قبل دونالد ترامب أم لم يقبل بنتيجة الانتخابات الرئاسية، سيؤدي جو بايدن القسم ويدخل البيت الأبيض في العشرين من كانون الثاني – يناير المقبل. ليس معروفا بعد هل سيغيّر بايدن الكثير في السياسة الأميركية، أو على الأصحّ إلى أيّ حد سيغيّر في هذه السياسة. الواضح، أقلّه إلى الآن، أنّ ليس ما يشير إلى أن الرجل من النوع الذي يقدم على انقلابات أو مغامرات عسكرية.
الثابت أنّ بايدن ليس رئيسا عاديا، نظرا إلى أنّ لديه تجربة سياسية طويلة عمرها نصف قرن كعضو في مجلس الشيوخ ونائب للرئيس طوال ثماني سنوات في عهد باراك أوباما. ليس سرّا أن أوباما ساعده كثيرا في تحقيق انتصاره على دونالد ترامب. ليس معروفا بعد إلى أيّ حد سيكون أوباما حاضرا في إدارة بايدن وهل سيكون حضوره في مجال السياسة الداخلية فقط… أم هل سيتمدّد هذا الحضور الأوبامي في اتجاه السياسة الخارجية التي اتسّمت بانحياز فاضح إلى إيران. يعود هذا الانحياز في جانب منه إلى نوع من السذاجة من منطلق أنّ الملفّ النووي الإيراني يختزل كل أزمات الشرق الأوسط والخليج. وهذا ليس صحيحا بأيّ شكل.
يعود الانحياز الأوبامي لإيران، في جانب منه، إلى تأثير اللوبي الإيراني في واشنطن. عرف هذا اللوبي كيف يقنع أوباما بأنّ إيران مختلفة وأن الإرهاب “سنّي” فقط ولا علاقة للميليشيات المذهبية المنتشرة في المنطقة بالإرهاب. على سبيل المثال وليس الحصر، اقتنع الرئيس الأميركي بين 2008 و2016، بأنّ لا علاقة للميليشيات التابعة لإيران في الحرب على الشعب السوري التي أدت إلى الآن إلى مقتل نحو نصف مليون سوري وتهجير الملايين من أبناء هذا الشعب والقضاء على مستقبل كلّ شخص يؤمن بأن للإنسان السوري الحقّ أيضا في التمتع بالحد الأدنى من الكرامة.
أكثر من ذلك، لعب أوباما دورا في تسهيل قمع الشعب الإيراني داخل “الجمهورية الإسلامية”. تخلّى عن الإيرانيين الذين انتفضوا في وجه تزوير الانتخابات في العام 2009. فعل ذلك كلّه استرضاء لإيران والوصول إلى اتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني صيف العام 2015. من أجل استرضاء إيران، سكت أوباما عن استخدام النظام السوري للسلاح الكيميائي في حربه على شعبه في آب – أغسطس من العام 2013. استجاب لخدعة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. بدل أن يوجّه ضربة قاصمة إلى النظام الذي استخدم السلاح الكيميائي في تعاطيه مع شعبه، وهو ما كان اعتبره الرئيس الأميركي “خطّا أحمر”، صار أوباما يرى فجأة كل الألوان باستثناء اللون الأحمر. لم يعد “الخط الأحمر” موجودا. لم يعد من خطّ سوى خطّ المفاوضات السرّية مع إيران من أجل الوصول إلى اتفاق في شأن الملفّ النووي، الذي لم يكن في يوم من الأيّام أكثر من عملية ابتزاز. عرف النظام الإيراني، معتمدا الدهاء، كيف يستخدم هذا الملفّ إلى أبعد حدود.
ما يطمئن بالنسبة إلى المستقبل، وجود وعي لدى المحيطين ببايدن بأن العودة إلى الاتفاق في شأن الملفّ النووي مع إيران يحتاج إلى شروط إضافية تتجاوز الملفّ بحدّ ذاته. من بين هذه الشروط برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية وسلوك إيران خارج حدودها، أي ما يسمّى المشروع التوسّعي الإيراني، أكان ذلك في العراق أو في سوريا أو في لبنان أو في اليمن.
ما يمكن اعتباره أهمّ من ذلك كلّه، أن دونالد ترامب استطاع من خلال وجوده في البيت الأبيض خلق وقائع على الأرض بعضها سلبي وبعضها الآخر إيجابي. ما يمكن اعتباره سلبيا الانحياز الكامل إلى اليمين الإسرائيلي وإلى بنيامين نتنياهو بالذات من جهة وتجاهل الجانب الفلسطيني من جهة أخرى، علما أن الجانب الفلسطيني لم يحسن تهيئة نفسه لمرحلة دونالد ترامب بأي شكل من الأشكال مظهرا عجزا كبيرا في التعاطي مع أي تغييرات في المنطقة. ما يؤكّد هذا العجز المثير للشفقة ردود فعله المضحكة على توقيع دولة الإمارات ومملكة البحرين اتفاقي سلام مع إسرائيل…
نقل ترامب السفارة الأميركية إلى القدس. الأكيد أن لا تراجع لإدارة جو بايدن عن هذه الخطوة. لكنّ إدارة ترامب كشفت أيضا أن إيران ليست سوى نمر من ورق وأنّ ليس في استطاعتها الردّ على تصفية الأميركيين لشخص في أهمّية قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري”.
فوق ذلك كلّه، هناك واقع جديد يتمثّل في أن الاقتصاد الإيراني تدهور إلى حدّ كبير بسبب العقوبات الأميركية التي ليس ما يشير إلى أن إدارة بايدن ستكون قادرة على إلغائها بسهولة… حتّى لو أرادت ذلك. لن يكون الكونغرس بمجلسيه أداة طيّعة لدى الإدارة الجديدة. لا تزال الأكثرية في مجلس الشيوخ جمهورية. وفي مجلس النوّاب تقلّص حجم الأكثرية الديمقراطية.
قبل مغادرته البيت الأبيض، يُستبعد إقدام دونالد ترامب على أيّ عمل عسكري في المنطقة. من الصعب عليه القيام بمغامرة من هذا النوع بما يخالف كلّ الأعراف المتبعة في الولايات المتحدة حيث الديمقراطية حقيقية. صحيح أن ترامب مستعد أحيانا لاتخاذ قرارات هوجاء، إلّا أن ليس في استطاعته الذهاب بعيدا في الخروج عن الأعراف الأميركية، بما في ذلك خوض حروب في الفترة الانتقالية التي تسبق خروج الرئيس، أيّ رئيس، من البيت الأبيض.
ستنصرف إدارة بايدن في الأشهر الأولى إلى الداخل الأميركي. لا يمكن الاستهانة بالأزمة الناجمة عن انتشار وباء كورونا (كوفيد – 19) وكلّ ما خلفته في الولايات الأميركية الخمسين. سيحاول الرئيس الأميركي الجديد أن يؤكّد أنّه مختلف عن سلفه وأنّه أكثر إنسانية منه، خصوصا في تعاطيه مع المواطنين الأميركيين. سيكون عليه الاهتمام بالصين وطموحاتها وبروسيا واندفاعها وبإعادة مدّ الجسور مع أوروبا.
هل سيكون لدى بايدن الوقت الكافي لتنفيذ انقلاب في ما يخصّ إيران والشرق الأوسط والخليج. الجواب بكلّ بساطة إنّه سيكون هناك تغيير، لكنّه لن يكون هناك انقلاب. جو بايدن، في نهاية المطاف رجل عاقل وهادئ. يعرف، بسبب تقدّمه في السنّ، أنّه لن يمضي سوى ولاية واحدة في البيت الأبيض، يجعله ذلك في موقع المعادي لأيّ نوع من المغامرات أو الانقلابات وتصفية الحسابات… حتّى لو وجد باراك أوباما طريقة ليكون لديه نفوذه في الإدارة الجديدة.
العرب