يبدو أن رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، مصرٌّ وجادٌ ومندفعٌ باتجاه أخذ العراق فعلياً نحو عهد جديد ستتغير فيه -في حال نجاحه وقدرته على تحقيق طموحاته وتعهداته- قواعد اللعبة السياسية، وسيسهم في إعادة ترميم سيادة العراق، وتخليصها مما لحق بها من أذىً وانتهاكاتٍ جعلت منه على مدى عقدٍ ونصف، بلداً مستباحاً على الصعد كافة، السياسية والأمنية والاقتصادية.
يشكلُ رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي حالةً فريدةً من نوعها في هذه الظروف العراقية القاسية، والإقليمية المعقدة، والدولية الواقعة تحت أعباء جائحة فيروس كورونا، والمشكلات الاقتصادية والأمنية، إذ بالرغم من كل ذلك، يمكن ملاحظة حركته الخارجية والداخلية الكثيفة، ما يجعله “رجل الساعة”.
فالإجراءات التي اتخذها مصطفى الكاظمي لحماية البعثات الدبلوماسية بشكلٍ عام، والسفارة الأميركية بشكلٍ خاص، لأنه يدرك العواقب الوخيمة على العراق في حال أغلقت الولايات المتحدة الأميركية سفارتها في بغداد، ولمنع ذلك، أرسل الكاظمي الوفود إلى طهران حيث نتج عن تلك التحركات أخذ ضماناتٍ من الجانب الإيراني تتعلق بعدم الاعتداء على البعثات الدبلوماسية بالعراق، كما تواصل الكاظمي مع ممثلي الإدارة الأميركية الذين ثمنوا جهوده في تعزيز الحماية للبعثات الدبلوماسية، حيث توصلت هذه الإدارة إلى قناعة مفادها “تأجيل غلق السفارة الأميركية في العراق”، وهذا الأمر يحسب لمصطفى الكاظمي الذي يسعى بكل جهد إلى تجنيب العراق مآلات الصراع الأميركي الإيراني.
الثابت أن معركة مصطفى الكاظمي من أجل استرداد الدولة العراقية لن تكون سهلة، على الرغم من الدعم الأميركي، وعلى الرغم من دخول حكومته في مفاوضات إستراتيجية مع الولايات المتحدة بشأن مستقبل وجودها في العراق.
ستقاتل إيران بكل ما بقي لديها من إمكانات كي تبقى في العراق، خصوصا وأن النظام الإيراني فيها يعرف أن مستقبله مرتبطٌ إلى حدّ كبير بإمكان تصدير ثورته إلى خارج حدوده.. إلى العراق تحديداً.
الكاظمي يحاول وبالجهود الشاقة، وبهدوءٍ وذكاءٍ ودون تهور، أن يجتاز تلك الخطوط الحمراء الموضوعة له من طرفي المعادلة “الإيرانية- الأميركية” بما يصبُ في مصلحة العراق، فهو يشق الطريق وسط الألغام المزروعة من قبل خصومه نحو تقليم حجم ونفوذ الـ (لا الدولة)، وإعادة هيبة الدولة العراقية، الهيبة المقصودة بحماية الحريات المنصوص عليها في الدستور، وفرض القانون داخلياً لحماية المجتمع، حيث أمنه واستقراره، وتوازن العلاقات العراقية، إقليمياً ودولياً، ويحاول في نفس الوقت تعزيز القرار السياسي العراقي المستقل بالقدر المسموح له والقادر عليه، وتقليص نفوذ الدول الإقليمية في البلاد، وإصلاح ما يمكن إصلاحه خلال فترة حكومته، وهو في كل تلك المسارات، يواجه المقاومة المستميتة من القوى والمجاميع التي تتضرر مصالحها من بناء الدولة القوية والعصرية وذات السيادة، وتملك كامل مقوماتها، واستطاع الكاظمي فعلاً وبفترة وجيزة، وببعض الإجراءات الشجاعة، من كسب قطاع عريض من الشارع العراقي.
ميزات الكاظمي ونقاط القوة لديه متعددة، وتوحي بقدرته على تنفيذ ما يدور في رأسه من أفكار، وما يخطط له من برامج، وفي مقدّمتها أنه رجل جمع سابقاً بين متناقضات الإعلام والأمن، عندما تحوّل من كاتب لمقالات الرأي في مؤسسات عراقية وأجنبية، إلى رئاسة الجهاز الأمني والمعلوماتي الأهم، وهو جهاز المخابرات الوطني العراقي، الذي لعب دوراً محورياً في الحرب ضد تنظيم «داعش» الإرهابي، إضافة إلى استقلاليته وعدم ارتباطه أو انتمائه إلى أيٍ من الأحزاب السياسية العراقية، وكذلك كونه غير محسوب على أية توجهات دينية أو أيديولوجية، فضلاً عن امتلاكه شبكة علاقات قوية وقنوات اتصال فاعلة مع عشرات الدول والأجهزة التي تعمل ضمن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، والتي تمكّن من نسجها إبان رئاسته لجهاز المخابرات.
إن نجاح الكاظمي في مهمته الوطنية يعتمد على عدم الرضوخ لأي ضغوطات تحاول قوى الشدّ العكسي ممارستها والمضي قدماً، وتنفيذ ما وعد به في هذا الصدد، وهو أن يتم نزع سلاح الميليشيات كافة، وفي مقدّمتها حصر السلاح بيد الدولة، وكذلك تنظيف الجهاز الحكومي والأجهزة الأمنية، وحتى الجيش على مختلف المستويات، من آفة الفساد المستشري في مفاصل الدولة، والتخلص من كافة المسؤولين المدنيين والعسكريين الذين تمّ تعيينهم وفقاً لصفقات إما سياسية، أو مالية.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية