في 14 تشرين الأول/أكتوبر، وافقت السلطات الإسرائيلية على جولة أخرى من [توسيع] المستوطنات في الضفة الغربية؛ وعلى غرار الاجتماعات السابقة المشتركة بين الوكالات التي عُقدت حول هذا الموضوع على مدار الأربعة عشر شهراً الماضية، مُنحت الموافقات الأكثر أهمية للمستوطنات خارج الجدار [الحاجز] الأمني وليس داخله. وقد يكون التوسع خارج الجدار العازل معقداً بشكل خاص في مسار التوصل إلى حل الدولتين في المستقبل، وربما للعلاقات الإسرائيلية مع الولايات المتحدة.
وتضم المنطقة داخل الجدار [الأمني]، التي تشكل حوالي 10٪ من الضفة الغربية، 52 مستوطنة و358,405 مستوطن، أو 77 في المائة من مجموع المستوطنين (85٪ إذا تم شمل الإسرائيليين الذين يعيشون في القدس الشرقية). وتميل إضافة وحدات جديدة في هذه المنطقة إلى أن تكون أقل استفزازاً، وتحافظ على قابلية تطبيق حل الدولتين بشكل أفضل، نظراً لأنه من المرجح أن تصبح معظم هذه المستوطنات أراضٍ إسرائيلية في أي اتفاق سلام نهائي يتضمن تبادل أراضي مع الفلسطينيين.
وفي المقابل، فإن إضافة وحدات خارج الجدار الأمني تجعل الانفصال عن الفلسطينيين أكثر صعوبة. فهناك 78 مستوطنة تنتشر على نطاق واسع خارج الجدار الأمني ويبلغ عدد سكانها 107,803 نسمة، مما دفع بعض المراقبين إلى القلق من أنه قد تم بالفعل الوصول إلى نقطة اللاعودة حيث قد يكون الفصل [بين الفلسطينيين والإسرائيليين] وحل الدولتين مستحيلاً. وسواء ثبتت صحة ذلك أم لا، هناك أمراً واحداً واضحاً: نهج إدارة ترامب تجاه القضية قد منح إسرائيل مزيداً من الحرية للموافقة على [بناء] وحدات جديدة خارج الجدار [الأمني]. ويشير عدم اليقين [الذي يشعر به] رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بشأن هوية الفائز في الانتخابات الرئاسية الأمريكية إلى أن الموافقات على إنشاء وحدات إضافية مؤخراً هي محاولة لاتخاذ المزيد من الخطوات الاستفزازية في عام 2020، لأن الإدارة الأمريكية المحتملة لجو بايدن ستكون أقل دعماً لمثل هذه الخطوات في عام 2021.
عملية الموافقة على إقامة المستوطنات
في السنوات الأخيرة، سعت إسرائيل إلى تبسيط عملية الموافقة من خلال عقد اجتماعات بصورة أقل انتظاماً. وتقلل هذه الطريقة أيضاً من احتمالات حدوث لحظات محرجة دبلوماسياً، كما حدث عند الإعلان عن وحدات سكنية جديدة في القدس الشرقية في الوقت المقرر لذلك الإعلان، الذي صادف خلال زيارة نائب الرئيس الأمريكي بايدن لإسرائيل عام 2010.
وتتم الموافقة على إنشاء وحدات جديدة في ست مراحل. ففي المراحل المتقدمة، تجري مناقشات بين الوكالات للموافقة على ما يُعرف بـ”الوحدات المزمع إضافتها”، تليها فترة 60 يوماً للطعون القانونية (التي قلّما تستمر) ومن ثم الموافقة النهائية. ويُعتبر التركيز على أرقام الوحدات المزمع إضافتها وسيلة فعالة لتحليل اتجاهات الاستيطان وأولويات الحكومة الإسرائيلية، بما أن الغالبية العظمى من الوحدات التي تمّت الموافقة على إدراجها في قائمة الوحدات المزمع إضافتها تصل إلى مرحلة البناء.
تفضيل البناء خارج الحاجز الأمني
خلال الاجتماعات الخمسة التي عُقدت منذ آب/أغسطس 2019، مال عدد الوحدات، التي تمّت الموافقة على إدراجها في القائمة المزمع إضافتها، باتجاه زيادة البناء خارج الجدار الأمني وكانت النسبة 83٪ في اجتماع آب/أغسطس 2019 (1,306 وحدة خارج الجدار مقابل 265 داخله) و 67٪ في اجتماع تشرين الأول/أكتوبر 2020 (1,514 داخل الجدار مقابل 746 خارجه). وبشكل تراكمي، فإن ثلثي الوحدات التي تمت الموافقة على إدراجها في القائمة المزمع إضافتها خلال الاجتماعات الخمسة (5,096 من أصل 7,673) كانت خارج الجدار، على الرغم من أن 23٪ فقط من كافة المستوطنين يعيشون في هذه المناطق.
وهذه الأعداد بارزة بشكل خاص عندما يأخذ المرء بعين الاعتبار أن العدد الإجمالي للمباني السكنية في المستوطنات خارج الجدار الأمني بلغ 16,241 عام 2016 وفقاً للصور الجوية. (بالنسبة إلى الصور الجوية لجميع المستوطنات، راجع رسم الخرائط التفاعلية “المستوطنات والحلول” التي نشرها معهد واشنطن). ويقيناً، إن “الوحدات” و”المباني” ليست مترادفة بالكامل – فعدد المباني لا يأخذ في الحسبان أماكن الإقامة ذات الوحدات المتعددة. ومع ذلك، يُفترض أن الغالبية العظمى من المباني الواقعة خارج الجدار [الأمني] هي عبارة عن وحدات فردية، وليست مباني سكنية. علاوة على ذلك، فضّلت الممارسات السابقة البناء داخل الحاجز، مما جعل التأرجح الحاد في الاتجاه الآخر منذ عام 2019 أكثر وضوحاً.
ويبدو أن عدم اليقين بشأن اتجاه خطة ترامب للسلام يؤثر أيضاً على قرارات إسرائيل بالموافقة خلال هذه الفترة، ولا سيما عدد الوحدات التي مُنحت لها الموافقة النهائية (وهي مرحلة لاحقة من الموافقة على إدراجها في قائمة الوحدات المزمع إضافتها). وخلال الأشهر التي سبقت إعلان الخطة الأمريكية في كانون الثاني/يناير من العام الحالي، أشارت واشنطن إلى إسرائيل بأن تتجنب اتخاذ خطوات استفزازية قد تؤثر سلباً على الفلسطينيين مسبقاً. ويبدو أن حكومة نتنياهو تقتدي بذلك – فقد مُنحت الموافقة النهائية لوحدات قليلة نسبياً خارج الجدار [الأمني]، وذلك خلال الاجتماعين الأخيرين لعام 2019 (303 وحدة خارج الجدار مقابل 469 داخله في آب/أغسطس من ذلك العام؛ 207 وحدة خارج الجدار مقابل 512 داخله في تشرين الأول/أكتوبر من نفس العام).
وبعد أن أصبح واضحاً أن “السلطة الفلسطينية” سترفض الخطة، أصبح التحوّل إلى الموافقة على المزيد من الوحدات خارج الجدار [الأمني] – والمزيد من الوحدات بشكل عام – واضحاً. ففي كانون الثاني/يناير، حصلت 619 وحدة سكنية على الموافقة النهائية خارج الجدار مقابل 167 وحدة داخله. وفي تشرين الأول/أكتوبر، حصلت 2,374 وحدة سكنية موافقة نهائية خارج الجدار مقابل 314 وحدة داخله. وإجمالاً، بلغت الموافقات النهائية منذ آب/أغسطس 2019 ما مجموعه 4,171 وحدة خارج الجدار مقابل 1,462 داخله، أي بنسبة 3: 1 تقريباً.
ماذا يعني ذلك لاستراتيجية الاستيطان الإسرائيلية
خلال مناقشة المناطق التي قد تقع ضمن السيادة الإسرائيلية في أي اتفاق مستقبلي مع الفلسطينيين، لا تميّز خطة ترامب للسلام بين المستوطنات خارج الجدار الأمني وداخله، لذا فإن موافقات إسرائيل على إضافة وحدات خلال العام الماضي تتماشى مع الخطة الأمريكية بشكل عام. ومع ذلك، دعا جزء من الخطة إسرائيل إلى الحد من التوسع في خمسة عشر “جيوباً” للمستوطنين تقع داخل الأراضي التي قد تصبح جزءاً من دولة فلسطينية إذا تم التوصل إلى اتفاق سلام (مع استمرار تلقيها الخدمات الإسرائيلية). وعلى وجه التحديد، تمنع الخطة هذه الجيوب من التوسع إلى الخارج خلال السنوات الأربع المقبلة.
لكن في الاجتماع الذي عُقد في 14 تشرين الأول/أكتوبر، وافقت إسرائيل على إضافة أكثر من 600 وحدة جديدة في هذه الجيوب الضيّقة، شملت الموافقة النهائية على 200 وحدة في “أسفر” (“متساد”) و211 وحدة في “يتسهار”، وموافقة على إدراج 286 وحدة في قائمة الوحدات المزمع إضافتها في “براخا”. ومن غير الواضح ما إذا كان هذا البناء سيحدث داخل الحدود القائمة للجيوب أو يتوسع خارجها. ومع ذلك، فإن قرار البناء ربما في أكثر المناطق إثارة للجدل في الضفة الغربية – والتي لن تكون متجاورة مع بقية أنحاء إسرائيل وفقاً لخريطة خطة ترامب – يُظهر مستوى الثقة لدى نتنياهو بأنه سيحصل على دعم ثابت من الإدارة الأمريكية الحالية.
كما تمت الموافقة على وحدات جديدة في “عوفرا” و “بيت إيل”، وهما من أكبر المناطق السكانية في إسرائيل خارج الجدار، والواقعتان شمال شرق رام الله. ولفتت “بيت إيل” اهتماماً خاصاً لأنها تُعتبر مستوطنة رئيسية مؤسسية إيديولوجية وقريبة من قلب السفير الأمريكي في إسرائيل ديفيد فريدمان. وعلى نطاق أوسع، عززت الخطوات المتخذة هذا العام المخاوف من أن تحاول حكومة نتنياهو تقييد المجتمعات الفلسطينية الكبيرة في منطقة رام الله. ففي كانون الثاني/يناير، تمّت الموافقة على إدراج 160 وحدة في قائمة الوحدات المزمع إضافتها في “كوخاف يعقوب” المجاورة و 180 وحدة في البؤرة الاستيطانية “ميتسبي داني”. وشهد هذا الشهر منح تراخيص في “بيت إيل” (382)، و “غيفع بنيامين” (357) و “إيلي” (629 وحدة جديدة تمت الموافقة على إدراجها في قائمة الوحدات المزمع إضافتها في المستوطنة التي كانت تضم 598 مبنى فقط في عام 2016).
أما فيما يتعلق بالفجوة الطويلة الأمد وغير المعتادة التي دامت ثمانية أشهر والتي سبقت اجتماع 14 تشرين الأول/أكتوبر، فكان التأخير ناتجاً إلى حد كبير عن تفشي جائحة “كوفيد-19” والترقّب بشأن ما إذا كان نتنياهو سيسعى إلى تطبيق عملية الضمّ في الضفة الغربية خلال الصيف. ووضعت اتفاقيتا التطبيع الأخيرتان مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين حداً لمناقشات الضم على مدى السنوات القليلة المقبلة على الأقل، لكنها فتحت أيضاً الباب أمام موافقات بناء متجددة. وتحظى الاتفاقيتان الخليجيتان بشعبية كبيرة في إسرائيل، لكن جزءاً من قاعدة نتنياهو لم يكن سعيداً لأن الاتفاقيتين جاءتا على حساب الضم، لذلك يبدو أن الزيادة في الوحدات الموافق عليها قد تمت لإرضاء هذا المعسكر. ومع التركيز على الجوانب العملية للتطبيع، سيكون من المثير للاهتمام معرفة ما إذا كانت ستشكل عائقاً أمام التوسع الاستيطاني الإسرائيلي. وهذا ليس واضحاً، حتى الآن.
ولا يمكن التنبؤ بالتأكيد بالتأثيرات الدقيقة للانتخابات الأمريكية أيضاً – ففي النهاية، زادت حكومات نتنياهو السابقة وتيرة النشاط الاستيطاني خلال الفترات التي تولّى فيها الديمقراطيون الرئاسة أيضاً وليس الجمهوريين فقط. ومع ذلك، كان نتنياهو أكثر حذراً بكثير بشأن مواقع محددة في الحالة الأولى؛ خلال إدارة أوباما، على سبيل المثال، اقتصر البناء الجديد إلى حد كبير على مناطق داخل الجدار الأمني، تاركاً إمكانية حل الدولتين مفتوحاً.
وفي حالة فوز ترامب، لا بد أن يزداد النمط القائم في الآونة الأخيرة والمتمثل في زيادة الموافقات لإضافة وحدات خارج الحاجز الأمني. ويصرّ المسؤولون الأمريكيون على أن خطتهم كانت مجرد عرض مفتوح وأنهم بانتظار عرض فلسطيني مقابل. لكن يبدو أن نتنياهو يعتبر الخطة سقفاً للمطالب الفلسطينية وليست أرضية لها، ومن المفترض أن يواصل زيادة النشاط الاستيطاني إلى أجل غير مسمّى إذا أعيد انتخاب ترامب. وبهذا المعنى، من المرجح أن تحدد نتائج الانتخابات في الولايات المتحدة ما إذا كان النطاق الجغرافي لتوسع المستوطنات مستمراً كما حدث خلال عام 2020.
ديفيد ماكوفسكي
معهد واشنطن