في حال فوز جو بايدن، قد تفسح نزعة دونالد ترامب التصادمية المجال لشكل أكثر انتقائية يركز على قضايا محددة مثل البيئة، ويهدف إلى حماية التصنيع الأميركي، ويستهدف المنافسين الجيوسياسيين الحقيقيين “لكن أيام التجارة الحرة قد ولت”.
هذا ما قاله الكاتب إدواردو كامبانيلا -الباحث بمركز إدارة التغيير بجامعة “آي إي” الإسبانية بمدريد- في مقال له في مجلة فورين بوليسي (Foreign Policy) الأميركية.
إن بايدن -يضيف الكاتب- سيحتاج إلى أغلبية قوية في الكونغرس لتنفيذ الأجندة المالية والبيئية الطموحة لإعادة بناء أميركا، لكن السيطرة على مجلس النواب لن تكون كافية. وبالتالي، فإن بايدن، الذي يحد من قدرته على متابعة أجندته الأوسع، سيحاول على الأقل حماية الطبقة الوسطى الأميركية من الاضطرابات الاقتصادية العالمية من خلال السياسة التجارية.
باختصار، سواء انتصر بايدن أو الرئيس ترامب في النهاية، فإن الحمائية موجودة لتبقى، كما يقول الكاتب.
تطبيع جزئي بالعلاقات التجارية
قال كامبانيلا إن 4 سنوات في السلطة سمحت لترامب بهندسة التحول الأكثر مفاجأة في السياسة التجارية الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية، مما يشير إلى خروجها من نظام التجارة القائم على القواعد التي أنشأتها واشنطن على مدى العقود السبعة الماضية،
وأضاف أن رئاسة بايدن ستؤدي إلى تطبيع جزئي في العلاقات التجارية، مما يشير إلى العودة لنهج أكثر تعددية وأقل تعاملا، ومن الحماقة أن نتوقع منه أن ينبذ إرث ترامب الحمائي.
فمنذ البداية، أوضح بايدن أن “الأمن الاقتصادي هو الأمن القومي” وفي هذا الإطار، كانت القضايا المحلية، وفي المقام الأول تجديد الطبقة الوسطى والشركات الأميركية الصغيرة، تتصدر جدول أعماله دائما، لا سيما وسط جائحة “كوفيد-19” المستمرة.
ومن المنطقي إذن أن تتسلل الحمائية إلى برنامج بايدن، إذ يخفي شعاره “صنع في أميركا” الأشكال المستترة من الحمائية التي تهدف إلى ترويج السلع والخدمات التي يتم إنتاجها محليا.
يصعب على بايدن إلغاء إرث ترامب
يقول الكاتب: حتى إلى جانب جهود مثل هذه، والتي من شأنها أن تعزز الحمائية فعليا، هناك حقيقة سياسية بسيطة مفادها أنه عند دخول البيت الأبيض، سيجد بايدن صعوبة في إلغاء إجراءات ترامب الحمائية أو إطلاق اتفاقيات تجارة حرة جديدة، ورغم أن بايدن ألقى باللوم على تعريفات ترامب في الإضرار بالاقتصاد الأميركي، إلا أنه سيتعين عليه إجراء عملية توازن معقدة لرفعها.
ويستمر الكاتب في القول إن هذا الأمر صحيح بشكل خاص عندما يتعلق الأمر بحماية ضد الصين تطالب بها النقابات العمالية، التي تريد وظائف محمية من المنافسة الصينية، ومن قبل المزارعين الذين يرغبون في استعادة الوصول إلى السوق الصينية المربحة.
وفي محاولة لبناء جبهة مشتركة ضد الصين، قد يرفع بايدن الرسوم الجمركية على الألمنيوم والصلب الذي تنتجه الشركات الأوروبية، وقد يبدو هذا بمثابة انتصار للتجارة الحرة، ولكن من المرجح أن يكون مثل هذا الامتياز مشروطا بالتزامات إنفاق الناتو، وإصلاح مشترك لمنظمة التجارة العالمية، والتطمينات المتعلقة بصفقات “5G” مع بكين.
حماية التصنيع الأميركي
أخيرا، حتى لو كانت الإرادة السياسية موجودة لصياغة اتفاقيات تجارية جديدة، فسوف يستغرق الأمر سنوات للقيام بذلك من خلال العمليات العادية رغم أن ترامب كان لديه عادة إعلانها فقط، يقول الكاتب.
ووفقا لمعهد بيترسون للاقتصاد الدولي، يستغرق التفاوض على اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة عاما ونصف العام، ثم أكثر من ثلاث سنوات ونصف سنة للوصول إلى مرحلة التنفيذ، لذلك يمكن أن تستغرق الاتفاقيات الأكثر تعقيدا والمتعددة الأطراف، مثل الشراكة عبر المحيط الهادي، التي انسحب منها ترامب، ما يقرب من عقد من الزمان.
المصدر : فورين بوليسي