والتوجه لصناديق الاقتراع.

ورأى قبرصيون أنّ تركيا تتدخل في الشأن الداخلي للبلاد بدعمها للقوميين ورهانها على فرص رئيس الوزراء أرسين تتار للفوز بالرئاسية، وهو الذي أجرى محادثات مع الرئيس التركي قبيل إعلان افتتاح فاروشا.

ولقي قرار فتح فاروشا إدانة من معارضي تتار، إذ أعلن وزير خارجية السلطة الحاكمة في “قبرص الشمالية”، أوزراسي، استقالته بعد قرار إعادة فتح فاروشا، بسبب ما اعتبره تدخلاً تركياً في الشؤون الداخلية.

ويشكّل قرار الاستقالة، انهيار للائتلاف الحاكم للمنطقة، إذ انسحب “حزب الشعب”، الذي ينتمي إليه أوزراسي، مشدداً على أنّ تتار ينوي تحقيق مكاسب انتخابية، لحشد قاعدته القومية.

جاء قرار إعادة فتح شاطىء فاروشا بعد توقف محادثات السلام بين قبرص وتركيا حول تنقيب أنقرة عن احتياطي الغاز الطبيعي في البحر الأبيض المتوسط، معتبرة ذلك جزء لا يتجزأ من مخطط “الوطن الأزرق” الذي تأمل في أن يحقق لها إيرادات اقتصادية ضخمة.

ومع فتح أبواب المدينة للمرة الأولى منذ عقود تحت مراقبة جنود أتراك، دخل عشرات الزوار حاملين هواتفهم الذكية لالتقاط صور لفاروشا التي بدا كأن الزمن توقف فيها، ونمت في مقاهيها ومحلاتها ومنازلها المهجورة الأشجار والأعشاب البرية.

وكانت فاروشا المنطقة الساحلية التابعة لمدينة فماغوستا الشهيرة، في مطلع السبعينيات في طليعة المنتجعات السياحية في قبرص ومقصدا لنجوم هوليود ومشاهير آخرين، لكن الاجتياح التركي العام 1974 تسبب بفرار جماعي لسكان المدينة القبارصة اليونانيين، ما رسخ انقساما لا يزال قائما حتى اليوم.

والزوار المنتظمون إلى فاروشا كانوا حتى الآن من الجيش التركي الذي يقوم بحراسة المنطقة الجنوبية المسيجة والمتاخمة لأراضي الحكومة القبرصية، ودوريات تقوم بها من حين لآخر قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.

وينتخب القبارصة الأتراك رئيسهم من بين أحد عشر مرشحا، بينهم “الرئيس” المنتهية ولايته مصطفى أكينجي، في انتخابات الأحد، التي كانت مقررة في أبريل وأرجئت إلى هذا الشهر بسبب أزمة فايروس كورونا المستجد، مع رئيس الوزراء إرسين تتار.

ويعد مصطفى أكينجي الرئيس المنتهية ولايته في “جمهورية شمال قبرص التركية” التي لا تعترف بها سوى أنقرة، الأوفر حظاً للفوز في الانتخابات علماً أنه ديموقراطي اجتماعي عمل منذ فترة طويلة من أجل التقارب مع القبارصة اليونانيين.

ويؤيد أكينجي لإعادة توحيد الجزيرة في ظل دولة اتحادية، لكنه لم يخف بتاتاً نيته تخفيف العلاقات مع أنقرة، الأمر الذي أثار عداء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وترجّح استطلاعات الرأي فوز أكينجي في جولة ثانية أمام تتار، بعد إخراج المرشحين الآخرين من السباق في الجولة الأولى.

وانتقد أكينجي بشدة أسلوب إعادة فتح فاروشا ووصفه بعمل متحيز من أنقرة، قد يعقد علاقات القبارصة الأتراك مع المجتمع الدولي.

وقال إن “هذه الخطوات تهدف فقط إلى تعزيز فرص مرشح واحد” معتبرا ذلك “خطأ سيضع القبارصة الأتراك في وضع صعب على المسرح الدولي”.

وترأس أكينجي وفد القبارصة الأتراك في الجولة الأخيرة من محادثات إعادة توحيد الجزيرة برعاية الأمم المتحدة والتي انهارت، في سويسرا في يوليو 2017.

وكثيرا ما فكر القبارصة الأتراك في إعادة فتح فاروشا من جانب واحد، كوسيلة للدفع باتجاه تسريع المحادثات، لكنهم امتنعوا في السابق عن ذلك أمام معارضة الحكومة في الجزء الجنوبي المعترف به دوليا، والمجتمع الدولي.

وتنظم الانتخابات في وقت تشهد العلاقات توتراً حاداً بين تركيا واليونان حول استغلال النفط والغاز في شرق البحر المتوسط.

حذرت اليونان من أنها ستنضم إلى قبرص العضو في الاتحاد الأوروبي للقيام بمسعى جديد لدى التكتل لفرض عقوبات على تركيا، اذ قال الناطق باسم الحكومة ستيليوس بيتساس “على تركيا أن تتراجع خطوة. إذا لم تفعل ذلك، ستتم مناقشة القضية من جانب قادة الاتحاد الأوروبي الأسبوع المقبل”.

وقال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إنّ “الاتحاد الأوروبي قلق للغاية” إزاء إعادة فتح ساحل فاروشا وشدّد على “الطابع الملحّ لاستعادة الثقة وليس للتسبّب بمزيد من الانقسامات”.

دعا مجلس الأمن الدولي يوم الجمعة أنقرة إلى التراجع عن فتح جزء من مدينة في شمال قبرص الخاضعة للسيطرة التركية، وأعرب المجلس في بيان عقب مشاورات مغلقة “عن قلقه البالغ إزاء إعلان أنقرة في 6 أكتوبر عن فتح ساحل فاروشا” داعيا إلى عكس هذا الإجراء وتجنب أي إجراءات أحادية الجانب يمكن أن تثير التوترات في الجزيرة”.

وقد تعثرت المفاوضات خلال فترة حكم مصطفى أكينجي من أجل إعادة توحيد الجزيرة المقسمة، لا سيما فيما يتعلق بمسألة انسحاب عشرات الآلاف من الجنود الأتراك الموجودين في جمهورية شمال قبرص التركية.

وحتى إذا توّصل القبارصة اليونانيين والقبارصة الأتراك إلى تسوية بإعادة تطوير فاروشا، فإن ذلك سيستغرق على الأرجح سنوات عدة، فالفنادق الفخمة التي كانت مقصدا مفضلا لنجوم هوليوود مثل إليزابيث تايلور وريتشارد بورتون في عز أيام فاروشا، باتت في حالة بائسة يتعذر تصليحها.

وينبغي على أي مشروع رئيسي لهدمها وبناء منتجع جديد في مكانها، أن يأخذ في الاعتبار حقوق مالكي العقارات الذين فروا، ومن دون التوصل إلى تسوية تضفي طابعا شرعيا، من غير المرجح أن يتم جمع الاستثمارات الضخمة الضرورية لذلك.

وطالبت جميع قرارات مجلس الأمن الدولي وخطط سلام متعاقبة برعاية أممية، بالسماح للنازحين من فاروشا بالعودة، إن تحت إدارة الأمم المتحدة كإجراء مرحلي، أو تحت إدارة القبارصة اليونانيين في إطار تسوية شاملة.

العرب