صدى الخلاف التركي – الفرنسي يتردد في ليبيا

صدى الخلاف التركي – الفرنسي يتردد في ليبيا

تونس – يتقاذف الاشتباك السياسي الفرنسي – التركي الحالي، العناوين التي تتشابك فيها العوامل الدينية مع السياسية، وتؤكد خلفيات هذا الاشتباك أنه ليس دينيا، كما يُحاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان توصيفه، وإنما يُخفي صراعا محتدما تحكمه الحسابات الجيواستراتيجية.

وفي تأكيد لهذه القراءة أعرب الوزير التونسي السابق، مبروك كرشيد، عن اعتقاده بأن الصراع الفرنسي التركي الحالي هو صراع سياسي بغلاف ديني، وجوهره هو صراع الهيمنة، ومشاعر البسطاء تُجيّش من أجل هذا المشروع أو ذاك.

وقال كرشيد في تصريح لـ”العرب”، إن أردوغان “ليس معنيا حقيقة بموضوع نصرة الرسول، وإلا لكان دعا إلى عقد قمة إسلامية لهذا الغرض”، لافتا إلى أن أردوغان يُريد استمالة مشاعر المسلمين في خطاب تحريضي متبادل بينه وبين إيمانويل ماكرون.

ويلتقي كرشيد في هذه القراءة مع موقف المفكر الفرنسي ألان غريش، الذي كان قد اعتبر في تصريحات سابقة أن الخلافات بين ماكرون وأردوغان لا تعكس “صراعا دينيا في حقيقة الأمر، بل (تعكس) استخداما للخطاب الديني من قبل القيادات السياسية في صراعات جيوسياسية”.

ومن المتوقع أن يحتل الملف الليبي في هذه الصراعات مرتبة مُتقدمة نتيجة تضارب مصالح الدولتين، الأمر الذي دفع إلى الواجهة خشية جدية لدى العديد من المتابعين والمحللين من أن يجد فائض هذا الاشتباك السياسي الفرنسي – التركي الحالي، صدى له في الصراع المفتوح على مصراعيه في ليبيا.

ويعد الملف الليبي أبرز نقاط الخلاف بين الرئيسين ماكرون وأردوغان، إذ تدعم تركيا حكومة الوفاق والميليشيات الموالية لها، في حين يميل الموقف الفرنسي إلى دعم قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر.

ويرى مبروك كرشيد، في تصريحه لـ”العرب”، أن أحد فصول هذا الصراع “سيدور في حوض المتوسط، وأحد أبرز مجالاته هو ليبيا التي تريدها تركيا تحت هيمنتها التامة لأسباب اقتصادية، وأخرى جيواستراتجية، بينما فرنسا تعتبر نفسها مهندسة إسقاط نظام العقيد معمر القذافي ويجب أن تكون أكبر مستفيد من ذلك”.

وتُغذي التطورات المتسارعة التي عرفها الملف الليبي خلال اليومين الماضيين، هذه التوقعات وسط خشية من أن تُحول تركيا وجهة خلافاتها مع فرنسا نحو ليبيا، من زاوية تحريك أدواتها الوظيفية من ميليشيات ومرتزقة لتقويض اتفاقية وقف إطلاق النار التي شككت في جدواها أنقرة، ورحبت بها باريس.

ووصف النائب البرلماني الليبي علي التكبالي هذه الخشية بأنها مشروعة، ولها ما يُبررها على أرض الواقع، ولم يستبعد في اتصال هاتفي مع “العرب” إمكانية أن تتحول ليبيا إلى ساحة لتصفية الحسابات بين فرنسا وتركيا.

وعزا التكبالي ذلك إلى أن “فرنسا تخشى على نفوذها ومصالحها في البحر المتوسط وترى في تركيا منافسا قويا سوف يفسد عليها كل ما تصبو إليه في الاستحواذ على بعض الخيرات الموجودة في المتوسط، خاصة بعد توقيعها على اتفاقية مع فايز السراج دون الرجوع إلى مجلس النواب ودون الرجوع إلى أي شرعية دولية”.

واعتبر أن تلك الاتفاقية، التي وصفها بـ”المُزيفة”، ستجعل فرنسا تفقد الكثير في المنطقة، لذلك تُحاول بكل الطرق أن تنغص على تركيا في ليبيا، فيما تُحاول تركيا أن تُفسد على الليبيين المناوئين لها الالتفاف حول فرنسا في هذه المرحلة.
l
وأضاف “احتمال أن تصفي تركيا وفرنسا حساباتهما في ليبيا أمر وارد جدا، وعليه فإن ليبيا قد تتحول فعلا إلى مكان لتصفية الحسابات بينهما”.

ولم يستبعد في هذا الصدد إقدام تركيا على الاستمرار في احتلال الغرب الليبي وجلب المزيد من المرتزقة، خاصة “ونحن نعلم أنها تتمركز في ميناء الخمس ومصراتة والوطية، كما نعرف أيضا أن فرنسا تساعد الجيش الليبي لكنها لا تتدخل بذلك القدر الذي تتدخل به تركيا”.

وفيما حذر التكبالي من أن “المستقبل أصبح مفتوحا على حرب أشد ضراوة بين فرنسا وتركيا، وأن الخاسر الوحيد هو الشعب الليبي”، يستحضر مراقبون تصعيد الخطاب الإعلامي للميليشيات الليبية الموالية لتركيا، واستعداداتها الميدانية التي تندرج في سياق التسخين للتنصل من تبعات الالتزام باتفاقية وقف إطلاق النار.

وعلى وقع ذلك الخطاب التصعيدي، تتزاحم المؤشرات الدالة على أن أردوغان قد يضغط باتجاه تقويض وقف إطلاق النار في ليبيا، وخاصة أنه كان من أوائل الذين سارعوا إلى التشكيك في صموده، حيث وصفه بأنه “ضعيف المصداقية وستظهر الأيام مدى صموده”.

ولم تنتظر الميليشيات طويلا لترجمة هذا التشكيك، فقد أعلنت عن تدريبات عسكرية برعاية تركية، وذلك في أول اختراق جدي لبنود هذا الاتفاق، ترافق مع إقدام القائد الميداني في قوات حكومة الوفاق، الطاهر بن غربية، على وصفه بـ”الكارثة”.

العرب