يقدم المشهد المحتدم في الانتخابات الأميركية حتى الآن كل الظروف للمرشح الديمقراطي جو بايدن من أجل الفوز أمام منافسه الجمهوري دونالد ترامب، حيث تدعم قياسات الرأي العام ذلك الاتجاه بفضل الأصوات في الولايات المهمة، غير أن الجميع سيكون مسكونا بتناقضات قد تتكرر مرة أخرى عند الوقوف على مفارقة 2016 وقبلها في عام 2000 حينما غير المجمع الانتخابي مسار الفائز ويحدث صدمة في البلاد، فهل تحدث هذه الهيئة المفاجأة مرة أخرى؟
واشنطن – يتميز النظام الخاص بالانتخابات الرئاسية الأميركية على الاقتراع العام غير المباشر من حيث اعتماده في نهاية المطاف على المجمع الانتخابي لحسم هوية الرئيس الجديد، وهو ما يعني أن الحصول على غالبية أصوات الناخبين لا يعني الفوز بالاقتراع بالنسبة للمرشح الديمقراطي جو بايدن أو خصمه الرئيس الجمهوري دونالد ترامب.
وتظهر استطلاعات الرأي حتى الآن تقدم بايدن بفارق 7.4 نقاط على ترامب، وفق موقع “ريال كلير بولتيك”، الذي يعد من أبرز مواقع التحليل السياسي الأميركي، وذلك قبل أربعة أيام من الانتخابات المرتقبة الثلاثاء المقبل، فيما يرى محللون أنه ما زال لدى المرشح الجمهوري حظ للفوز، على غرار ما حدث في الانتخابات الماضية حين عبّر عن فوزه الصادم على الديمقراطية هيلاري كلينتون بالقول إنه “انتصار جميل ومهم”.
وتحمل الولايات التي تتأرجح فيها الأصوات بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، أهمية كبيرة في حسم السباق إلى البيت الأبيض وتوجد ست ولايات متأرجحة تمتلك 101 من أصوات المجمع الانتخابي المطلوبة للفوز بالبيت الأبيض. وتعد ولايتا فلوريدا وبنسلفانيا أبرز ولايتين متأرجحتين تكتسب أصواتهما أهمية بالغة في حسم انتخابات 2020.
وكان بايدن يتقدم على ترامب بسبع نقاط في ولاية بنسلفانيا منتصف أكتوبر، إلا أن الفارق تلقص إلى 4.3 نقاط وفق آخر الاستطلاعات. أما في فلوريدا فتمكن ترامب من تقليص الفارق إلى 1.4 نقاط بعدما كان بايدن متقدما بنحو 3.7 نقاط.
وفي ولاية ويسكونسن المتأرجحة، يتقدم بايدن على ترامب بنحو 6.4 نقاط حاليا ليعزز الفارق الذي كان 5.5 نقاط منتصف هذا الشهر. أما في ميشيغان فيتقدم المرشح الديمقراطي بايدين بنحو 6.5 نقاط حاليا، بعدما كان متقدما بنحو 6.7 نقاط في 17 أكتوبر.
وتأتي ولاية كارولينا الشمالية في مقدمة الولايات المتأرجحة بعد فلوريدا من حيث تقارب التأييد للمرشحين، حيث أظهرت الاستطلاعات تقدم ترامب في بعض الأحيان. فبينما كان بايدن متقدما بنحو 1.4 نقاط، تقلص الفارق إلى 0.6 نقاط حاليا.
وفي ولاية أريزونا كان بايدن متقدما بنحو 2.7 نقاط، فيما تظهر الاستطلاعات تقارب النتائج بين المتنافسين حاليا. وفي ظل هذه المعطيات يبدو أن المتنافسين يحظيان بنسب تأييد متقاربة في الولايات المتأرجحة، التي ستحسم مصير الانتخابات.
وكانت وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون قد حصلت على ما يقرب من ثلاثة ملايين صوت أكثر من الملياردير الجمهوري، لكن من خلال تحول العديد من الولايات الرئيسية والتصويت لصالح ترامب، تجاوز الجمهوري بكثير عدد أصوات الهيئة الناخبة اللازمة لدخول البيت الأبيض والبالغة 270 صوتا.
وحصل الأمر نفسه خلال انتخابات العام 2000 التي تنافس فيها جورج دبليو بوش والديمقراطي آل غور فقد فاز الأخير بحوالي 500 ألف صوت إضافي في البلاد، لكن الجمهوري حصل على 271 صوتا من الهيئة الناخبة.
وتبدو الأمور تسير على نفس الشاكلة، حيث يترقب الشارع الأميركي والعالم معرفة نتيجة السباق “الاستثنائي” نحو البيت الأبيض، في ظل جائحة كورونا. ومع بدء العد التنازلي، يتابع المراقبون السياسيون عن كثب نتائج استطلاعات الرأي، فيما تدور علامات استفهام لدى الرأي العام حول مصداقيتها منذ 2016.
ولا يعتبر الحائز على أكثر الأصوات رئيسا بل الذي يحصل على أصوات 270 مندوبا في المجمع الانتخابي من أصل 538 صوتا، فالناخبون الأميركيون في الواقع لا يصوتون للرئيس وإنما لمندوبين أو ما يعرف بكبار الناخبين يشكلون المجمع الانتخابي، الذي سيختار في نهاية المطاف الرئيسَ ونائبَه.
وفي معظم الولايات عندما يفوز المرشح بالتصويت الشعبي، فإنه يحصل على أصوات جميع مندوبي تلك الولاية، ففي الانتخابات الأخيرة حصل ترامب على تأييد 304 مندوبين، بالرغم من تقدم منافسته هيلاري كلينتون عليه بأكثر من نحو ثلاثة ملايين صوت.
والمجمع الانتخابي هو تقليد دستوري أميركي يعود للقرن الثامن عشر، ويقصد به مجموعة المواطنين الذين تعينهم الولايات للإدلاء بأصواتهم لانتخاب الرئيس ونائبه نيابة عن جميع المواطنين في الولاية. ولذلك فإنه يمثل نموذجاً لإجراء انتخابات غير مباشرة، وذلك خلافاً للانتخابات المباشرة التي تُجرى من قبل الأميركيين لاختيار أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب.
ويقوم الممثلون عن الولاية باختيار من حصل على أعلى عدد من الأصوات للولاية ويحدد عدد الممثلين تبعا لحجم الولايات وثقلها البشري.
وتختلف عملية اختيار أعضاء المجمع الانتخابي من ولاية إلى أخرى، ولكن تقوم الأحزاب السياسية عادة بتسمية أعضاء المجمع خلال مؤتمرات حزبية أو من خلال التصويت في اللجنة المركزية للحزب. فعلى سبيل المثال يكون لكاليفورنيا وهي أكبر الولايات من حيث عدد السكان، 55 مندوبا في المجمع، بينما يكون لولاية تكساس 38 وولاية فلوريدا 29 مندوبا، بينما يكون لولاية كارولينا الشمالية ثلاثة مندوبين فقط.
ويحصل المرشح للرئاسة، والذي يفوز بأكثر الأصوات الشعبية في ولاية معينة على كل أصوات مندوبي المجمع الانتخابي المخصصة لتلك الولاية والمتناسبة مع عدد سكانها، الأمر الذي يجعل كل ولاية تصوت لأحد المرشحَين فقط على عكس التصويت الشعبي.
وتعتمد 48 من الولايات إلى جانب مقاطعة كولومبيا التي تضم واشنطن العاصمة قاعدة الفائز بأغلبية أصوات المواطنين يأخذ كل أصوات مندوبي المجمع الانتخابي في الولاية وهناك 24 ولاية تعاقب أعضاء المجمع الانتخابي الذين لا يلتزمون بأصوات غالبية الناخبين ويسمون “عديمي الولاء” أو “الخونة”.
ويختلف الأمر في ولايتي نبراسكا وماين، فالنظام فيهما يقوم على إعطاء صوتين انتخابيين للمرشح الذي يفوز بالأصوات الشعبية، وصوتا انتخابيا واحدا للذي يفوز بكل مقاطعة انتخابية.
ويساوي عدد أعضاء المجمع الانتخابي المخصص لكل ولاية عدد ممثليها في مجلسي الشيوخ والنواب، إضافة إلى ذلك يخصص ثلاثة أعضاء لمقاطعة كولومبيا، على الرغم من أنها لا تملك أي تمثيل انتخابي في الكونغرس.
أما انتخاب نائب الرئيس، فيحدث بشكل مختلف في مجلس الشيوخ الذي يختار أعضاؤه واحدا من بين المرشحَين اللذين حصلا على أكثر أصوات المجمع الانتخابي، بحيث يكون لكل سيناتور صوت واحد.
العرب