مرة أخرى يفاجئ رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الطبقة السياسية العراقية بما لا يسرّها، فبعد إعلانه تحديد موعد الانتخابات المبكرة -وهو ما جعلها ملزمة بالبحث عن مقاربة بين قانون انتخابي جديد، اضطرت إلى تشريعه تحت وطأة التظاهرات، وبين كيفية الحفاظ على مصالحها، وعلى ضوء الأزمة المالية الخانقة التي يعيشها العراق، منذ هبوط أسعار النفط بسبب تفشي فيروس كورونا، قدمت حكومة مصطفى الكاظمي ما أسمته “الورقة البيضاء” إلى مجلس النواب العراقي، تضمنت خططا لإصلاح الوضع المالي، وقال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، إن ورقة الإصلاح هي “مشروع حل لأزمة إدارة الاقتصاد المزمنة، والاعتماد الكامل على النفط وعدم تنويع مصادر الدخل”، وأشاد بـ”تفاعل الإخوة في القوى السياسية مع الورقة وطروحاتها”.
وتنص ورقة الإصلاح البيضاء 2021- 2023″ التي قدمتها الحكومة للقوى السياسة العراقية، على تحقيق الاستقرار المالي المستدام عبر تعظيم الإيرادات وتقليل النفقات والقيام بإصلاحات إدارية، حيث تتضمن إصلاحات بعضها جوهري للواقع الاقتصادي في البلاد في ظل تفشي الفساد في كل مرافق الدولة ومؤسساتها، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أصوات هنا وهناك بشأن مدى إمكانية تحقيق مثل هذه الإصلاحات في غضون سنة ونصف من عمر الحكومة، أو مدى صلاحيتها في التنفيذ، بينما هي حكومة انتقالية مهمتها الإعداد للانتخابات وإعادة هيبة الدولة، لكن واقع الحال يشير إلى أن الطبقة السياسية التي بات همها الوحيد هو المحافظة على مكاسبها وأوزانها السياسية والانتخابية، هي التي تعرقل حتى الآن قانون الانتخابات تحت مبررات شتى، وهي نفسها التي تضع العراقيل أمام الحكومة لإعادة هيبة الدولة.
من جانبه، قال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، إن “ورقة الإصلاح البيضاء” التي قدّمتها الحكومة للقوى السياسية أمس الاثنين هي مشروع لحل أزمة إدارة الاقتصاد المزمنة وعدم تنويع مصادر الدخل والاعتماد الكامل على النفط، وأوضح الكاظمي أن ورقة الإصلاح هي وثيقة أولية تمثل بداية الإصلاح الاقتصادي وتعتبر قاعدة لتطوير رؤية العراق المستقبلية، معرباً عن أمله في أن يناقش مجلس النواب العراقي الورقة ويقرّها من حيث المبدأ، لتكون إطاراً عاماً لعمل حقيقي وجاد يمكن أن ينهض بالاقتصاد العراقي.
وأوضح الكاظمي، خلال اجتماعه مع القوى السياسية، أن الحكومة مصرة على تجاوز كافة التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية والصحية الراهنة، بالرغم من الضغوطات والعراقيل التي تواجهها، كما أشار إلى أن حكومته كُلفت بواجبات محددة تتوج بإجراء انتخابات مبكرة، وقد تم تحديد موعد لها، كما تم الانتهاء من قانون الانتخابات، استجابةً لإرادة العراقيين.
وطبقاً لما يجري تداوله في وسائل الإعلام المحلية في العراق، وعبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي الدولية، فإن هناك انقساماً بشأن ورقة الإصلاح التي قدمها الكاظمي، ففيما يرى كثيرون -ومنهم نواب وسياسيون ينتمون إلى كتل مختلفة، أن الإصلاح الحقيقي يتطلب اتخاذ إجراءات قد يكون بعضها جراحياً، فإنه في المقابل بدأت قوى سياسية أخرى عن طريق نشر أخبار أو معلومات دون تبنيها بشكل معلن، وصفت الورقة البيضاء بأنها «مجرد إنشاء أو أفكار غير قابلة للتحقيق»، يحدث ذلك في وقت تقول فيه بيانات وزارة التخطيط إن نسبة البطالة في العراق ارتفعت في أواخر سنة 2019 إلى 40% بعد أن كانت 22%، وذلك نتيجة تفشي جائحة كورونا.
إن “ورقة الإصلاح البيضاء” التي أطلقها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي تدعم الابتعاد التدريجي عن الاقتصاد الريعي للدولة وتعظيم مواردها غير النفطية لدعم الموازنة، وكذلك تشغيل المصانع المعطلة منذ 2003، وتهيئة بيئة مناسبة للاستثمار بعيداً عن الفساد المالي، فالورقة” قابلة للتطبيق خلال المرحلة المقبلة، شريطة نجاحها، الجدية والإرادة وكذلك عدم عرقلة خطواتها من قبل الكتل السياسية والمتنفذين.
إن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بهذه الورقة يرغب بخدمة أبناء الشعب والخروج من الأزمتين الاقتصادية والصحية التي يعيشهما البلد في الوقت الحالي، رغم الضغوط التي تمارس عليه سواء من قبل الكتل السياسية أو من الشارع، لذلك ضرورة منح رئيس الوزراء فرصة للإصلاح من دون الاعتراض على الخطوات التي يتخذها سواء كان ذلك على المستوى الاقتصادي أو المالي أو الصحي.
خلاصة القول.. إن تلك الورقة خطوة قوية اتخذها رئيس الحكومة العراقية الفتية، مصطفى الكاظمي، بطرحه مشروعاً جديداً في الإصلاح الاقتصادي والمالي للبلاد، حيث يمكن تطبيقها إذا رافقتها قرارات حاسمة تجاه الاخطاء الاقتصادية التي ارتكبت خلال المرحلة الماضية، ووضع الواقع الاقتصادي في البلد على المسار الصحيح.
وحدة الدراسات العراقية