استجابت الحكومة البريطانية لنصيحة مجموعة الاستشارات العلمية للطوارئ، وتستعد لإعلان إغلاق تام في المملكة المتحدة لمواجهة تفشي وباء فيروس كورونا (كوفيد-19)، في موجة ثانية تبدو أشد من تلك التي شهدتها البلاد بداية شهر مارس (آذار) الماضي. ويكشف رئيس الوزراء بوريس جونسون في وقت لاحق عن تفاصيل خطط الإغلاق التي ستتضمن تشديد القيود بما يعني الإبقاء فقط على منافذ بيع المواد الأساسية وبعض المنشآت التعليمية وإغلاق كل شيء عدا ذلك.
ويتوقع أن يبدأ الإغلاق التام في وقت لاحق هذا الأسبوع، بعدما أعلن العلماء الذين ينصحون الحكومة أن الآوان قد فات لفرض إغلاق تام لمدة أسبوعين لوقف انتشار الفيروس كفترة فاصلة، ما يبدو أشبه بـ”انقطاع التيار الكهربائي المفاجئ”، بالتالي من المرجح أن يستمر الإغلاق التام لستة أسابيع أو أكثر.
تعطل الاقتصاد مجدداً
وظلت الحكومة تصر على أن خطتها للإغلاق الجزئي في المناطق التي تزيد فيها الإصابات والوفيات، وعبر ثلاثة مستويات للإغلاق، وبقرار من السلطات المحلية في كل منطقة، هي الخيار الأفضل. وهدفت من وراء ذلك إلى تفادي الإغلاق التام في البلاد، بما يعني تعطل الاقتصاد مجدداً والقضاء على فرص التعافي الهش والبطيء من تبعات أزمة الموجة الأولى من الوباء.
لكن معدلات الارتفاع في أعداد الإصابات والوفيات، وما أصبحت تواجهه كل المستشفيات في البلاد من ضغط، جعل الوضع يتجاوز “السيناريو الأسوأ” للوباء، كما ذكرت التقارير العلمية للحكومة وللمكتب الوطني للإحصاء. ومع فرض أيرلندا الشمالية واسكتلندا شبه إغلاق تام منذ أسبوعين ودخول ويلز في المستوى الثالث من الإقفال، بقيت إنجلترا وحدها التي تطبق المستويات الثلاثة مع وجود 60 في المئة من سكانها ضمن المستوى الثالث (الأشد) من الإغلاق. ومن شأن إعلان الإقفال التام في بريطانيا كلها أن تصبح إنجلترا أيضاً في وضع مماثل لبقية أجزاء المملكة المتحدة.
وسيتضح من إعلان جونسون ما إذا كان نظام مستويات الإغلاق الحالي سيظل، ويضاف إليه مستوى رابع يكون هو الشامل الذي سيفرض في بريطانيا مع الإبقاء على خيار القرارات المحلية في فترة لاحقة، أو سيسري على المستوى الوطني لفترة طويلة.
التبعات الاقتصادية
الضرر الأكبر والمباشر من الإغلاق التام سيقع مرة أخرى على القطاع الذي تضرر أكثر من غيره في الموجة الأولى من وباء كورونا، وهو قطاع الضيافة والترفيه، إذ إنه سيعني إقفال المطاعم والمقاهي والحانات ومراكز الصحة البدنية والمتاجر كافة التي توفر المواد غير الضرورية.
تلك المحال غالباً ما تحقق النسبة الأكبر من مبيعاتها في فترة الأعياد في الأسابيع العشرة الأخيرة من العام، ما بين عيد الهالوين وعيد الميلاد. ويعني هذا القرار خسارة ما يزيد على ثلثي نشاطها السنوي الذي يتركز في هذه الفترة من العام. وكانت اتحادات التجزئة نشرت إعلانات في الأيام الأخيرة تطالب المستهلكين بالتسوّق المبكر والاحتفاظ بالمشتريات لحين الأعياد، خشية احتمال الإغلاق. لكن من غير الواضح إن كانت الحملة أسفرت عن ارتفاع المبيعات، التي تمثل لبعض منافذ التجزية ما يصل إلى 70 في المئة من مبيعات العام كله.
أما الأسواق، فقد بدأت بالفعل تعاني من تبعات الموجة الثانية ولم تنتظر إعلان الإغلاق التام. على سبيل المثال، أنهى مؤشر “فانيانشيال تايمز” في بورصة لندن شهر أكتوبر (تشرين الأول) بخسارة لم يشهد مثلها منذ شهر مارس الماضي في عز الموجة الأولى من الوباء. وهبط المؤشر بمعدل شهري يقارب الخمسة في المئة (4.9 في المئة) فاقداً ما يزيد على 72 مليار جنيه إسترليني (93 مليار دولار) من قيمة أسهم الشركات المسجلة فيه.
الموجة الثانية
لكن الخطر الأكبر هو عدم قدرة الحكومة البريطانية على تمويل برامج دعم الشركات والأعمال والأسر التي تأثّرت في الموجة الثانية، كما فعلت في الموجة الأولى. وعلى الرغم من أن وزير الخزانة ريشي سوناك أعلن بالفعل برنامجاً جديداً لدعم العاملين الذين تضررت وظائفهم، لكنه يظل برنامجاً أقل تأثيراً من برنامج الحفاظ على الوظائف الذي ينتهي السبت 31 أكتوبر.
ويواجه وزير الخزانة أيضاً ضغوطاً لتحسين برنامج الرعاية الاجتماعية، الذي يوفر الدعم الحكومي للأسر الفقيرة، وتستفيد منه حالياً حوالى ستة ملايين أسرة (5.6 مليون أسرة) تعتمد على إعانات البطالة والإعانات الاجتماعية لدفع الفواتير الأساسية شهرياً.
كما حذر تقرير لمعهد التعليم والعمل من أن 1.6 مليون بريطاني يواجهون احتمال البطالة المؤكدة، وأن غالبية هؤلاء قد لا يستطيعون الحصول على فرصة عمل أخرى قبل 2024. وأشار إلى أن أكثر المتضررين هم من الفئة العمرية الأصغر عمراً، أي الداخلين حديثاً إلى سوق العمل، والفئة العمرية الأكبر التي تتجاوز سن الـ60 ولم تبلغ بعد السن القانونية للتقاعد.
وهناك بالطبع، إضافة إلى قطاعات التجزئة والترفيه، قطاع السياحة والسفر الذي لم يكد يحاول الانتعاش من تبعات الموجة الأولى، حتى واجهته مشكلات في نهاية الربع الثالث من العام، كما تظهر نتائج الشركات العاملة فيه من مطارات وخطوط جوية وغيرها.
ويعزز كل ذلك التوقعات التي صدرت أخيراً عن مؤسسات بريطانية وعالمية بأن احتمالات الركود المزدوج تظل عالية جداً، بل إن ذلك قد يقود الاقتصاد البريطاني إلى كساد عميق ممتد، كما حدث مع اليابان في العقد الأخير من القرن الماضي.
أحمد مصطفى
اندبندت عربي