مع بدء العد التنازلي لأهم انتخابات في العالم، بدا لافتا لدول الشرق الأوسط تجاهل أجندة المرشحين في السباق باتجاه البيت الأبيض للمنطقة باستثناء إيران، وعدم إعطائها الزخم اللازم والذي لطالما كان حاضرا في كل الانتخابات السابقة. هذا الأمر لفت أنظار المراقبين والمحللين وحرك سيلا من التساؤلات عن المكاسب والخسائر من هذا الموقف الذي يضفي المزيد من الغموض على مستقبل أسخن الأماكن من حيث تشابك التوترات والصراعات والنزاعات.
واشنطن – يلاحظ المراقبون أن إحدى أبرز الأولويات الرئيسية في سياسات الولايات المتحدة الخارجية على مدى عقود، والمتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط، غابت بشكل واضح عن حملات المرشح الجمهوري الرئيس الحالي دونالد ترامب ومنافسه الديمقراطي جو بايدن، مما فجر حزمة من التساؤلات حول اختفاء هذه النقطة هذه المرة.
وتاريخيا، يتنافس المشرحون للرئاسة على إقناع الناخبين بمجموعة من الملفات التي تشكل عصب سياسة الولايات المتحدة وتصب في باب الأمن القومي، وهي تتأرجح بين تفعيل الدبلوماسية في كافة الاتجاهات وتعزيز العلاقات مع الحلفاء وتشكيل استراتيجية العمليات العسكرية في الخارج، وكذلك المساعدات والمعونات الخارجية.
ولكن هذا ليس كل شيء، فالمرشحون يلعبون أيضا على وتر حماية الديمقراطية من الاختراقات الخارجية، ومراجعة المتطلبات الدستورية للكونغرس.
وما يؤكد هذا الأمر ما ذكره مركز صوفان الأميركي في تقرير حديث سلط فيه الضوء على أن المرشحين لم يستغلا أخطاء الماضي وفقا للثوابت التقليدية وخاصة بايدن الذي اتخذ طريق المواجهة الشخصية مع ترامب في مناظرتين تلفزيونيتين اتسمتا بتقاذف الاتهامات دون أن يقنع أي منهم الناخبين.
انطفاء جذوة الحماسة
تشير أغلب التقارير الرسمية الصادرة عن البنتاغون ومجلس العلاقات الخارجية إلى أن التحديات المستقبلية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، تتمثل في احتواء طموحات إيران النووية وتسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ودعم الحلفاء في الخليج العربي ومصر والأردن.
وإلى جانب ذلك، فعل ما يلزم من أجل دعم استقرار الأوضاع في ليبيا والعراق ومحاولة إنهاء التحالف بين سوريا وروسيا وإيران مهما كانت الظروف.
ولكن مع ذلك يتأكد للمراقبين كل يوم أن جذوة الحماسة الأميركية لحل مشاكل الشرق الأوسط انطفأت بشكل غير مسبوق ويبدو ترامب وهو في منصبه كمن يتحرك على رمال ساخنة، إذ من الواضح أن سياسته لم تنفع أو تضر الولايات المتحدة ولذلك فهو يسير في الانتخابات الجديدة غير مبال بما يحدث، مثلما هو الحال مع بايدن.
وخلال الانتخابات الرئاسية الأميركية الماضية، كانت قضايا السياسة الخارجية، وسياسة الشرق الأوسط على وجه الخصوص، محورية في النقاش الأميركي ولكن خلال العام الجاري والعالم على أعتاب انتخابات مثيرة في الثالث من نوفمبر المقبل، بالكاد ظهر الجدل حول المنطقة في الحملات الانتخابية، باستثناء محتمل لسياسة الولايات المتحدة تجاه إيران.
وكان هناك القليل من الجدل حول سحب إدارة ترامب المعلن للقوات الأميركية من كل من العراق وأفغانستان، وهما الدولتان اللتان نفذت فيهما الولايات المتحدة تدخلات عسكرية كبيرة في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001 على مبنيي التجارة العالميين في مدينة نيويورك.
وتمثل هذه الانسحابات جهود ترامب للوفاء بوعوده في حملته الانتخابية لعام 2016 ضمن شعار «أميركا أولا» لإخراج الولايات المتحدة من «الحروب التي لا نهاية لها» في المنطقة، بيد أن هذا الحل يعطي انطباعا بأن واشنطن ستترك المجال أكثر لخصومها الكبار وهما روسيا والصين، وكذلك إيران، التي تعد «الولد المشاغب» لإدارة الرئيس السابق باراك أوباما حيث قام بعقد صفقة نووية معها لتقويض نفوذها العسكري في الشر ق الأوسط.
وتأتي عمليات الانسحاب على الرغم من استمرار التهديدات للمصالح الأميركية في كلا الدولتين، أي العراق وأفغانستان، وبعد مقتل أكثر من سبعة آلاف جندي أميركي وما لا يقل عن تريليوني دولار تم إنفاقها في المسرحين.
ويرى خبراء مركز صوفان أن تراجع النقاشات حول الشرق الأوسط في الحملة الانتخابية للولايات المتحدة يعكس أمرا لا يختلف عليه اثنان وهو أن التكاليف البشرية والمالية للتدخلات الأميركية في المنطقة الأوسع منذ هجمات 11 سبتمبر كانت غير متناسبة مع المكاسب التي تحققت. يبدو أن التدخل الأميركي المكثف في المنطقة لم يعزز المصالح الأميركية أو ينتج الاستقرار.
وحتى بعد التدخلات الأميركية، وإرسال مليارات الدولارات من المساعدات الخارجية السنوية للمنطقة، لا يزال الشرق الأوسط يستضيف العديد من الدول الفاشلة والصراعات، التي تبدو مستعصية على الحل، بما في ذلك في سوريا واليمن والعراق وأفغانستان ولبنان وليبيا.
ويبدو الآن أن الإسرائيليين والفلسطينيين منفصلون أكثر من أي وقت مضى، على الرغم من 50 عاما من الدبلوماسية الأميركية لمحاولة تحقيق «حل الدولتين». وتدرك المؤسسة العامة والسياسية الأميركية جيدا أن الولايات المتحدة لديها حاجة أقل بكثير إلى موارد الطاقة في المنطقة عما كانت عليه قبل عشر سنوات.
ومن الجدير بالذكر أن معاهد الأبحاث البارزة في واشنطن ومراكز الفكر، التي تركز على المنطقة، كما فعلت في الكثير من الأحيان خلال مواسم الانتخابات الماضية، لم تنتج تقارير تحتوي على توصيات شاملة لـ»استراتيجية» أميركية شاملة في الشرق الأوسط.
ويعكس الغياب الواضح لمثل هذه التقارير اعتراف الخبراء الإقليميين بأن المؤسسة السياسية الأميركية لم تعد مستعدة أو قادرة على استثمار الموارد المالية والدبلوماسية الهائلة اللازمة لإعادة هيكلة المنطقة لصالح الولايات المتحدة.
ملفات مصيرية
يعتقد خبراء مركز صوفان أن تسهيل إدارة ترامب لإبرام اتفاقية تاريخية بين الإمارات والبحرين لتطبيع العلاقات مع إسرائيل لم يغير الحملة الأميركية، ولكن في ما يتعلق بالقضية الإقليمية الأهم، والتي تمت مناقشتها، وهي السياسة الإيرانية، فيختلف الرئيس الأميركي بشدة مع نائب الرئيس السابق بايدن.
ورغم الاختلافات في مواقف الرجلين لسياسات بلدهما الخارجية تجاه إيران، لم يلق الرئيس ترامب ولا المرشح الديمقراطي للرئاسة بايدن خطابا خلال الحملة الانتخابية يرسم رؤية شاملة لسياسة الولايات المتحدة في المنطقة.
ومع ذلك، يقدر الخبراء أن كلا من روسيا والصين تتعدى بشكل متزايد على المنطقة وتضعف نفوذ الولايات المتحدة هناك. كما أن هناك مؤشرا آخر على تراجع بروز المنطقة من خلال عدم وجود تأثير واضح على الحملة الانتخابية لاتفاقيات سبتمبر بين الإمارات والبحرين لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
وعقدت الإدارة حفل توقيع حظي بتغطية إعلامية كبيرة لما يسمى بـ»اتفاقيات أبراهام» في البيت الأبيض في الخامس عشر من سبتمبر الماضي، على أمل الإعلان عن نجاحها في تحقيق بعض الإنجازات الدبلوماسية على الأقل في المنطقة.
ومع ذلك، لا يبدو أن الإنجاز الدبلوماسي يغير شكل السباق الانتخابي الرئاسي أو يثير نقاشا أوسع حول كيفية تحقيق الولايات المتحدة للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين.
غياب نقاش أميركي حول الشرق الأوسط يعكس الإرهاق العام بشأن التدخلات العسكرية المكلفة منذ هجمات 11 سبتمبر
والقضية الإقليمية الوحيدة، التي ظهرت بشأنها تناقضات حادة هي قضية إيران، ولاسيما موقف الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية الإيرانية متعددة الأطراف لعام 2015.
وألغت إدارة ترامب الاتفاق في مايو 2018، في المقام الأول على أساس أن الاتفاقية ركزت بشكل ضيق على البرنامج النووي الإيراني وقدمت تخفيفا للعقوبات التي يمكن أن تستخدمها إيران لتحدي المصالح الأميركية.
ووضعت الولايات المتحدة إيران على أنها خصم كبير للولايات المتحدة لا يمكن مواجهة تحدياتها إلا من خلال ممارسة «أقصى قدر من الضغط» على الاقتصاد الإيراني من خلال فرض عقوبات شاملة.
وكانت إدارة أوباما قد اعتبرت الاتفاقية نتاجا رئيسيا لمدة عامين من الدبلوماسية مع إيران التي تراجعت عن برنامجها النووي، وزعمت أنها قللت من التهديد الاستراتيجي الشامل من إيران.
وليس من المستغرب أن يصدر بايدن، الذي كان نائب الرئيس في عهد الرئيس أوباما، افتتاحية في الـ13 من سبتمبر الماضي يؤيد فيها مزايا الاتفاقية ويلتزم بالعودة إلى الاتفاقية إذا تم انتخابه.
وقد جذبت الخلافات الحادة انتباه قادة إيران الذين يأملون في أن تؤدي الانتخابات الأميركية إلى تخفيف العقوبات، التي تسببت في أضرار اقتصادية كبيرة، لكنها لم تدفع طهران إلى تغيير استراتيجيتها الإقليمية.
العرب