لا يوجد تهديد خارجي حقيقي على إسرائيل وإذا كان هناك خطر على استمرار وجودها كدولة ديمقراطية ويهودية وعلى مستقبل الصهيونية، فهو خطر داخلي وليس خارجيا. هذا ما يؤكده الخبير الإسرائيلي البارز في الشؤون الإستراتيجية يوسي ميلمان نقلا عن رئيس إسرائيل ووزير أمنها الراحل عازر وايزمن.
في مقال نشرته “معاريف” يتفق ميلمان مع قول وايزمن ويقول إن شيئا معينا موجود فيما يقوله، ويتابع: “هذا ما قاله عازر وايزمن لي، وأنا لا أعرف إذا كان بانفعال وخوف شديد، في 1988 أثناء تطرقه لأقوال الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد. وايزمن كان في حينه وزيرا بدون حقيبة في حكومة الوحدة الوطنية ذات الرأسين والمكونة من شيمون بيريز وإسحق شمير”.
هزيمة الصليبيين في حطين
ووقتها أيد الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية وإجراء مفاوضات السلام. ويستذكر ميلمان أن حافظ الأسد شبه الصليبيين وحملات احتلالهم للبلاد بالصهيونية وبإسرائيل راغبا بذلك القول إن وجود الصليبيين في البلاد كان مؤقتا وتمركزهم فيها كان ضعيفا.
وينوه ميلمان أنه بعد مئة سنة تقريبا، في 1187، تمت هزيمتهم في معركة حطين قرب طبرية على أيدي القائد صلاح الدين الأيوبي. ومنذ ذلك الحين، وتم طردهم بالتدريج إلى أوروبا التي جاءوا منها.
ويشير ميلمان إلى أن حافظ الأسد لم يكن هو الوحيد الذي استخدم هذه المقارنة التاريخية ويرى أنها كانت نوعا من تعزية النفس من قبل العرب على عجزهم وفشل جهودهم في هزيمة إسرائيل، وهي لم تنتشر فقط في السياسة، بل أيضا في الأدب والتاريخ العربيين في سنوات الخمسينيات والستينيات، وبالنسبة لهم فإن “الصهاينة نبتة غريبة ونهايتهم الاختفاء مثل الصليبيين”.
قصيدة بالعبرية عن حطين
في المقابل يقول إنه أيضا في الرواية الإسرائيلية في تلك السنين، فيما يشبه صورة المرآة، كان هناك من كتبوا وناقشوا الذاكرة الصليبية، لافتا إلى أن الشاعرة داليا رابيكوفيتش كتبت في 1966 قصيدة بعنوان “حطين والبيت الأخير” فيها يقول: “لم تكن لديهم مملكة بعد/ لم تكن لديهم حياة أو قدس/ كم كان الصليبيون متوحشين وساذجين/ لقد نهبوا كل شيء”.
ويعتقد ميلمان أن الخوف الإسرائيلي كان من هشاشة الوجود في الدولة الصغيرة، المحاطة بعالم مسلم ومعاد، ويضيف: “ومن سحرته ممالك الصليبيين ومصيرهم وانشغل بدرجة غير قليلة بالمقارنة، كان أوري أفنيري. في الكثير من مقالاته في مجلة “هذا العالم” التي حررها بالعبرية اقتبس أفنيري من الكتاب الضخم للمؤرخ البريطاني (الاسكتلندي) السير ستيفن رينزيمان بعنوان “تاريخ الحروب الصليبية”.
المقاربة مغرية
ويقول ميلمان إن المقارنة مغرية، فالصليبيون كانوا غزاة من أوروبا، مفعمين بالأيديولوجيا والإيمان الديني، الذين احتلوا البلاد بقوة السلاح وأقاموا ممالك مسلحة ومثلوا ثقافة غربية في قلب الشرق الإسلامي، وحاولوا، لكنهم وجدوا صعوبة في الاندماج في محيطهم، وأنهكوا مرة تلو الأخرى في معارك، وتعرضوا للضعف نتيجة انقسامات وصراعات داخلية فيما بينهم، إلى درجة خارت قواهم وانتهى حكمهم”.
وحول رأيه في المقاربة بين الحالتين الصليبية والصهيونية في فلسطين يقول ميلمان: “حتى لو كانت هناك أوجه شبه فإن كل مقارنة تاريخية بالتأكيد بين المشروع الصهيوني والمملكة (الممالك) الصليبية تقريبا هي مبسطة. أولا، يجب علينا أن نذكر بأنه في زمن الحملات الصليبية في البلاد منذ نهاية القرن الحادي عشر وحتى منتصف القرن الثالث عشر (كانت هناك أيضا حملات صليبية في دول البلطيق وشرق أوروبا)، لم تكن هناك رؤية قومية التي على أساسها ومنها نمت الحركة الصهيونية. أيضا بسبب العلاقة التاريخية الواضحة للشعب اليهودي و”أرض إسرائيل” والقدس فإن المقارنة بين الصليبيين والصهاينة هي مقارنة لا أساس لها، ويمكن عد المزيد من التبريرات التي تثبت ذلك”.
تسليم العرب بها
ويقول أيضا إن إسرائيل هي دولة قوية، متقدمة اقتصاديا وتكنولوجيا وهي أيضا الدولة العظمى العسكرية الأقوى في المنطقة الممتدة من شرق البحر المتوسط وحتى المحيط الهندي، معتبرا أن عملية التسليم من قبل الدول العربية بوجودها هي عملية بطيئة حقا، لكنها مستمرة. ويعتبر ميلمان أن هذا “تسليم ليس فقط بحكم الأمر الواقع، بل هو أيضا بحكم القانون، عن طريق اتفاقات سلام مع أربع دول عربية، وأيضا عدد من الدول التي يتوقع أن تسير في أعقابها”.
ويضيف: “يمكن الافتراض بمعقولية عالية أن إسرائيل لن تُهزم في ساحة الحرب، أيضا حسب مصادر أجنبية، إذ يوجد لديها سلاح نووي. ليس عبثا سمى الصحافي المعروف سيمور هيرش، أحد كتبه الذي يتناول السلاح النووي الإسرائيلي “خيار شمشون”.
خيار شمشوم الجبار
ويخلص الخبير الإسرائيلي المختص بالشؤون الإستراتيجية للاستنتاج أنه لا يوجد أي تهديد خارجي حقيقي على إسرائيل، وإذا كان يوجد خطر على استمرار وجودها كدولة ديمقراطية ويهودية، وفي الحقيقة على مستقبل الصهيونية كحركة قومية لمعظم الشعب اليهودي (على الأقل نصفه يعيش في إسرائيل)، فإنه ليس خطرا خارجيا بل هو خطر داخلي.
إذا كان يوجد خطر على استمرار وجودها كدولة، فإنه ليس خطرا خارجيا بل هو خطر داخلي.
ويضيف: “إسرائيل تتفكك كدولة وكمجتمع. الشروخ والتشظي، الانقسام، الكراهية، الاشمئزاز المتزايد من قيم ليبرالية والانقسامات السياسية وغيرها بين اليمين وبين الوسط – يسار، بين العلمانيين والمتدينين، بين الشرقيين والغربيين، كل ذلك يهدد النسيج الدقيق للوجود هنا. لذلك، يجب أن نضيف الاحتلال والقمع للشعب الفلسطيني، وتداعياته الخطيرة على الديمقراطية والمجتمع. هذه الظواهر لم تبدأ في سنوات حكم بنيامين نتنياهو، لكن في عهده تم تسريعها، بدرجة غير قليلة بمبادرته المتعمدة”.
صرخة من القلب
وفي معرض تبريره رؤيته هذه يقول إن “معظم سنوات وجود إسرائيل كان للشعب في إسرائيل روح مشتركة، تبنتها الأغلبية الإسرائيلية وتكتلت حولها: إقامة الدولة، الاستيطان، الأمن، قيم الديمقراطية، الأخلاق والإيمان بعدالة الطريق. من أجلها الناس كانوا على استعداد للنضال، حتى لو كان يجب عليهم التضحية بحياتهم. تقريبا النسيج المشترك الذي وحد الدولة آخذ في التآكل. عدد متزايد من الإسرائيليين، كبار وصغار على حد سواء، يعبرون عن الخوف والذعر على وجودها. هذا ليس حنينا مصحوبا بالشفقة على الذات، على غرار قصيدة أريك آينشتاين بعنوان “يا وطني، إلى أين أنت ذاهب؟”. هذا قلق أصيل وحقيقي، صرخة تنطلق من القلب”.
فرقة الأسباط
يشار إلى أن عددا من المسؤولين الإسرائيليين السابقين حذروا وعبروا بطرق وأشكال مختلفة عن قلقهم البالغ من استمرار تهديدات داخلية كالانقسامات والتشظي والفساد. وقبل ثلاث سنوات دعا رئيس إسرائيل رؤوفين ريفلين للإسراع في توحيد الأسباط محذرا من دمار ينجم عن استمرار الكراهية والانقسامات بين أوساط إسرائيلية مختلفة.
كما سبق وحذر مؤتمر هرتزليا للمناعة القومية قبل سنوات من أن الفساد في إسرائيل أشد خطرا عليها من قنبلة إيران ومن التهديدات الخارجية. كما حذر السينمائي والمعلق الإسرائيلي البارز بيت ميخائيل من سيطرة الأوساط الدينية على صناعة القرار في إسرائيل ودعا في مقال نشرته صحيفة “هآرتس” لفصل الدين عن الدولة “بفأس حاد كي تبدأ مسيرة شفائها، وبدونها ستبقى إسرائيل في حالة مرض عضال”.
القدس العربي