الإرهاب.. مصادره ولعبة التراخي معه

الإرهاب.. مصادره ولعبة التراخي معه

الإرهاب مشروع أيديولوجي، قبل أن يكون عملا مسلحا. وجماعة الإخوان المسلمين هي قائد هذا المشروع. وليس من العجب أن تخرجت من بطونها كل تنظيمات الإرهاب الأخرى. والذين يتواطؤون مع ماكينة التفريخ، يتواطؤون ضمنيا مع المسلحين الذين يتوالدون منها.

ما تزال هناك دول عدة في العالم لم تتخذ الخطوة الناقصة بتجريم جماعة الإخوان كتنظيم إرهابي. وأكثر منها الدول التي ما تزال تتردد في مواجهة مشروع التكفير والكراهية الذي يصدر عن هذه الجماعة.

بريطانيا هي إحدى هذه الدول، ولكن ليس فقط لأنها كانت الراعي الأول لولادة هذه الجماعة، وليس لأنها تواطأت معها في قضايا كبرى، ومنها حرب السويس الشهيرة والسعي لاغتيال جمال عبدالناصر، بل لأن لديها مصالح تجارية كبيرة مع رعاة التنظيم الجدد ومموليه. كما أن شبكات هذا التنظيم تتغلغل في نشاطات تجارية معقدة تقصد تمويل فروع الجماعة وخلاياها النائمة.

ومن يعرف “بُعد النظر” الذي تتصرف به أجهزة المخابرات البريطانية حيال كل تنظيمات الإرهاب الأخرى، ومنها حزب الله، يعرف لماذا لم تجرؤ أي حكومة في بريطانيا على إعلان تنظيم الإخوان إرهابيا، ذلك لأنه ما يزال ينفع الأغراض الاستعمارية القديمة نفسها.

وحتى لو وجدت بريطانيا نفسها تحت ضغط ليجعلها تعتبر هذا التنظيم إرهابيا، فإنها ستعامله كما تعامل حزب الله. فهذا الأخير “تنظيم إرهابي” من الناحية الرسمية، ولكن من دون اعتقال مشتبه به واحد!

بُعد نظر، حقيقي. إنما لكي يضحك على ذقن السذاجة الفرنسية والألمانية والنمساوية في الجمع بين التواطؤ مع الإرهاب والاستفادة منه.

وجود بعض قيادات جماعة الإخوان وشبكاتها المالية، يوفر نوعا من حماية ضمنية تسمح لمنافذ التواطؤ بين الجانبين الكشف عن مصادر التهديد. إلا أن تلك “الخدمات” لا تتاح لدول أوروبية أخرى.

وهذا يعني أن الجرائم لن تتوقف. ولسوف يتخذ أولئك الذين يتبنون ثقافة هذه الجماعة ويؤمنون بمراجعها الفكرية ونظرتها للعالم، من أي ذريعة تتوفر لهم لارتكاب أعمال إرهاب أخرى.

المعالجات الأمنية أثبتت بوضوح أنها لا تكفي. عندما كانت المسألة مسألة تفجيرات وأسلحة، وشددت السلطات الأمنية الخناق، تراجعت وسائل الترويع لتقتصر على سكاكين المطبخ وأعمال الدهس بالسيارات. وعندما امتدت المراقبة لتشمل وسائل التواصل الاجتماعي، فقد غرقت بالفوضى والحسابات الوهمية التي تسعى لبث الفكر المتطرف، وليس بالضرورة كسب المزيد من المنتسبين إلى هذا التنظيم أو ذاك. ومثلما طورت الأجهزة الأمنية وسائلها، فقد طورت تنظيمات الإرهاب وسائل التخفي والتأثير.

الأدلة تزداد على حقيقة أن مرتكبي أعمال الإرهاب ليسوا بالضرورة أعضاء في أي تنظيم، ولكنهم منتسبون فكريا إلى مراجع ومصادر التكفير التي تتبناها هذه الجماعة.

التواطؤ عن طريق الصمت، أو التغاضي، هو نفسه لا يخدم أي أغراض أمنية، ملتوية، قد تقصد التقصي والكشف. ذلك لأن الإرهاب يمكن أن يأتي من خارج كل الدوائر الخاضعة للمراقبة.

ما الذي يمكن فعله إذن؟

هناك من يؤمن بنظرية مؤامرة تقول إن بعض الدول الغربية، أو بعض مؤسساتها الأمنية والبحثية، تتقصد أن تترك حبل الإرهاب سائبا. من ناحية لرفع مستويات الكراهية ضد الإسلام، ومن ناحية أخرى، لأجل إبقاء الحرب ضد الإرهاب قائمة إلى أمد غير محدود، وذلك طالما أنها توفر “خدمات جانبية” أو ما يسمى Cross selling، سياسية وتجارية أو تُملي نفوذا استراتيجيا.

العرب والمسلمون يفهمون هذه الحقيقة. وهم يلمسون بعض جوانبها لمس اليد. إلا أن الكثير منهم أيضا يرغب بالانطلاق من النيات الصادقة، لاسيما وأنه يمكن للمصالح أن تتحقق من دون دوافع بشعة أو ملتوية مثل السماح لثقافة الكراهية والعنف بأن تكون هي الذريعة.

ولكي تصدق النيّات بالفعل، فإن الحرب ضد أيديولوجيا الإرهاب هي ما يتعين أن ينهض به الجميع.

ويتعين لهذه الحرب أن تكرس التوافق على اعتبار جماعة الإخوان المسلمين تنظيما إرهابيا، وأن تطوي صفحة التراخي، لتطوي معها كل المنافع الانتهازية الأخرى. ومن تلك النقطة، يمكن للحرب ضد أيديولوجيا هذه الجماعة ومراجعها ومصادرها الفكرية أن تكون حربا يمكن كسبها.

الذين يريدون أن يحاربوا الإسلام، بتشويه سمعته وقيمه من خلال التراخي مع ثقافة الإرهاب، لن يكسبوا شيئا. لأن السجال والسجال المضاد يوفر أدوات قد لا تخدم أغراض التشويه تلك. كما أنها سرعان ما تؤدي إلى زيادة حدة الشروخ والانقسامات داخل المجتمعات الغربية. وهو ما ينطوي على أضرار أبعد من مجرد “الفائدة” الهزيلة المقصودة لتشويه صورة الإسلام وفرض العزلة على المسلمين.

التراخي ضد ثقافة الكراهية والتكفير لا يخدم أي غرض، وذلك حتى لو افترضت بعض المؤسسات أنه وسيلة ميكافيلية لتبرير غايات أخرى.

الهجوم على الإسلام، يدفع بطبيعته إلى هجوم مضاد. وعندما تكون أغراض الهجوم مشوهة، فإن الهجوم المضاد ينتهي إلى أنه يصب الماء في طاحونة الإرهاب.

هذه اللعبة يجب أن تتوقف. والخطوة الأولى إنما تبدأ بتجريم جماعة الإخوان المسلمين وملاحقة ثقافتها، ليس بمعزل عن المسلمين، بل بالشراكة الوثيقة مع مثقفيهم ومتنوريهم، والمدافعين بينهم عن قيم التآخي والتسامح والشراكة الإنسانية. وهم كثر. إنهم بالأحرى، قوة التصدي الأكثر إخلاصا وصدقا في مواجهة الإرهاب.

نعم، هناك دولتان تعملان على تسويق فكرة اعتدال هذه الجماعة وأنها تشكل بديلا للجماعات المتطرفة الأخرى. وتبذل من أجل ذلك الكثير من الأموال. إلا أن هذه الفكرة سقطت أمام جملة من الحقائق:

أولا، أن المصادر الفقهية لكل جماعات الإرهاب، انطلاقا من هذه الجماعة نفسها، هي ذاتها المصادر. وهي بجملتها مصادر كراهية وتكفير، ليس لأبناء الديانات الأخرى فحسب، وإنما للمسلمين أنفسهم.

ثانيا، التنظيمات المسلحة الإرهابية لم تظهر كفروع لهذه الشجرة بالصدفة ولا عن طريق العبث.

ثالثا، عندما يتحول الإسلام إلى مشروع أيديولوجي، مهما كان عريضا، فإن نتيجته الطبيعية هي أن تتولد على جوانبه تيارات أكثر تطرفا منه.

رابعا، الصلات المباشرة وغير المباشرة بين جماعات الإرهاب المختلفة، ومنها ركوب بعضها على بعض، أصبحت حقيقة لا سبيل إلى نكرانها.

خامسا، التجربة العملية، في غير مكان، وفرت ما لا يُحصى من الأدلة على أن هذه الجماعة مسلحة بالفعل، وتخوض حروبا ميليشياوية مختلفة، بينما ظل داعموها يزعمون لها بالاعتدال، هم أنفسهم الذين يزودونها بالسلاح والمرتزقة والمال.

لو شئت أن تحارب الإرهاب بالفعل، فإن لعبة التراخي يجب أن تتوقف.

العرب