مع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية في الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني)، يتزايد القلق الديمقراطي من رفض الرئيس الأميركي دونالد ترمب المتكرر التعهد بشكل واضح لتسليم السلطة بشكل سلمي في حال خسارته. فترمب ردد مراراً وتكراراً أنه لن يخسر الانتخابات إلا في حال حصول غش فيها، ورفض في أكثر من مناسبة التأكيد على التزامه بنتيجة الانتخابات في حال خسارته. ويتخوف الديمقراطيون من أن تكون تصريحات الرئيس الأميركية المتكررة مبنية على استراتيجية مدروسة بعناية، تمهد للطعن بأي فوز محتمل للمرشح الديمقراطي جو بايدن من خلال الإعلان أن بطاقات التصويت البريدية مغشوشة. فبمجرد أن قررت ولايات عدة توسيع عملية التصويت عبر البريد في ظل تفشي فيروس «كورونا»، كثف ترمب من انتقاداته لعملية التصويت هذه معتبراً أنها ستؤدي إلى غش كبير في الانتخابات، وأنها ستؤخر من حسم النتيجة بأيام وأشهر وسنوات. ولعلّ أكثر ما يؤرق نوم الديمقراطيين هو تأكيد الرئيس الأميركي أنه سيفوز في الانتخابات الرئاسية من دون أدنى شك. تصريحات هدفت بشكل واضح لاستفزاز الديمقراطيين، ونجحت بمهمتها، فترمب تمرس في فن التلاعب بأعصابهم، لكنهم هذه المرة جندوا كل مواردهم لمواجهة ما باتوا يطلقون عليه اسم: «سيناريو الكابوس»، وهو احتمال رفض الرئيس الأميركي مغادرة البيت الأبيض في حال خسارته.
ولم يكن ترمب أول من طرح فكرة تحديه لنتيجة الانتخابات، بل هو أمر توقعه منافسه الديمقراطي جو بايدن منذ شهر أبريل (نيسان) عندما قال: «تذكروا كلماتي: أعتقد أنه (ترمب) سيحاول تغيير موعد الانتخابات بشكل من الأشكال، سوف يختلق سبباً يبرر تأجيلها.». ولدى تحقق توقعات بايدن، ما كان منه إلا وأكد أن الجيش الأميركي سيتدخل في حال رفض ترمب مغادرة البيت الأبيض، ويرافقه خارج المكتب البيضاوي. وهو موقف دعمته رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، لكن آمال بايدن وبيلوسي بالاعتماد على الجيش لحل أزمة سياسية تبددت، بعد أن أرسل رئيس الأركان المشتركة مارك ميلي رسالة رسمية إلى الكونغرس تؤكد حيادية الجيش في مواقف من هذا النوع. ودفع ميلي بالموضوع إلى المحاكم الأميركية فقال في الرسالة التي وجهها إلى لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب: «في حال حصول خلاف على الانتخابات، فإن المحاكم الأميركية والكونغرس معنيون بحل هذه النزاعات وليس الجيش الأميركي».
وقد تركت تصريحات ميلي هذه خياراً واحداً أمام الديمقراطيين: التأهب لمعركة قانونية كبيرة في حال رفض ترمب تسليم السلطة إذا ما خسر، أو رفضه الاعتراف بنتيجة التصويت عبر البريد.
وبحسب مصادر في الكونغرس، يستعد الديمقراطيون لمعركة أكبر بكثير من معركة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش ومنافسه آل غور في العام 2000 أمام المحكمة العليا التي حسمت السباق لصالح بوش في الثاني عشر من ديسمبر (كانون الأول)، أي بعد أكثر من شهر على تاريخ الانتخابات. ويخشون بشكل كبير من التأثير الذي سيحدثه تعيين القاضية المحافظة إيمي كوني باريت في المحكمة بعد وفاة القاضية الليبرالية روث بايدر غينزبرغ. فبهذا التعيين، وفي حال المصادقة المتوقعة قبل الانتخابات، سترجح كفة المحكمة للمحافظين ليصبح لديهم ٦ مقاعد مقابل ٣ فقط لليبراليين. وترك هذا الموضوع الديمقراطيين أمام خيار واحد: تعزيز استعداداتهم القانونية أمام أي مواجهة محتملة مع المعسكر الجمهوري. في هذا الإطار، أكدت حملة بايدن الانتخابية أنها بنت أكبر برنامج لحماية الانتخابات في تاريخ الحزب الديمقراطي، وذلك من خلال توظيف آلاف المحامين والمتطوعين في كافة أنحاء البلاد.
ويقول مارك بروير أحد المحامين الذين وظفتهم حملة بايدن إن «ترمب يزرع بذور الشك في الانتخابات ليدعي في حال خسارته أنها كانت مغشوشة وأنه سيذهب إلى المحاكم وأنه سيدعو مناصريه إلى الطرقات… هذا الرجل قادر على كل شيء لذا يجب أن نخطط لكل شيء».
وتنسق حملة بايدن الانتخابية مع الحزب الديمقراطي استعداداً لمواجهات قضائية متعلقة بالتصويت غيابياً وإعادة احتساب الأصوات، أو حتى احتمال تهديد بعض مناصري ترمب للناخبين لدى توجههم إلى صناديق الاقتراع في يوم الانتخابات. وقد وظف الديمقراطيون، مسؤولين مختصيّن في حماية عملية التصويت في 19 ولاية متأرجحة على الأقل إضافة إلى المحامين والمتطوعين.
يعتبر الديمقراطيون أن السيناريو الوحيد الذي قد يجنبهم المواجهة هو فوز ساحق لبايدن، لهذا فقد اعتمدت الحملة على استراتيجية مكثفة لدفع الناخبين باتجاه التصويت المبكر، وإرسال بطاقاتهم الانتخابية عبر البريد بأسرع وقت ممكن. وذلك بهدف احتساب هذه الأصوات وعدم الانتظار إلى ما بعد يوم الانتخابات في الثالث من نوفمبر. وقد حث المرشح الديمقراطي الناخبين للتصويت، فقال لهم: «صوتوا! صوتوا! إذا حصلنا على أصوات كثيرة فسوف تحسم المسألة. وسوف يغادر. لن يمكنه حينها البقاء في السلطة».
وهو موقف توافق عليه المحامية الديمقراطية جنيفر هولدسويرث التي قالت: «إذا كانت النتيجة متقاربة، فهذا سيذهب لصالح ترمب. إذا كان الهدف تجنب سرقة الانتخابات، فيجب أن نحرص على التأكد من أن فارق الأصوات كبير للغاية».
حتى في حال خسارة الرئيس الأميركي في انتخابات نوفمبر، سيكون التحدي الأبرز أمام الديمقراطيين محاولة السيطرة على أي قرارات يتخذها حتى موعد تسليمه لمقعده في العشرين من يناير (كانون الثاني). فرغم أن الفترة بين نوفمبر ويناير تسمى بفترة «البطة العرجاء» ما يعني فترة تصريف الأعمال، فإن الديمقراطيين يتخوفون من أن يتخذ ترمب قرارات مهمة لن يتمكنوا من تغييرها بعد تسلمهم السلطة خاصة أن مجلس الشيوخ سيكون أيضاً تحت سيطرة الجمهوريين حتى بداية العام المقبل. ويقول رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب آدم سميث إنه طرح هذه القضية مع المسؤولين العسكريين في البنتاغون: «الرئيس ترمب سيظل رئيساً حتى العشرين من يناير. وهناك الكثير من المشاكل التي يمكن أن يخلقها في هذه الفترة. فهل سيرفض النتيجة ويطلب من الجيش التدخل لحمايته؟ ما قاله لي القادة العسكريون هو أنهم لن يلتزموا بأي أوامر غير دستورية. بعد العشرين من يناير لن يكون رئيساً ولن يكون أي فرع من الحكومة تحت إمرته».
رنا أبتر
الشرق الأوسط