في عام 2011 اندلعت الثورة الشعبية في اليمن ضد علي عبد الله صالح الموجود في السلطة منذ عام 1978، فاضطر عندئذ لمغادرتها في بداية عام 2012، لمصلحة نائبه عبد ربه منصور هادي، بموجب اتفاق رعته مبادرة خليجية. وبعدها حصل هذا الأخير على نسبة 99.8 في المائة من الأصوات في انتخابات كان فيها المرشح الوحيد والمدعوم من مجلس التعاون الخليجي. ثم شكل حكومة وحدة وطنية قبل أن يطلق في عام 2013 حواراً وطنياً بهدف صياغة دستور جديد والتحضير لانتخابات في عام 2014. وقد سيطرت على هذا الحوار فكرة إقامة دولة فيدرالية بغية إرضاء سكان الجنوب ذوي النزعة الانفصالية.
وبسبب تفاقم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية وسعي الحوثيين للهيمنة في المعادلة الجديدة فاجأ هؤلاء الجميع بالزحف على العاصمة صنعاء واحتلالها،في سبتمبر/أيلول 2014، من دون مقاومة تذكر. وقد اضطر الرئيس عبد ربه للتعاون معهم في البداية قبل أن تسنح له، في 21 فبراير/شباط الماضي، فرصة الخروج من صنعاء حيث كان في الإقامة الجبرية، وذلك إلى عدن، والتي سارع الحوثيون، المدعومون من قوات الرئيس المخلوع صالح إلى محاصرتها، الأمر الذي دفع عبد ربه إلى مغادرتها في مارس/آذار، إلى الرياض.
في هذه الظروف، ودرءاً لمخاطر قضاء الحوثيين، وحليفهم، على الشرعية، وهيمنتهم على مقدرات الشعب اليمني، قامت الرياض بتشكيل تحالف إقليمي ضم عشر دول أطلق عملية «عاصفة الحزم» في 26 مارس/آذار الماضي عبر قصف جوي مركز ومستمر لمواقع الحوثيين وقوات صالح.
والمعروف أن هذا الأخير تعاون مع الحوثيين، الذين سبق وحاربهم طوال عقود طوال، سعياً منه للانتقام ممن قاموا بخلعه من السلطة وأملاً بالعودة إلى الحكم ظافراً منصوراً. وكان صالح قد احتفظ بمليارات الدولارات وبنفوذ واسع داخل الجيش الذين يحتل الضباط المقربون منه المناصب الرفيعة فيه.
من جهته ينتشر تنظيم «القاعدة» الإرهابي بطريقة علنية في اليمن ويحارب الجميع بمن فيهم المقاومة الشعبية في وجه الحوثيين، وكذلك يحارب القوات الموالية لهادي في الجيش وقوات الأمن. لكن إذا كان «القاعدة» و«داعش» تنظيمين إرهابيين مكشوفين يحاربهما العالم، فإن حزب الإصلاح «الإخوان المسلمون» يشكل بدوره خطراً لا يقل خطورة عن التنظيمين المذكورين على مستقبل اليمن. فهو حزب يمني لطالما شكل جزءاً أساسياً من المعارضة قبل أن تسهم الظروف الأخيرة في تقوية عوده. وبالتالي فإنه قد يجد سبيلاً إلى السلطة عبر انتخابات تشريعية أو رئاسية مقبلة، كما حدث مع الإخوان المسلمين في مصر وحزب النهضة في تونس. وبالتالي فإنه يهدد اليمن بسيناريو على الطريقة المصرية أو التونسية.
منذ أسابيع بدأ ميزان القوى العسكري على الأرض، ينقلب لمصلحة القوات الداعمة لهادي، والتي تمكنت من تحرير عدن ثم الجنوب بكامله، قبل أن تنطلق لتحرير كامل اليمن في انتظار معركة صنعاء المفصلية، والتي باتت وشيكة. وقد وصف علي عبد الله صالح الهزائم في الجنوب وإب بأنها كارثة وحمّل الحوثيين مسؤوليتها وتوعد بأنه سيقود معركة صنعاء بنفسه، لأنه غاضب «من غباء الحوثيين الذين تسببوا بكارثة على المؤتمر قبل أن تكون عليهم»، على ما صرّح. وتتردد أنباء عن أن قيادات عسكرية كبيرة كانت مقربة من صالح بدأت بالتخلي عنه عقب الهزائم المتلاحقة. وكل الدلائل تشير إلى أن الحرب سيتم حسمها في وقت قريب لمصلحة الرئيس هادي. ولكن ماذا بعدها؟ ما المستقبل الذي ينتظر اليمن؟
لقد انعقد أكثر من مؤتمر للفرقاء السياسيين اليمنيين، من دون التوصل إلى حل سياسي يترجم على الأرض حيث الوضع الإنساني أكثر من مأساوي، كما تبدو الأمم المتحدة حتى الآن غير قادرة على فرض تطبيق قرارها الرقم ٢٢١٦ الصادر عن مجلس الأمن تحت الفصل السابع، فأخفقت بذلك عن رفع معاناة الشعب اليمني وإعادة الهيبة للدولة المنهارة. لذلك يبدو أن الحسم العسكري هو الذي سيفتح باب الحل السلمي، لكن أي حل؟
إن الخوف كل الخوف من أن يتقاتل المنتصرون في ما بينهم بين مؤيد لهذا الحل أو ذاك ومناهض له، ما يتيح للتنظيمات الإرهابية وحزب الإصلاح التسلل واغتنام الفرصة لبسط سيطرتهم. وكما حدث في سوريا قد يحدث في اليمن، فالمعارضة المعتدلة ما تكاد تسيطر على منطقة بعد معارك طاحنة مع النظام حتى تسقط هذه المنطقة في أيدي الإسلاميين المتطرفين. هذا بالإضافة إلى أن التنظيمات المتطرفة قد تخوض حرباً في ما بينها للسيطرة على المناطق اليمنية، وقد تتفق معاً ضد العدو المشترك الذي يسعى لبناء دولة عصرية مدنية. فمن المؤكد أن الإسلاميين لا يقاتلون الحوثيين دفاعاً عن الرئيس هادي أو الشرعية أو الدولة اليمنية، ولن يطول الأمر قبل أن يرفعوا السلاح في وجه بناء دولة مستقلة لا تتفق ومشروعهم الخاص. فالإخوان المسلمون يسعون إلى تعويض فشلهم في تونس ومصر عبر السيطرة على اليمن.
تحديات خطيرة تواجه «إعادة الأمل» بعدما أكد حقيقة أن اليمن جزء من الأمن القومي العربي بعيداً عن النفوذ الإيراني، ما يحتم استخدام كل الموارد المتاحة كي يعود موحداً سالماً في دولة تحتضن كل أبنائها كمواطنين بمعزل عن انتماءاتهم المذهبية والحزبية والجهوية والعشائرية.
د.غسان العزي
صحيفة الخليج