الباحثة شذى خليل*
عرفت البشرية البترول والغاز الطبيعي قبل حوالي 5000 سنة، ويعد الأخير أخف من البترول، فإنه يقوم بتكوين طبقة أعلى من طبقة البترول، وهو عبارة عن غاز يغطي البترول، حيث يرافقه ويصاحبه، ولهذا فقد سمي بالغاز المصاحب.
ويرجع تاريخ صناعة الغاز في العراق، على المستوى التجاري إلى عام 1927، وعلى الرغم من امتلاك العراق ثروة هائلة من الغاز الطبيعي المصاحب لإنتاج النفط الخام والغاز الحر من حيث الحجم الكبير من الاحتياطيات المؤكدة والمحتملة، إلا أن إنتاج الغاز الطبيعي المسوق لا يتناسب مع الإنتاج الإجمالي من الغاز الطبيعي، ولا يتناسب مع ما يمتلكه العراق من احتياطيات كبيرة، فضلا عن تراجع مستوى صناعة الغاز في العراق وتدني قدرتها في تحويل الغاز الطبيعي الى منتجات غازية تعزز القيمة المضافة لهذه الصناعة وقوة الدفع للصناعات والقطاعات الأخرى .
تزداد أهمية الغاز الطبيعي كمصدر للطاقة كونه صديقا للبيئة ويمكنه تغذية النمو الاقتصادي في أجزاء كثيرة من العالم اليوم، وعلى مدى عقود في المستقبل.
يوفر الغاز الطبيعي المسال – LNG– غازا طبيعيا أقل تلويثًا للبيئة من مناطق الإنتاج البعيدة عن الأسواق، حيث الحاجة إلى إمدادات إضافية مستوردة.
وتساعد المرونة السوقية للغاز الطبيعي المسال على تحسين أمن الإمدادات في جميع أنحاء العالم، وهذان فقط هما مجرد محفزين ليكون الغاز الطبيعي المسال أحد أسواق الطاقة الأسرع نموًا في العالم، مع توقع وصول الطلب إلى أكثر من الضعف، ليبلغ نحو 480 مليون طن سنويًا (MTA) على مدار العشرين سنة المقبلة.
يشغل العراق المرتبة الحادية عشرة بين دول العالم الغنية بالغاز الطبيعي بعد كل من روسيا وإيران وقطر والسعودية والإمارات وأميركا ونيجريا وفنزويلا والجزائر، وتبلغ الاحتياطيات المؤكدة فيه نحو 112 ترليون قدم مكعب.
أما الاحتياطي الإجمالي للغاز الحر فهو 32.7 ترليون قدم مكعب ويمثل نسبة 25% من احتياطات العراق من الغاز، ولا يشمل ذلك الكثير من مناطق كردستان المستثمرة في السنوات الأخيرة، ومن المؤمل ان يتقدم ترتيبه، إذا ما احتسبت التطورات الأخيرة، وعندما يستكمل استكشافاته، خصوصاً في طبقات أعمق، والتي تعطلت لعقود طويلة بسبب الوضع الأمني غير المستقر.
ارتفع حرق الغاز إلى مستويات لم نشهدها منذ أكثر من 11 عامًا، إلى نحو 150 مليار متر مكعّب، وهو ما يعادل إجمالي استهلاك الغاز السنوي في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وفقًا لبيانات حديثة.
وأرجع تقرير صادر عن البنك الدولي ارتفاع حرق الغاز بنسبة 3%، ليصعد من مستوى 145 مليار متر مكعّب خلال عام 2018، إلى نحو 150 مليار متر مكعّب خلال عام 2019، بسبب ارتفاع الحرق في الولايات المتّحدة وفنزويلّا وروسيا.
وسبب حرق كمّيات من الغاز المصاحب هو لاستخراج النفط، إذ لا يمكن للأنابيب استيعابه، أو لعدم وجود أنابيب أصلًا.
وتقول الشركات، إن هذا الإجراء المعروف باسم “الإحراق” أو “الإشعال”، هو الأكثر ملاءمة من الناحية البيئيّة للتخلّص من الفوائض التي لا يمكن بيعها، لأن غاز الميثان لو تُرك دون حرق، كان أخطر على البيئة من الحرق الذي يُنتج غاز ثاني أكسيد الكربون.
في حرق الغاز المصاحب، يبرز اسم العراق، الذي يحتلّ الترتيب الثاني في حرق الغاز المصاحب في العالم، بعد روسيا، رغم النقص المزمن الذي يعانيه في الطاقة، والانقطاعات المتكرّرة للتيّار الكهربائي التي يعيشها الكثير من المواطنين في العراق، إلّا أن العراق يعدّ ثاني أكبر دول العالم حرقًا للغاز المصاحب للنفط.
وأوضحت إدارة معلومات الطاقة الأميركية، أن العراق قام بإشعال 629 مليار قدم مكعّب من الغاز الطبيعي، حيث يجري حرق الغاز الطبيعي بسبب عدم كفاية خطوط الأنابيب والبُنية التحتيّة الأخرى وسط المياه.
وبحسب وكالة الطاقة الدولية، فإن كمّية الغاز التي يشعلها العراق، كافية لإمداد ما لا يقلّ عن 3 ملايين منزل بالطاقة.
وتشير بيانات للبنك الدولي إلى أن افتقار حقول النفط العراقية لمعدّات جمع الغاز، يؤدّي لحرق وإضاعة 18 مليار متر مكعّب من “الغاز المرتبط بالبترول” سنويًا.
وتشير التقديرات أن حرق الغاز المصاحب للنفط يكلّف العراق نحو 2.5 مليار دولار سنويًا، أو ما يعادل 1.55 مليار قدم مكعّبة من الغاز يوميًا، أي 10 أضعاف الكمّية التي يستوردها من إيران، ومن الجدير بالذكر أن لدى العراق احتياطي إستراتيجي مثبت من مادة الغاز الطبيعي يقدر بحدود 3.6 ترليون متر مكعب، متجاوزا بهامش كبير عن احتياطي الجارة إيران من الغاز، غير ان إنتاج الغاز في العراق تباطأ كثيرا خلال العقد الماضي، حيث ركزت الوزارة أكثر على مصدر البلد الرئيس للموارد المالية المتمثل بقطاع إنتاج النفط .
هدر متعمد.. لم تهتم شركات النفط الأجنبية باستثمار الغاز المصاحب لإنتاج النفط في العراق عند اكتشاف النفط في حقل بابا كركر بكركوك عام 1927، ومنذ ذلك الوقت والغاز العراقي المصاحب يهدر حرقا، اضافة الى إغلاق العديد من آبار الغاز في بعض الحقول ومنها: كورمور، وجمجمال، وخشم الأحمر .
وبدأ الاهتمام باستخدام الغاز الطبيعي على نحو محدود في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي.
وعملت الحكومة العراقية في الستينيات من القرن الماضي على بناء مشاريع مهمة لاستثمار الغاز في البصرة، شملت محطة كهرباء النجيبية ومعمل الأسمدة في أبو الفلوس، ومعمل الورق في نهران عمر ومحطة كهرباء الشعيبة .
واستمر الاهتمام الفعلي بالغاز في العراق في سبعينيات القرن الماضي، إذ وصفت هذه الفترة بالذهبية، لاستثمار الغاز في العراق سواء في جانب الإنتاج من خلال شركة النفط الوطنية، أو في جانب الاستهلاك من خلال وزارة الصناعة والمؤسسة العامة للكهرباء، وقد استمر بناء المشاريع الجديدة حتى السنوات الاولى من الثمانينيات رغم ظروف الحرب مع إيران .
” تقدر قيمة هدر الغاز في العراق بـ 45 مليار دولار سنويا نتيجة حرق الغاز المصاحب لاستخراج النفط، في حين أن عمليات الزيادة في حرق الغاز ارتفعت مع ارتفاع إنتاج النفط من 3 الى 4.5 مليون برميل يوميا، في حين ارتفع الحرق من 13.3 مليار متر مكعب الى 17.8 مليار متر مكعب يوميا بحلول عام 2017، ويتعين على العراق وضع خطة لإيقاف هذا الهدر المتعمد، لأننا في عصر تكنلوجيا حديثة وإمكانيات مالية جيدة، بالإضافة الى عدم التخطيط والفساد والفشل التي تحول بين الثروات والحفاظ على ثروات البلد .
ويذكر بعض المختصين ان سعة معالجة عمليات حرق الغاز المصاحب في العراق كانت في عام 2002 أكثر بقليل من 16 مليار متر مكعب، وهي نفس النسبة الباقية حتى الآن، حيث أشارت متوسط احصاءات الغاز في العراق الى إنتاج 19.2 مليار متر مكعب واستهلاك قدره 7.3 مليار متر مكعب بين شهري أيلول عام 2008 الى حزيران من عام 2017، مما يعني ان عملية الحرق المهدور تبلغ 11.9 مليار متر مكعب او ما يعادل 62% من الإنتاج او قيمة 196 ألف برميل من النفط يوميا.
وعلى الرغم من وصول سعر برميل النفط الخام الى حوالي 70 دولارا، فإن المورد المهدور من الغاز تبلغ قيمته 45 مليار دولار سنويا، وهو ما يكفي لبناء صناعة غاز جديدة بالكامل في العراق.
وخلاصة القول.. إن العراق يمتلك ثروة هائلة تهدر وتحرق يوميا، وكان من الممكن ان تستثمر تلك الثروة لتنمية الاقتصاد العراقي، خاصة مع ازدياد نمو الطلب العالمي على الغاز بنسبة 1.6% سنوياً حتى عام 2024، بدعم من الاستهلاك في الصين، الذي يشكل أكثر من ثلث نمو الطلب، وعلى الدولة العراقية ان تولي القطاع اهتماماً خاصاً بإعادة تأهيل قطاع توليد الطاقة الكهربائية بدعوة شركات عالمية للمساعدة في إعادة إعمار البنى التحتية لهذا القطاع .
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية