باسيل يتخبط لفك حصار يضيق عليه في الداخل قبل الخارج

باسيل يتخبط لفك حصار يضيق عليه في الداخل قبل الخارج

حالة ارتباك شديدة يعاني منها رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، مع توالد الأزمات الناتجة عن قرار الولايات المتحدة بفرض عقوبات عليه، وآخرها حالة التململ التي بدأت تطل برأسها داخل حزبه في ظل مخاوف من انهيار كل ما تحقق سياسيا في السنوات الماضية.

بيروت – يحاول رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الظهور في ثوب الواثق غير المهتز بعد العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة عليه، ردود فعله تخذله، والأجواء المشحونة داخل حزبه تكشف مدى الضرر.

تتحدث دوائر سياسية عن محاولات لباسيل تجري خلف الكواليس لتخفيف الغضب الأميركي، وحصر الضرر عند هذا المستوى في ظل مخاوف من إمكانية فرض عقوبات شديدة أخرى، وهو ما سبق أن لمحت إليه السفيرة الأميركية لدى بيروت دوروثي شيا.

بالتوازي مع ذلك لا يكف وزير الخارجية السابق عن الترديد في العلن رفضه الضغوط المستمرة لفك الارتباط بحليفه حزب الله، لدافع بسيط وهو كونه لا يريد أن تحترق جميع أوراقه ويجد نفسه خارج المعادلة اللبنانية تماما، مع وجود العديد من المتربصين وبينهم من هو داخل التيار الذي يتزعمه.

تقول الدوائر إن حالة ارتباك شديدة يعاني منها باسيل، فهو يشعر بأنه محاصر في الداخل كما في الخارج ومن الحلفاء كما الخصوم، وتلفت إلى أن اختياره لقناة سعودية، في أول حديث مباشر مع وسيلة إعلامية بعد العقوبات لا يخلو من دلالات فهو يريد فتح كوة في الأبواب العربية الموصدة أمامه علها تساعده، فيما سبق وأن خذلها هو مرارا من خلال مواقفه حينما كان وزيرا للخارجية.

حالة الضياع التي يعانيها باسيل تتعمق، فمع بدء نشر القناة جوانب من حديثه، وبعد رصد ردود فعل غاضبة في الداخل اللبناني سارع إلى اتهام القناة بتحريف أقواله.

ونشر مقتطفات من المقابلة على موقع على تويتر في مسعى لتدارك بعض الزلات مشيرا من خلالها إلى الجوانب التي كان يرمي التركيز عليها، لاسيما موقفه من حزب الله الذي لا يكاد يختلف في نظره عن موقف تيار المستقبل سعد الحريري الذي يعتبر أن قضية الحزب عابرة لجغرافيا لبنان، غامزا إلى وجود تحامل كبير عليه.

ومن المقتطفات التي أعاد رئيس التيار الوطني الحر عرضها حديثه عن أن فك التحالف مع حزب الله لا يكون بإرادة خارجية، قائلا إن “التاريخ علمنا أن عزل أي طائفة يؤدي إلى انفجار وهنا نتحدث عن مكون بكامله وليس فقط حزب الله”.

حاول باسيل من خلال ذلك التسويق إلى أن التمسك بحزب الله يأتي من منطلق رفض استهداف طائفة بأكلمها وكأنه يريد أن يختزل الطائفة الشيعية بأكملها في حزب الله.

وأضاف “على افتراض أننا نريد فك التحالف، نخبر صاحب العلاقة ونبحث معه قبل ذلك معالجة الموضوع وعندما نيأس من ذلك نقوم بالأمر… أما ما هو معتاد لدى البعض من خيانة وغدر ومس بثوابت وطنية خدمة لأغراض لا نعرفها فهذا غير مقبول عندنا”.

واستطرد “نحن كتيار، وأنا كوزير خارجية، لم نوافق على كل تدخلات حزب الله في الخارج”، متسائلا لماذا مسموح للحريري أن يقول إن سلاح حزب الله مسألة إقليمية تحل في هذا الإطار بينما لا يسمح لنا ذلك؟ نحن لا نريد إلا الدولة وهذا ما بدأه العماد ميشال عام 1988 وأيده الناس والتيار ليس في محور إلا المحور اللبناني ونحن على علاقة طيبة مع الجميع”.

وحملت تصريحات باسيل أكثر من رسالة فهو لم يغلق الباب نهائيا أمام إمكانية فك الارتباط مع حزب الله، ولكنه غلف ذلك بأسلوب دبلوماسي موارب.

وقال باسيل “لا نؤيد تدخل أي دولة بشؤون أي دولة عربية ولا نؤيد أي تدخل لبناني في الخارج فنحن نعاني من التدخلات الخارجية بشؤوننا وأرخص شيء هو العقوبات إذا كان السبب رفض التوطين والمطالبة بعودة النازحين.. أقول للأميركي بصوت عال: أعطني ما يحفظ أمن لبنان واستقراره وقوته وعدم الاعتداء عليه فأذهب ’على رأس السطح وليس عالسكت‘ وأقول لحزب الله بالمباشر معه ثم أخبر اللبنانيين أن ثمن قطع العلاقة هذا ما يأتي به للبنان.. التزام أميركي ودولي بتقوية لبنان وإعادة أرضه وإعادة النازحين وأن يصبح لدينا دولة قادرة بالتوازن العسكري الاستراتيجي أن تواجه فهذا أمر أضعه على طاولة التفاوض مع حزب الله والداخل اللبناني… وأي برنامج فعلي وليس فقط وعود هو أمر يطرح”.

وتابع “عن قول السفيرة الأميركية أن النائب باسيل وعد بفك التحالف مع حزب الله بشروط: محاولة فاشلة لدق إسفين… وإذا أردنا فك التحالف نفعل ذلك بإرادتنا ووفق المصلحة اللبنانية وليس بإرادة خارجية تكون نتيجتها العبث بالسلم الأهلي.. بما يعنينا على الأرض اللبنانية وعند الجار السوري، قمنا بمعركة كلبنانيين عندما لم يقم الجيش باللازم بقرار سياسي كان مقصرا وقتها… وعندما اتخذ القرار السياسي على عهد العماد عون حرر الجيش الأرض وهزمنا الإرهابيين”.

وكانت السفيرة الأميركية تحدثت في معرض تعليقها على فرض عقوبات على باسيل وردود فعله، بأن الأخير كان مستعدا للسير قدما في خيار فك الارتباط، خلال اللقاءات التي جمعته معها. وشكلت تصريحات دوروثي شيا إحراجا إضافيا لرئيس التيار الوطني الحر.

وقال باسيل “أنا محتاط لاحتمال نشر محاضر اللقاءات وبيني وبين الأميركيين وكلما كنت أتكلم كنت أفكر بويكيليكس وأي مسار نقوم به كتيار ينطلق من استقلاليتنا.. أتمنى الذهاب بموضوع الاتهامات للآخر وكشف كل شيء وأنا أترك الحياة السياسية إذا ثبتت عليّ أي تهمة فساد ودولة كبيرة مثل أميركا التي تمسك بكل حوالة مال في العالم ألا تستطيع أن تكشف كل شيء؟ علما أني أول من كشف حساباته للرأي العام اللبناني..”.

ويرى مراقبون أن تصريحات باسيل كانت لتبرير دوافع حرصه على العلاقة مع حزب الله للرأي العام العربي وأيضا لأصحاب القرار كما أنها لا تخلو من محاولة لشد عصب اللبنانيين إليه، ولاسيما أعضاء التيار الوطني الحر وقواعده، مع بروز تململ داخل التيار من تبعات القرار الأميركي على وضعهم على الساحة في لبنان.

ولطالما كانت هناك تحفظات داخلية على سياسات باسيل وتحكمه بكل صغيرة وكبيرة، وهناك العديد من الأعضاء يرون بأن حزبهم تم اختزاله في شخص باسيل، وأن استمرار الأخير على رأس التيار الوطني الحر سيؤدي إلى المزيد من الخسائر السياسية، وفقدان كامل ما تحقق على مدار السنوات الماضية.

ومن المرجح أن تكبر كرة الغضب أكثر داخل التيار الوطني الحر، وهذا أكثر ما يخيف باسيل الذي يحاول الظهور في ثوب المسيطر، على مجريات الأمور معولا على المكانة التي يحظى بها لدى الرئيس ميشال عون.

وأعلنت الخزانة الأميركية قبل أيام فرض عقوبات على باسيل، بسبب تورطه في قضايا فساد، واستغلال علاقته بحزب الله لتعزيز نفوذه السياسي. وفي تعقيب على تلك العقوبات قالت السفيرة الأميركية دوروثي شيا إن القرار جاء وفق قانون “ماغنيتسكي”، لافتة إلى أنه بالإمكان فرض المزيد من العقوبات على باسيل ضمن أطر قانونية أخرى.

وصدر قانون “ماغنيتسكي” في عام 2012، وكان يستهدف في البداية موسكو، حيث فرضت واشنطن بموجبه عقوبات على مسؤولين روس متهمين بدور لهم في وفاة المحامي سيرجي ماغنيتسكي في أحد السجون الروسية.

وعلى مدار السنوات الأخيرة جرى توسيع رقعة تطبيق قانون “ماغنيتسكي”، لتشمل مسؤولين عن انتهاكات لحقوق الإنسان وقضايا فساد، على غرار ما صدر بحق باسيل.

العرب