مرّت العلاقة السعودية الأميركية خلال سبعة عقود في مراحل عدّة. بلغت مستوى الأزمة خلال حظر النفط في حرب تشرين 1973، وبلغت أعمق مستويات التعاون خلال بعض محطات الحرب الباردة. لم يشمل التعاون فضاء العالم العربي والإسلامي فقط، بل لعبت السعودية أدوارًا استراتيجية مهمّة في قارات أخرى أيضًا.
لكن في الأزمات الكبرى والتعاون العميق، بقيت العلاقة مستقرة ضمن دائرة دولية واحدة. بقي التباين مضبوطًا واستقلالية الفريقين محترمة. وجدت المملكة شركاء اقتصاديين جددًا في دول مثل الصين، أو متّحدات كبرى مثل أوروبا، لكنّ «العلاقة الفضلى» بالنسبة إلى الفريقين، لم تتأثّر على نحو تغييري.
غير أن متغيرات الشرق الأوسط في المرحلة الأخيرة أدخلت هذه العلاقة تلقائيًا في مربع التجربة والتحدّي. لم يكن الاتفاق النووي مع إيران، في حد ذاته، هو المسألة، بل المسألة الكبرى هي ذلك التوازي الخطر بين انكفاءات واشنطن واندفاعات طهران في الخريطة العربية برمَّتها. امتد قوس النفوذ الإيراني السياسي والعسكري ليشمل اليمن، محاصرًا المملكة من البحرين واليمن معًا. وخاضت إيران حربًا معلنة في سوريا ضمن تحالف مع الروس، فيما بقيت أميركا ساكنة. وتشلّ إيران الوضع السياسي في لبنان، دون أي اعتبار لرغبة الرياض في إنهاء أزمته الرئاسية ومعضلاته الأخرى.
فوق ذلك كله أراد الملك سلمان أن يثير مع الرئيس الأميركي موضوع إهمال الحل الفلسطيني الذي بدأه في الأيام الأولى من ولايته الأولى، ثم تجاهله. لا تريد الرياض أن ترسم لأميركا سياستها الخارجية، لكنها لا تقبل أن تشكّل هذه السياسة خطرًا استراتيجيًا عليها وعلى شركائها في الخليج.
لم تتخذ الرياض قرارها بالتصدّي إلا بعدما بدا وضع الشرق الأوسط برمّته مهددًا. ولا يقود الملك سلمان حربًا عسكرية فقط دفاعًا عن الفضاء العربي، بل حرب دبلوماسية أيضًا. لم تكن الحرب العسكرية خيارًا سعوديًا إلا عندما ينقلها الآخرون إلى دارها.
لا تستطيع الرياض البقاء في منأى عن شرق أوسط تحوّل إلى مدافن بحرية وبرية، فيما لا تزال الدول الكبرى تناقش فيما بينها العروض والمناقصات. القضايا عاجلة هنا. وهي بالنسبة إلى الملك سلمان بن عبد العزيز قضايا إنسانية بشرية قومية، وليست قضايا سياسية باردة تستطيع الانتظار.
سمير عطا الله
صحيفة الشرق الأوسط اللندنية