رسميًا، لا يعترف العراق بوجود دولة إسرائيل، ولا يوجد أيّ نوع من العلاقات بين الدولتين سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي.
ولا يشترك العراق بحدود برية مع إسرائيل، وهو بين نحو 30 دولة في العالم لا تزال ترفض الاعتراف بالدولة التي أقامها اليهود على أرض فلسطين.
وكانت إسرائيل ترى في العراق تهديدًا جديًا في عهد رئيسه الراحل صدام حسين (1979 – 2003)، الذي كان يتبنى خطابا يدعو إلى إزالة إسرائيل، وهو الخطاب ذاته الذي تتبناه إيران والقوى العراقية الحليفة لها.
ورغم إسقاط نظام صدام عام 2003 وإيجاد نظام حكم محله يُعدّ حليفًا للولايات المتحدة، لا يزال العراق لا يعترف بوجود إسرائيل، ولم يُعلن عن انتهاء حالة العداء بينهما.
وتتبنى الكتل السياسية الشيعية العراقية الحليفة لإيران خطابًا “عدائيًا” صريحًا ضد إسرائيل، في إطار ما يُعرف باسم “محور المقاومة” أو “المقاومة الإسلامية”.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2017، أصدر مجلس النواب العراقي تشريعًا يحظر بموجبه رفع العلم الإسرائيلي ويعاقب المخالفين بالسجن.
ولا تُخفي القيادات الإيرانية مخاوفها من أن تؤدي العلاقات بين الإدارة الأمريكية والحكومة العراقية إلى تطبيع علاقات بغداد مع إسرائيل، استجابة لضغوط أمريكية مدفوعة بحاجة بغداد لواشنطن اقتصاديًا وعسكريًا.
وتُدير وسائل إعلام عراقية، مقربة أو مملوكة للكتل الشيعية، حملة واسعة منذ إعلان الإمارات وإسرائيل، في 13 أغسطس/ آب الماضي اتفاقهما على تطبيع العلاقات بينهما، وزادت حدتها بعد توقيع البحرين اتفاقية سلام مع إسرائيل، في واشنطن منتصف سبتمبر/ أيلول الماضي.
وتهدف هذه الحملة إلى انتزاع تصريحات رسمية من الرئاسات الثلاث في العراق، الجمهورية ومجلسا الوزراء والنواب، تُدين التطبيع، لكنّ أي منها لم يصدر عنه بيان رسمي حتى الآن، وهو ما يراه مراقبون قبولًا ضمنيًا بالتطبيع عندما تتوفر الأرضية المناسبة له.
وحتى الآن لم يصدر بيان من الحكومة العراقية يوضح موقفها من اتفاقيات التطبيع، وهو ما أثار قلقًا في إيران انعكس على أوساط القوى الحليفة لها في مجلس النواب العراقي.
وتحاول هذه القوى استجواب رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، بشأن ما إذا كان قد ناقش احتمال التطبيع مع إسرائيل، خلال زيارته للعاصمة البريطانية، في 20 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وبعد إعلان التطبيع بين الإمارات وإسرائيل، أعلن العراق، في 22 أغسطس/آب الماضي، على لسان وزير خارجيته فؤاد حسين، التزامه بمبادرة السلام العربية، التي صدرت عن قمّة بيروت عام 2002، عبر قيام دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967، قبل تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
لكنّ العراق امتنع في 9 سبتمبر/أيلول الماضي، عن التصويت في جامعة الدول العربية على مشروع قرار فلسطيني يدين التطبيع بين الإمارات وإسرائيل.
وكان لافتًا تعليق رئيس الوزراء العراقي على اتفاق التطبيع بين الإمارات وإسرائيل بأن السلام بين أي دولة عربية وإسرائيل مسألة سيادية تقررها الدولة المعنية. وهو موقف ينسجم إلى حد ما مع الموقف السعودي على الأقل في الخطاب الإعلامي واتجاهات الرأي العام.
توقيع الإمارات والبحرين اتفاقيتي سلام مع إسرائيل، وإعلان السودان موافقته على التطبيع وربما دول عربية أخرى في المستقبل القريب، أطاح بالثوابت الناظِمة مُنذ عقود لإقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل.
وتقوم هذه الثوابت على عدم الإخلال بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في إقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، وفق مبادرة السلام العربية التي تقدمت بها السعودية واعتمدتها جميع الدول العربية في قمة بيروت، ورفضتها إسرائيل.
وتحاول وسائل إعلام إسرائيلية وحسابات مؤثرة على مواقع التواصل الاجتماعي الترويج لتأثير الجالية العراقية اليهودية في إسرائيل وإمكانية الاستفادة منها في بناء علاقات بين البلدين تعود بالفائدة على العراق أولاً.
وفي 6 يناير/كانون الثاني 2019، أصدرت وزارة الخارجية الإسرائيلية بيانًا باللغة العربية كشفت فيه عن أن وفودًا عراقية غير رسمية زارت تل أبيب، وبينها شخصيات سُنيّة وشيعية مؤثرة.
ويلقى الخطاب الإسرائيلي على وسائل التواصل الاجتماعي قبولًا نسبيًا في أوساط عراقية مناهضة لإيران ترى في السلام فرصة للتعاون مع دولة شرق أوسطية لها ريادة في الطب والعلوم والزراعة والتكنولوجيا، كما أن علاقة كهذه ستخفف من النفوذ الإيراني في العراق.
قد لا يكون العراق استثناءً من بين دول عربية بدأت تتجه بعيدًا عن التضامن والمواقف العربية المشتركة نحو المصالح الوطنية، وتبتعد عن تبني قضية فلسطين باعتبارها كانت تشكل إلى سنوات قريبة القضية المركزية الأولى للدول العربية.
وتُشير بعض اتجاهات الرأي العام في العراق إلى تبني وجهات نظر جديدة، بعد التطبيع الإسرائيلي مع ثلاث دول عربية، وهي ضرورة إنهاء حالة العداء مع إسرائيل.
وتتبنى هذا الموقف كتل سياسية عربية، سُنيّة وكردية ونسبة مهمة من الكتل السياسية الشيعية غير المتحالفة مع إيران، مثل تيار الحكمة، بقيادة عمار الحكيم، القريب من توجهات الكاظمي.
ويُعتقد إن الاندفاع الخليجي نحو التطبيع مع إسرائيل من الممكن أن ينعكس على إقدام بغداد على تبني خطوة مماثلة لإدماج العراق بالكتلة الخليجية، بدعم ومساندة أمريكية على أمل إخراج البلاد من الأزمات المتراكمة التي لم تجد الحكومات بعد 2003 حلًا لها.
يمكن للولايات المتحدة ودول خليجية معنية بمواجهة النفوذ الإيراني وتحجيمه في المنطقة، إقناع قيادات عراقية بقبول التطبيع مع إسرائيل، لتشكل محورًا مناهضًا لإيران للتخلص من النفوذ الإيراني الذي يعد عاملًا أساسيًا في أزمات العراق.
لكنّ ذلك يصطدم بواقع نفوذ القوى الحليفة لإيران، وهيمنتها على القرار السياسي والأمني والاقتصادي إلى حد ما.
ومع هذا، ثمّة وجهة نظر مغايرة تذهب إلى إمكانية التطبيع بين بغداد وتل أبيب، باستغلال حالة الضعف التي تمر بها إيران، سواء على صعيد العزلة السياسية أو تراجع قدراتها المالية على دعم القوى الحليفة لها؛ جراء العقوبات الأمريكية.
ويحتاج العراق إلى المزيد من الاستثمارات الأجنبية لسد العجز في الأموال اللازمة لإعادة تأهيل البنية التحتية وإعادة إعمار المدن التي دمرتها الحرب على تنظيم “داعش” الإرهابي، وتعويض الانخفاض في أسعار النفط بالسوق العالمية.
وقد تبدو هناك حاجة عراقية للتطبيع مع إسرائيل لحشد المزيد من الجهود الدولية، برعاية الولايات المتحدة، لمساعدة العراق في جوانب عدة، والتخلص من الأزمات التي يعاني منها، سواء الاقتصادية أو غيرها.
ويُعتقد أن الولايات المتحدة تضغط على العراق لتطبيع علاقاته مع إسرائيل مع تفهم كامل للاعتراضات الإيرانية ومواقف القوى الحليفة لطهران.
لكن لا يبدو أن حكومة الكاظمي، أو أي حكومة أخرى ستأتي بعدها، قادرة على اتخاذ قرار التطبيع قبل التخلص من التأثير الإيراني، المباشر أو غير المباشر، على القرار العراقي، أو توقيع إيران نفسها اتفاقية سلام مع إسرائيل. (الأناضول)