بمضامين اجتماعية وعبر صور فنية في قالب سردي لا يخلو من الإسقاطات السياسية على بلد يفرض حول نفسه سياجاً من السرية، ومن ثمّ غياب الحرية، تصدر ثلاث روايات لكاتبات ذوات أصول إيرانية يعشن في أوروبا، حيث اخترن منفاهن بإرادتهن بعدما هجرن بلدهن إيران، إذ يقدّمن صورة غائبة عن كثيرين، أو لربما يظهر منها جزء يحتاج إلى دلائل، تقدمها المبدعات الثلاث، حول بلد يعاني أزمات وهزات سياسية، فضلاً عن رقابة صارمة، ألقت بظلالها على الحقل الثقافي عموماً، وفي القلب منه الإبداعي.
وتكشف الأعمال الروائية الثلاث، للكاتبات الأميركية دينا نايري والكندية نازانين هوزار والفرنسية نيغار دجافادي، عن هموم وأوجاع المهاجرين الإيرانيين ومعاناتهم، ومدى التعسف الذي يواجهونه حتى يغادروا البلاد، فضلاً عن واقع المجتمع الإيراني، أضف إلى ذلك طرح السؤال الذي كثيراً ما دار في خلد الإيرانيين، ماذا جنى المجتمع من الثورة الإيرانية بعدما ضاع هامش الحرية الذي كان؟
ليست مصادفة
في البداية، تقول دجافادي، في لقاء أجرته معها وكالة الصحافة الفرنسية نهاية سبتمبر (أيلول) الفائت، خلال مهرجان “كوريسبوندانس” الأدبي بمانوسك، “كون الروايات الثلاث لنساء، ليس وليد المصادفة على الإطلاق”. وتضيف “لم يكن ثمة روائيون إيرانيون فعلياً. كان الشعر هو التقليد الطاغي بقوة”.
وتابعت، “أما الرواية فكانت تُعد أقل رقياً، وتركت بالتالي للنساء. الرجال ميالون أكثر إلى أن يكونوا شعراء، في حين أن النساء يَمِلنَ أكثر إلى أن يَكُن روائيات”.
وصدر لدجافادي، 51 عاماً، وهي كاتبة سيناريو، روايتان. الأولى “ديزوريانتال” عام 2016، وتستعيد فيها مغادرتها إيران في قالب روائي خيالي. وحققت نجاحاً عالمياً، أما الثانية فهي “أرين” (حلبة)، وصدرت خلال السنة الحالية، وتتناول الأحياء الشعبية في باريس.
معاناة المهاجرين الإيرانيين
يبدو أن رحلة “مغادرة إيران” تؤرق كثيراً من الروائيين، فكانت مادة خصبة للأديبة دينا نايري، التي صدر لها في باريس كتاب “فوزور ديستوار” (صانعو قصص)، وهو الترجمة الفرنسية لروايتها المكتوبة بالإنجليزية، التي تروي فيها معاناة المهاجرين الإيرانيين، وما يواجههم من صعوبات، لكي يحصلوا على اللجوء في أوروبا.
تقول نايري، “ثمة رغبة بطبيعة الحال في قصص النوع الذي أرويه هنا. لكن الهجرة واللاجئين ليس الموضوع الوحيد الذي أريد الكتابة عنه”.
ويواجه اللاجئون إدارات حكومية متعسفة حيالهم، تبحث عن أي ذريعة لرفض طلباتهم التي يقدمونها، وتحاول تصنيف الأفراد في خانات محددة سلفاً، من دون إدراك حقيقة تشابك أوضاعهم وتعقيداتها.
وتثير رواية نايري، 41 عاماً، العواطف عندما تروي تجربتها كمهاجرة قصدت الولايات المتحدة، البلد الذي تركته حالياً غير آسفة، حسب قولها، لتحصل في باريس على “إقامة فنية” مؤقتة.
وتضيف الكاتبة عن روايتها، “فتحت عيون بعض القراء. بعض كبار السن مثلاً الذين يذهبون إلى الكنيسة، وهم ليسوا بالضرورة من حملة الشهادات الجامعية. بعضهم بدأ يتساءل، هل بهذه الطريقة نريد استقبال أشخاص يعانون”؟.
إيران ما قبل الثورة
أمّا الكندية نازانين هوزار، 42 عاماً، التي صدر لها “أريا”، فرسمت صورة إيران ما قبل الثورة الإسلامية عام 1979. مؤكدة أن “ما كان يهمها هو الكتابة عن الثورة وفهمها لما حدث”، ومشيرة إلى أنها “لا تزال ترى وجوب البحث في الماضي”.
وعبر قصة روائية خيالية عن يتيمة تتنقل بين الطبقات الاجتماعية، من أسفل السلم إلى أعلاه، وبين الأحياء والثقافات وحتى الأديان، تناولت هوزار طهران في ظل حكم شاه إيران اعتباراً من عام 1953.
وترى الكاتبة أن “الناس كانوا يتمتعون على الأقل بشيء من القدرة على التعبير”، خلال تلك الحقبة، ولو أنها يجب أن لا تصور على “أنها مثالية”. وتضيف “أمّا اليوم، في ما يتعلق بالموسيقى وبالثقافة عموماً، هذه (القدرة على التعبير) هي ما جرى إطفاؤه”.
وتأمل الكاتبات الثلاث إحداث نوع من التوازن مع صورة بلد معاد للأجانب، وهي الصورة التي تظهر في رواية الأميركية بيتي محمودي “أبداً من دون ابنتي” (1988) التي اقتُبس منها فيلم لاحقاً.
وتعتبر الكندية أن “ثمة قصصاً كثيرة في المجتمع الإيراني. هذه القصة موجودة حتماً، لكن توجد أيضاً قصة إيرانيين لا يوافقون على ما يحدث في هذه العائلة تحديداً”. وفي رأيها أن “الخطر يكمن في رسم بلد بأكمله وشعب برمته بريشة واحدة وبلون وحيد”.
وبالنسبة إلى الروائيات الثلاث، من الصعب تخيل صدور كتبهن في إيران، لا بل من المستحيل أصلاً أن يفكّرن في أن يكن روائيات في بلدهن الأم.
وتختم دجافادي، “خاصية هذا النظام السياسي هي أنه يدخل حياة الناس الخاصة، وصولاً إلى أسماء أبنائهم. وعندما يخرج المرء من إيران، يخرج من هذا التأثير”.
أحمد الدعدر
اندبندت عربي