العبادي والمواجهة مع سليماني

العبادي والمواجهة مع سليماني

349
في ظهور سافر ومهين لكل القوى العربية (الشيعية) في العراق؛ شارك قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، في اجتماع الهيئة السياسية للتحالف الوطني (الشيعي)، ترأسه وزير الخارجية، إبراهيم الجعفري، وبمشاركة الأمين العام لحزب الدعوة رئيس كتلة دولة القانون، نوري المالكي، وزعيم المجلس الأعلى، عمار الحكيم، وزعيم منظمة بدر، هادي العامري، وممثل عن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وبالطبع رئيس الوزراء، حيدر العبادي .

وقد يكون تأثير سليماني على زعماء هذه الكتل والأحزاب قائماً، حضر اجتماعاتهم أم لم يحضر. لكن، في ظل الظروف الخاصة التي تمر بالعراق، وبالعملية السياسية فيه، وجنوح رئيس وزرائه (العبادي) للانحناء لعاصفة التظاهرات العراقية، بسلسلة من الوعود الإصلاحية، بدأها بالمساس بأهم أركان الهيمنة المفرطة القبضة على الحكم وملفات الفساد في العراق (نوري المالكي) وقراره بإقالته من منصبه نائباً لرئيس الجمهورية، وإطلاق يد لجنة التحقيق الخاصة بسقوط الموصل مع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، في رفع التحفظ عن ذكر اسم المالكي، باعتباره أحد المسؤولين الرئيسيين عن ذلك الحدث الخطير، والذي مازال العراق يعاني من تداعياته، سواء في المحافظات التي تهاوت فيما بعد لمصلحة التنظيم، أو ما يمثله واقعياً من تهديد على مستقبل العاصمة بغداد، وبالتالي، نظام الحكم القائم برمته، ثم إحالة مجلس النواب العراقي ملف هذه القضية إلى القضاء العراقي، من دون حصانة أو خصوصية لأي اسم ورد فيه. كل تلك الأمور كانت تعني بالنسبة لإيران التي زارها المالكي بعد إقالته مباشرة، أن مشروعها في العراق يتعرض للخطر، وأن العبادي يتخبط في إدارة الحكم ومواجهة الأزمات، من دون أن تتناسى طهران أن رئيس الوزراء العراقي هو ابن المؤسسة الحزبية التي صنعت برعاية وتغذية إيرانية مائة في المائة (حزب الدعوة)، وأن الوقت حان لتنبيهه، أو سحب إذنه قليلاً، لإيقاف إيغاله (العاطفي) تجاه إرضاء المتظاهرين على حساب (الأنموذج السياسي العراقي الشيعي الموالي لطهران).
من هنا، إذن، كان حضور سليماني اجتماع التحالف الوطني العراقي، برئاسة الجعفري، ومن هنا، أيضاً، أدخل العبادي في زاوية حرجة جداً، وضعته وجهاً لوجه مع أمين عام حزبه ومسؤوله المباشر، نوري المالكي، كما جعلته أمام الجنرال قاسم سليماني الرجل الذي ترعب به طهران كل زعماء المنطقة، وتعتبره المشرف العام على مشروعها وتصدير ثورتها إلى أنحاء عديدة خارج إيران، ومنها المشرق العربي بكل تأكيد، فهل كان حضور سليماني مثمراً؟ وهل نجح المالكي في إعادة تدوير العبادي ليعيده إلى حجمه الطبيعي، قبل أن يرشحه هو شخصياً لرئاسة الوزراء، عقب رفض الجميع تولي المالكي نفسه رئاسة ثالثة؟ وما دور بقية القوى المنضوية تحت راية هذا التحالف؟
أول رسائل الجنرال الإيراني التي تحدث بها أمام الجميع هي عدم رضا طهران، وتحديداً المرشد الأعلى عن قرارات العبادي الخاصة بإقالة المالكي تحديداً، وكذلك إحالة الملف الذي يحوي اسمه كأحد أهم المسؤولين عن سقوط الموصل إلى القضاء. وينسب إلى سليماني قوله “إن إيران تعارض محاكمة المالكي، لأنها أشبه ما تكون بمحاكمة نموذج في الحكم الشيعي أثبت فشله، وأن هناك جهات، الآن، تحاربه من خلال الشعارات والأهداف التي يرفعها المتظاهرون”، ولأن أغلب القوى التي كانت في هذا الاجتماع هي إيرانية الهوى والقرار، فقد كانت الجلسة أشبه بعملية توبيخ للمالكي، وتهديد واضح من سليماني، كما أن حضوره وحديثه مع الجميع، ومع رئيس الوزراء العراقي تحديداً، كان لإنذاره من مغبة المضي بهذا النهج، وأن عليه أن يكون أكثر حزماً في مواجهة هذه التظاهرات وبقية الخصوم، مما جعل العبادي في مأزق كبير، اضطره للرد على سليماني بعنوانه (رئيساً لوزراء العراق). مبيناً أهمية ما اتخذ من قرارات ورغبته الشخصية والوطنية في تحقيق ما وعد به العراقيين.
وعلى غير ما أوردته مصادر إخبارية، فإن اعتراض العبادي، وعلى الرغم مما مثّل من (جرأة) بالنسبة للآخرين، لم يكن سبب مغادرة قاسم سليماني الاجتماع لاحقاً؛ بل السبب كان واضحاً للجميع، وهو قوله ما يعني “أتيت من أجل أن أوقف هذه المهزلة في أسلوب إدارة الأزمة في العراق، الآن، وإن إيران لا تستطيع أن تصبر أكثر، حتى ترى خروج كل العراقيين لرفض الحكم الحالي، ونفوذ طهران فيها. ولن نسمح، بعد هذا اليوم، بتهديم إنجازات تحققت طوال 13 عاماً”، وختم قوله، أيضاً، بما يعني للعبادي و(سواه) “وقد أعذر من أنذر”.
أمام رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، بعد هذه المواجهة، أو التهديد المباشر من الجنرال قاسم سليماني، خياران. أولهما، مصارحة الشعب العراقي الذي خرج متظاهراً وغير آبه بمن يحكم العراق، شيعياً كان أم سنياً، ومن ثم الركون إليه، والاعتماد بشكل مطلق على قدرات من لم يتلوث بفساد أو دم سواء من المدنيين أو العسكريين الموجودين حالياً في الخدمة، أم من الوطنيين المودعين في السجون منذ أكثر من عقد، مع إبعاد كامل للمؤسسة الدينية عن إدارة الأزمة في الوقت الحالي، تمهيداً لبناء حكومة تكنوقراط عراقية، تؤسس لإعادة الدولة المدنية العراقية، وسيساعده في ذلك تفاقم الصراع السياسي بين الأجنحة الشيعية داخل التحالف الوطني، واصطفاف الصدريين مع حزمة الإصلاحات التي وعد بها، وتذمرهم ضمناً من إملاءات سليماني، لصالح نوري المالكي. ومما يدعم هذا الخيار أن المرجع الأعلى، السيد علي السيستاني في النجف الأشرف، يدعم، حالياً، موقف العبادي، ويتحفظ بدرجة واضحة من تورط مسؤولين كثيرين (في مقدمتهم المالكي) في قضايا فساد أدت، بشكل مباشر، إلى حالة التخلف التي بلغها العراق بالمستويات كافة.
الخيار الثاني للعبادي هو الرضوخ للتهديد الإيراني القوي، وتجميد القرارات الخاصة بالمالكي تحديداً، وإطلاق يد المليشيات التابعة للقوى والأحزاب الموالية لإيران في التحالف الوطني وخارجه، من التصرف بحزم، وخارج نطاق الدولة، لإنهاء موضوع التظاهرات بشكل سريع، وبما لا يسمح بانتشارها، ومشاركة جميع فئات الشعب العراقي العمرية والطبقية والقومية فيها، وقد بدا هذا السلوك والتهيؤ له واضحاً في تصريحات أمين عام منظمة بدر والقائد الأبرز في الحشد الشعبي، هادي العامري، وكذلك تهديدات وتحذير زعيم المجلس الأعلى، عمار الحكيم، للمتظاهرين من مغبة الاستمرار في تظاهراتهم أو اعتصاماتهم. وسيفضي هذا الخيار تحديداً إلى فظاعات في هدر الدم العراقي، وكذلك في تحويل الحكومة العراقية (ممثلة بمن فيها، العبادي أو سواه)، إذا ما نجحت في القضاء على هذه التظاهرات بهذه الصيغة، إلى عدو لعموم الشعب العراقي، ولن تكون بعدها ممثلة لأحد، وخصوصاً شيعة العراق وكذلك سنته .
الطريق واضح جداً أمام حيدر العبادي، لكنه موحش وصعب وخطير، فإن أراد أن يكون زعيماً عراقياً يمضي ببلاده وشعبه إلى بر النجاة والخلاص من الفساد والمحاصصة الطائفية والاحتلال الإيراني، عليه أن “لا يستوحش طريق الحق لقلة سالكيه”، خصوصاً وأن شعباً كاملاً خرج طالباً هذا الطريق، وسيجده معه في مواجهة مليشيات الظلام والدم والتبعية التي يتحصن بها أرباب الفساد ومنفذو المشروع الإيراني في العراق، فهل سيفعلها العبادي، ليتجنب مواجهة محرجة ثانية، بإدارة قاسم سليماني، أم سيختار أن يضع سليماني في مواجهة شعب العراق بأكمله، فتكون تلك الإرادة، وتلك القيادة، سبيلاً للرد والتحصّن والتغيير المنشود في العراق.
فارس الخطاب
صحيفة العربي الجديد