ارتبط مصطلح الدولة الفاشلة منذ بداية استخدامه بالناحية السياسية بالدرجة الاولى وهو ما يعرفه الكثير من الدارسين والمهتمين في هذا المجال ،حيث يطلق المفهوم على الدولة العاجزة عن القيام بمهامها كدولة حقيقية .
يعود ظهور مصطلح الدول الفاشلة والذي استخدم للمرة الأولى في عهد الرئيس الاميركي بيل كلينتون، ونعت به الدول التي فشلت في القيام بوظائفها الأساسية، مما جعلها تشكل خطرا على الأمن والسلام العالميين، مثل أفغانستان في عهد طالبان.
اليوم اردت ان اسلط الضوء على الدولة الفاشلة اقتصاديا لكي نوضح للقارئ بأن الفشل الاقتصادي قد يكون اهم اسباب فشل الدول في الوقت الراهن متجاوزا ربما عامل الفشل السياسي والاجتماعي وغيرها من العوامل ..
كيف تكون الدولة فاشلة اقتصاديا
من المعروف في علم السياسة بأن العلاقة بين الحاكم والمحكوم هي عبارة عن وثيقة شراكة “عقد اجتماعي” تؤطر العلاقة من خلال بيان الحقوق والواجبات وبناء على تطبيق بنود هذا العقد تكون شكل العلاقة بين الطرفين .
يعترف العقد بأن على الدولة توفير متطلبات الحياة الاساسية للمواطن من مأكل ومشرب ومسكن وبطبيعة الحال توفير العمل وغيرها من الحقوق التي لا يستطيع الانسان العيش بدونها ، من جهة اخرى يكون للدولة على المواطن حق احترام القانون والحفاض على الامن وتطبيق اوامر الدولة لما فيه الصالح العام لذلك عندما تفشل الدولة في القيام بواجباتها ومسؤولياتها تجاه رعاياها يبدأ المواطنين يفقدون الثقة بهذه السلطة ويحتجون عليها و تكون بذلك قد بدأت تسير على طريق الانهيار والفشل.
لم تكن الثورات الشعبية في الوطن العربي او ما يطلق عليه البعض مصطلح “الربيع العربي” وما خلفه من صراعات وويلات الا نتاج وتراكم لممارسات الانظمة السياسية من التهميش والفقر والبطالة وسوء الخدمات ناهيك عن الظلم والفساد الذي اصبح سمة بارزة في مختلف مؤسسات هذه الدول فكانت النتيجة فادحة حيث تم علاج الفوضى بفوضى اكبر والخراب بالدمار.
لن نخوض كثيرا في الجانب النظري والتاريخي لمصطلح الدولة الفاشلة لكن ما يعنينا في هذا المقام هو التركيز على المعايير التي تصنف الدول على اساسها بأنها فاشلة اقتصاديا كما يلي :
• التدهور الاقتصادي الكبير في عناصر الاقتصاد الداخلي للدولة وتشمل ؛الدخل القومي، وسعر الصرف، والميزان التجاري، ومعدلات الاستثمار، وتقييم العملة الوطنية، ومعدل النمو، والتوزيع، والشفافية والفساد، والتزامات الدولة المالية..
• عدم القدرة على تقديم قدر معقول من الخدمات العامة للمواطنين موازاة مع تدهور الخدمات المتوفرة وعدم القدرة على التجديد.
• غياب الرقابة والمحاسبة الحقيقية التي تقوم على مبدأ الجميع تحت القانون.
• غياب التنمية الاقتصادية العادلة في التعليم والوظائف والدخل، ومستويات الفقر، وتزايد النزعات الإثنية لهذه الأسباب.
• تهميش فئة الشاب التي تعتبر جوهر العملية الاقتصادية بإمكانياتها وقدراتها التي لا تنضب .
• تفاوت كبير في الطبقات الاجتماعية لتنحصر في طبقتين احداهما فاحشة الثراء واخرى مسحوقة ،بالإضافة التي غياب الطبقة الوسطى التي تعتبر علامة التوزيع الجيد للثروة .
• غياب التوازن الفرص الاقتصادية ، لتحتكرها اقلية مميزة .
• ارتفاع اعداد المواطنين الذين يعيشون تحت خط الفقر
• تصبح الدولة فاشلة عندما يدب الضعف والتصدع في مؤسساتها الاقتصادية او اذرعها الانتاجية
• غياب القدرة على تطوير وسائل الانتاج والموارد الاقتصادية .
• الريعية ومحدودية الموارد الاقتصادية مثل النفط بالنسبة لكثير من الدول العربية.
• ازدهار الفساد على نطاق تدميري، كذلك الإسراف في مشروعات دون جدوى، على حساب التعليم والإمداد الطبي.
• تمركز الموارد بالدولة في مؤسسات محددة مثل البنك المركزي واهمال باقي المؤسسات في الدولة .
• تصبح الدولة عامل طرد للمشاريع التنموية القادرة على تحريك عجلة النمو الاقتصادي واستبدالها بمشاريع وهمية لينتفع بها قلة من اصحاب المناصب والسياسيين .
• والثراء على حساب الدولة، حيث تفشل عندما تفقد وظيفتها الأساسية، وتتقلص شرعيتها، وقد تنتقل من الفشل إلى الانهيار.
• اللجوء الى المساعدات الخارجية والقروض دون ان يكون هناك اي تطوير حقيقي ملموس وهو الامر الذي يرتب مديونية متصاعدة ترهق كاهل الموازنة العامة.
• عندما يصبح الاقتصاد عامل ضغط على الدولة ولي ذراعها من الدول الاخرى .
للمزيد حول تصنيف الدول لعام 2015 انظر الرابط التالي:
تتراوح المؤشرات على فشل الدولة بين العامل السياسي و الاقتصادي والاجتماعي وكل مؤشر منها يشكل سببا موجبا لفشل الدولة كذلك شرط التدهور والتدني الحاد في تقديم الخدمات الشيء الذي نلحظه بصورة بيِّنه في كثير من الدول، حيث الضعف في تقديم الخدمات، خاصة إن كانت أساسية ومهمة حيث لاتزال بعض الدول تسير على النمط التقليدي وهو منع بعض الخدمات عن المواطنين ليبقى شغل المواطن الشاغل هو الحصول على ادنى حقوقه لكي لا يتجاوز المطالب التي تراها الدولة فوق حاجته .
الشيء المؤسف ان عدد من الدول العربية اليوم اذا ما طبقنا عليها المعايير السابقة يمكن ان نطلق عليها دول فاشلة اقتصاديا او على الاقل في طريقها الى الفشل نتيجة السياسات المتخلفة والفساد وغيرها من العوامل .
ختاما يعتبر العامل الاقتصادي عامل امان واستقرار للدولة ، وقوة اقتصاد الدولة هو دليل على سلامة سياستها الداخلية وامتداداتها الخارجية، والاقتصاد اي دولة هو محرك ازدهارها وتطورها وضمان كسب احترام الدول الاخرى ،لكن من جهة اخرى ان انعدام الامان الاقتصادي وهو ما نراه في كثير من بلدان الوطن العربي هو قنبلة موقوته معرضة للانفجار في اي وقت اذا لم تتخذ الدول اجراءات تلبي حاجات مواطنيها وخصوصا الشباب والذي كما رأينا يقود الثورات والاحتجاجات في شتى اقطار الدنيا مطالبا بحقوقه ،وبالتالي تكون الدولة في هذه الحالة فاشلة اقتصاديا ومنهارة داخليا ومعزولة خارجيا .
عامر العمران
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية