تساءل المعلق الاقتصادي في صحيفة “نيويورك تايمز”، بول كروغمان، عن حالة أمريكا بعد الانتخابات الرئاسية: هل تسير أمريكا نحو الدولة الفاشلة؟
وقال إن جوزيف بايدن بالتأكيد سيربح الرئاسة ومن الواضح أنه حصل على ملايين الأصوات أكثر من غريمه الرئيس دونالد ترامب. ومن هنا فيمكنه ويجب عليه الإعلان أنه حصل على تفويض قوي من الشعب الأمريكي للحكم. ولكن المشكلة ليست في فوزه ولكنه بقدرته على الحكم. ففي الوقت الحالي يبدو أن مجلس الشيوخ -غير الممثل للشعب الأمريكي- سيظل تحت سيطرة حزب متطرف سيحاول بذل جهده للتخريب على بايدن وبأي طريقة ممكنة.
وقبل الحديث عن المواجهة المقبلة والمشاكل التي ستنجم عليها يجب علينا الحديث حول شرعية المجلس وممثليه الجمهوريين. وبالطبع لدى كل ولاية ممثلون في مجلس الشيوخ، مما يعني أن وايومنغ التي يبلغ عدد سكانها 579.000 نسمة تساوي في التأثير ولاية كاليفورنيا ذات الـ 39 مليون نسمة. فالولايات التي تملك ثقلا ليس فيها حواضر كثيرة مثل بقية البلد. وفي ظل الانقسام النامي بين المدن الكبرى والمناطق الريفية فإن هذا يمنح مجلس الشيوخ ميلا نحو اليمين. ووجد تحليل لموقع “فايف ثيرتي إيت دوت كوم” أن مجلس الشيوخ يمثل نسبة 7% من الجمهوريين أكثر من الناخب العادي. وحالات مثل سوزان كولينز التي احتفظت بمقعدها في ولاية ديمقراطية هي استثناء، مما يعني أن الحزب الجمهوري سيواصل السيطرة على المجلس رغم المكاسب التي حققها الحزب الديمقراطي على صعيد التصويت الشعبي.
وربما سأل البعض إن كان تقسيم السيطرة على الحكومة مشكلة؟ فبعد كل هذا سيطر الجمهوريون على ثلاث من أربع غرف في الكونغرس أثناء باراك أوباما وعبرت الأمة الأزمة، هذا صحيح ولكن، ففي الحقيقة أدت عرقلة الجمهوريين لضرر كبير خلال سنوات أوباما. واستخدم الجمهوريون أساليب قاسية بما في ذلك التهديد لإحداث إهمال للدين الوطني العام وإجبار الحكومة على الانسحاب وبشكل متعجل من دعم الميزانية مما أبطأ وتيرة التعافي الاقتصادي. وقدر الكاتب نسبة البطالة في 2014 وبدون أخذ التخريب الفعلي بالاعتبار ربما وصل إلى 2% وأقل من النسبة التي سجلت في الحقيقة. ومن هنا فالحاجة إلى مزيد من النفقات ضرورية اليوم أكثر من عام 2011 عندما سيطر الجمهوريون على مجلس الشيوخ. وفي الوقت الراهن تواجه أمريكا أزمة فيروس كورونا الذي ينتشر بدون سيطرة حيث تصل الحالات اليومية إلى أكثر من 100.000 حالة في اليوم، مما سيضرب الاقتصاد بشكل كبير، حتى لو لم تقم الولايات والحكومات المحلية بفرض إغلاقات عامة. وتحتاج البلاد بشكل ماس إلى نفقات فدرالية على الصحة ومساعدة العاطلين عن العمل والأعمال التي تضررت من الفيروس وتوفير المال إلى الولايات والحكومات المحلية التي لم تعد لها الأموال الكافية. وتقترح التقديرات أن هناك حاجة لإنفاق 200 مليار دولار في الشهر حتى يتم إنتاج لقاح يؤدي لنهاية الفيروس.
و”سأشعر بالصدمة لو وافق مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه ميتشل ماكونيل على ميزانية كهذه” كما يقول كروغمان. وحتى بعد تلاشي خطر فيروس كورونا فالولايات المتحدة ستعاني من ضعف اقتصادي وحاجة للاستثمار العام. ولكن ماكونيل منع الميزانيات التي خصصت للإنفاق على البنية التحتية حتى عندما كان دونالد ترامب في البيت الأبيض، فلماذا سيظهر ليونة مع بايدن في البيت الأبيض؟ ومشكلة النفقات ليست الوحيدة في السياسة. فالرئيس يمكنه للأحسن (أوباما) والأسوأ (ترامب) تجنب الكونغرس من خلال الأوامر الرئاسية. وعددت لجنة مهام خاصة في الصيف ما يمكن لترامب أن يحققه بدون العودة إلى الكونغرس. ولكن الكاتب يخشى من المحكمة العليا التي صارت تعبر عن رؤية المحافظين وشكلتها تصرفات ماكونيل التي خرقت الأعراف، بما في ذلك التعجل في تعيين القاضية إمي كوني باريت قبل الانتخابات. فستة من تسعة قضاة اختارهم مرة حزب حصل على تفويض شعبي خلال 8 دورات انتخابية.
ويعتقد الكاتب أن المحكمة العليا يمكن أن تتصرف كما تصرفت في الثلاثينات من القرن الماضي عندما ظلت تعرقل المصادقة على “الصفقة الجديدة” حتى هدد روزفلت بإضافة مقاعد جديدة، وهو أمر لن يكون بايدن قادرا على فعله في ظل سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ. ويرى الكاتب أن الانتخابات جنبت الولايات المتحدة الانزلاق في مستنقع الحكم الديكتاتوري. والرهانات عالية ليس بسبب ما يعبر عنه ترامب ولكن لأن الحزب الجمهوري متطرف جدا ومعاد للديمقراطية، ولأن النظام الانتخابي الأمريكي يعني أن الحزب الجمهوري سيواصل جهوده لإعاقة قدرة الرئيس المقبل على التعامل مع الوباء والاقتصاد والمشاكل البيئية التي تواجهها أمريكا. و”لو نظرنا إلى دولة أجنبية بمستوى العجز السياسي الأمريكي، فربما فكرنا أنها صارت على حافة التحول إلى دولة فاشلة، أي الدولة التي لم تعد الحكومة فيها قادرة على السيطرة الفعلية”. وربما قادت حملات انتخابات في جورجيا لسيطرة الديمقراطيين على مجلس الشيوخ، إلا في حالة وجد بايدن أعضاء جمهوريين من المجلس متعقلين. ومع فوزه في الانتخابات يظل الجمهوريون خطرا”.
القدس العربي