هل توقف بريطانيا تمويلات خليجية لشراء المواقف

هل توقف بريطانيا تمويلات خليجية لشراء المواقف

لندن – أثار مشروع القرار الذي يستعد مجلس اللوردات البريطاني لإقراره، والهادف إلى مراقبة التبرعات المقدمة لمراكز البحوث وخصوصا النافذة منها، تساؤلات بشأن جدية بريطانيا في الوقوف بحزم ضد التمويلات الأجنبية، وخاصة من بعض دول الخليج، والهادفة إلى شراء المواقف عبر الإغراءات المالية التي باتت تطال بعض مراكز البحوث ذات المصداقية العالية.

وحث الوزير السابق وعضو مجلس اللوردات البريطاني، اللورد والاس أوف سالاتير، المجلس على ضرورة مراقبة “تدفقات الأموال المشكوك فيها من الأنظمة الأميركية والروسية والصينية”، إضافة إلى أموال “الحكومات الشرق أوسطية أيضًا”.

ومن شأن تشريع مثل هذا القانون أن يفتح أعين الرقابة الرسمية في بريطانيا على تدفقات مالية قادمة من دول عربية وهادفة إلى شراء المواقف وتحسين الصورة سواء في مراكز البحوث مثل التبرعات القطرية لمعهد تشاتام هاوس “المعهد الملكي للشؤون الدولية” المتخصص في تحليل السياسات، أو التبرعات السعودية والقطرية المماثلة لشركات علاقات عامة أو وسائل إعلام، وهو أمر زاد بصفة ملحوظة منذ يونيو 2017 تاريخ بدء المقاطعة الرباعية لقطر وسعي الطرفين للبحث عن لوبي داعم لهما في أبرز العواصم الغربية.

ويقول مراقبون إن الحكومات البريطانية ظلت تتابع تدفق الأموال السياسية إلى مؤسسات بحثية وإعلامية ذات مصداقية، لكنها فضلت الصمت لحسابات اقتصادية وفي مسعى لتشجيع تدفق الأموال والاستثمارات، وهو ما بات يهدد سمعة مؤسسات بحثية ووسائل إعلام عرفت بمصداقيتها دوليا.

وتنفق دول عربية موارد هائلة لمحاولة التأثير على المنظمات ذات الصلة بوسائل الإعلام مثل مراكز البحوث ومراكز الفكر والمؤسسات الأكاديمية، وهي مؤسسات ذات أهمية وتحظى بتقدير كبير من قبل صانعي السياسة الغربيين، ما يجعل التسلل إليها واستصدار مواقف داعمة لهذه الدولة أو تلك بمثابة “نصر سياسي”.

وإلى جانب المصداقية العالية، تُعد هذه المؤسسات أيضا مكانًا جيدا للعثور على مرتزقة أكاديميين وسياسيين وخبراء مهمشين ومتعاطفين آخرين يمكن استقطابهم بسهولة وتوظيف وجودهم داخل هذه المؤسسات ذات المصداقية في الحملات الدعائية للأنظمة التي تتنافس على من يدفع أكثر للحصول على خبر أو صورة أو مقال في واحدة من تلك المؤسسات.

وفي ظل حالة الاختراق التي باتت تشهدها هذه المؤسسات يمكن لتلك الدول، التي تضخ الأموال دون حساب، تحقيق النفوذ بسهولة تحت ستار التبرعات الخيرية في مجال التعليم والبحث العلمي، حيث يتم تمويل المشاريع البحثية الكبرى. ويأتي شراء الذمم والمواقف في شكل منح وهبات.

كما يتم تقديم الأوسمة والأموال الضخمة لأصحاب الرأي الذين يثنون على الأنظمة التي تبحث عن تحسين صورتها، وتدعو السفارات المؤيدين إلى المؤتمرات والفعاليات حيث يتم إغراقهم بالهدايا وكرم الضيافة.

ويخضع الأكاديميون الغربيون وموظفو المؤسسات البحثية الذين يسعون للحصول على رواتب ومزايا من هذه الدولة أو تلك إلى اختبار وحيد، هو اختبار كتابة مقالات إيجابية تمدح سياسات تلك الدول، ما يضطر هؤلاء إلى التخلي عن المقاييس البحثية والصارمة والنزول إلى إعلام الدعاية القائم على المبالغات والفبركة.

وتم إنشاء العديد من المؤسسات الأكاديمية أو البحثية في الغرب بأموال من أنظمة عربية على الرغم من أنها غالبا ما تخفي انتماءها.

أما مراكز الفكر والأبحاث الغربية التي لا يمولها نظام عربي أو يسيطر عليها فتتعرض لمحاولات التلاعب والقرصنة والتخريب، وأي مؤسسة لها مصلحة في العالم العربي يمكن أيضا ابتزازها بالتهديد بمنعها من العمل هناك والتضييق عليها.

ولا تقتصر محاولات التسلل إلى المؤسسات المرموقة وزعزعة استقرار الأنظمة السياسية في الدول الأخرى على الغرب؛ حيث تتبع الدول صاحبة النفوذ نفس التكتيكات بقوة أكبر في الدول العربية أو في أفريقيا التي باتت الآن ملعبا لصراع الأجندات.

كما تلجأ تلك الدول إلى استقطاب السياسيين الغربيين وصناع السياسة من خلال الإغراءات، حيث عادة ما يتم تقديم الرشاوى أثناء زيارة المسؤول للمنطقة أو يتم إبلاغ هؤلاء السياسيين بأن الدعم سيكون مشروطا بالمواقف التي يعلنون عنها، خاصة حين يتعلق الأمر بالعاملين في المؤسسات الإقليمية والدولية.

وينظم وكلاء الأنظمة مؤتمرات وفعاليات أخرى في الغرب حيث يتم توزيع الأموال على الصحافيين وغيرهم من أصحاب الرأي.

كما تنظم السفارات والقنصليات العربية جميع أنواع الأنشطة الاجتماعية لجذب الإعلاميين، ويتم منحهم كل الرفاهيات والمميزات عبر السفر في مقاعد الدرجة الأولى، والإقامة في فنادق خمس نجوم. وغالبا ما يُدعى المعلقون المؤثرون من أجل ترجمة بعض المواد التي تريد الأنظمة نشرها في وسائل الإعلام المملوكة للنظام مقابل تعويض سخي، والذي غالبا ما يكون في الواقع أكثر من مجرد رشوة مستترة.

العرب