لم يكد جثمان كبير العلماء الإيرانيين النوويين محسن فخري زاده -الذي اغتيل الجمعة الماضية- يوارى الثرى حتى منيت إيران بخسارة أخرى تمثلت في اغتيال القائد في الحرس الثوري الإيراني مسلم شهدان على الحدود العراقية السورية فجر الاثنين الماضي.
خسائر إيران التي تتوالى مع قرب نهاية ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تجعل من تصعيد الضغط الأميركي عليها غير مسبوق، في مشهد يفسره الكثيرون على أنه محاولة أميركية إسرائيلية لاستدراج إيران للرد وبالتالي استهدافها بضربة عسكرية كبيرة.
وكان فخري زاده الملقب بأبي البرنامج النووي الإيراني، قد اغتيل في عملية لا تزال بعض تفاصيلها مجهولة، في الوقت الذي أكدت فيه مصادر استخباراتية عراقية مقتل مسلم شهدان على الحدود العراقية السورية، دون تحديد طريقة الاستهداف فيما إذا كانت بغارة جوية أم بعملية اغتيال من نوع آخر.
ويخشى العراقيون أن يكون رد الفعل الإيراني على الأراضي العراقية، خاصة وأن العراق يعد الخاصرة الأمنية الأضعف في الشرق الأوسط، مما قد يفتح الباب على مواجهة يكون العراقيون الضحية فيها.
تصعيد خطير
وتعقيبا على الأحداث، دان وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين اغتيال العالم النووي الإيراني، وأكد المتحدث باسم الخارجية العراقية أحمد الصحاف أن الإدانة العراقية جاءت خلال اتصال هاتفي لوزير الخارجية العراقية مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف.
وأعرب حسين عن تعازيه ومواساته لإيران في اغتيال كبير علمائها، معتبرا أن مثل هذه الأحداث تسهم في عدم استقرار منطقة الشرق الأوسط.
من جانبه، علق عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية كاطع الركابي على اغتيال فخري زاده، مشيرا إلى أن الاغتيال يشكل انتهاكا صارخا للقانون الدولي.
وأكد الركابي في حديثه لإحدى وسائل الإعلام المحلية أن تداعيات هذا الملف ستكون خطيرة على المنطقة بتصاعد حدة التوترات، وأن إيران لن تسكت إذا ثبت تورط جهة ما، مبينا أن الرد الإيراني من عدمه شأن داخلي ولا علاقة للعراق بذلك، بحسبه.
أما منقذ داغر رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مؤسسة غالوب الأميركية للأبحاث، فيرى أن إيران في موقف حرج جدا ولا تستطيع الرد على الاغتيال حتى لو أرادت ذلك.واعتبر داغر أن التوقيت ليس في مصلحة إيران، خاصة وأن توقيت اغتيال العالم النووي والقائد في الحرس الثوري مدروس بعناية فائقة لتجنب أي رد فعل إيراني، لافتا إلى أن خيارات طهران محدودة جدا على اعتبار أن اغتيال زاده كان داخل الأراضي الإيرانية.
وعن إمكانية رد إيران في العراق أو في دول الخليج، استبعد داغر ذلك خاصة في الوقت الحالي، مشيرا إلى أن من شأن ذلك أن يعقد من موقف طهران دوليا، فضلا عن تسببه في تعقيد موقفها أمام الإدارة الأميركية المقبلة برئاسة جو بايدن.
واعتبر أن أي رد فعل عسكري إيراني قد يعطي مبررا لترامب لشن حملة عسكرية عنيفة، مضيفا أن أي رد إيراني خارج حدودها سيشكل خرقا للقانون الدولي، وبالتالي فالرد الإيراني قد يكون محدودا وإعلاميا، مستدلا برد إيران السابق على اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني.
الرد الإيراني
وتعقيبا على الاغتيالين، يحلل الخبير الأمني والإستراتيجي معن الجبوري احتمال الرد الإيراني في العراق ليؤكد أن اغتيال فخري زاده كان بعملية استخبارية معقدة، فضلا عن أن اغتيال القائد في الحرس الثوري يدخل ضمن سلسلة طويلة من الاستهدافات التي امتدت إلى كثير من القادة خلال الفترة السابقة.
الجبوري وفي حديثه للجزيرة نت، يرى أن إيران لا تمتلك أدوات الرد القوي في الوقت الحالي، خاصة وأنها لا تود الدخول في مواجهة مع الولايات المتحدة وإسرائيل مع علمها أن الشعب الإيراني بات يدرك أن بلاده مخترقة إلى حد كبير.
واعتبر الجبوري أن رد الفعل الإيراني وإطلاقها التهديدات اللامتناهية ما هما إلا محاولة عما وصفه بـ”التنفيس عن غضبها”، دون استبعاد أن يكون الرد المحدود عبر استخدامها أذرعها العسكرية في استهداف المصالح الأميركية في العراق، دون أن يؤدي ذلك إلى حرب شاملة، خاصة بعد تهديدات ترامب برد ساحق على سقوط أي أميركي في العراق.
أغوان استبعد أي رد إيراني حتى لا تضيع فرصة مقبلة للتقارب مع تولي جو بايدن السلطة قريبا (الجزيرة نت)
تولي بايدن
أما أستاذ العلاقات الدولية في جامعة “بيان” علي أغوان فيعتقد من جانبه أن إيران لا تريد إضاعة فرصة التقارب المتوقعة مع الولايات المتحدة في عهد الرئيس المقبل جو بايدن، وبالتالي تتلقى الصدمات والضربات دون أن تحرك ساكنا تجاه هذه الاستفزازات بانتظار العشرين من الشهر القادم عندما يغادر ترامب البيت الأبيض.
ويضيف أغوان للجزيرة نت أن كل ما تقوم به الولايات المتحدة لا يخرج عن كونه استنزافا للقدرات الإيرانية في العراق وسوريا، أو استهدافا للداخل الإيراني دون أن يكون لديها القدرة على الرد لحفظ ماء وجهها على أقل تقدير، بحسبه.
ويذهب في هذا المنحى الباحث في الشأن السياسي العراقي غانم العابد الذي يشير إلى أن اغتيال كلا من فخري زاده والقائد في الحرس الثوري لا يعد بأهمية قاسم سليماني الذي قتل بضربة جوية قرب مطار بغداد الدولي في يناير/كانون الثاني الماضي.
ويعلق العابد في حديثه للجزيرة نت بأن الرد على اغتيال سليماني كان خجولا جدا، رغم أن الظروف التي كانت تعيشها إيران وقتئذ أفضل مما هي عليه الآن، مستبعدا أن تكون هناك أي مواجهة أميركية إيرانية في العراق أو في الخليج.
ويعزو العابد ذلك إلى إدراك إيران أن الحرب القادمة قد تندفع إلى الداخل الإيراني، مضيفا أنه يمكن لطهران استخدام وكلائها في العراق أو لبنان أو اليمن، وأن المضايقات الإيرانية في العراق قد تكون ضد المصالح الأميركية في نطاق محدود.
توترات متصاعدة
ويرى العابد أن الفصائل العراقية المسلحة الموالية لإيران لن تقدم على أي فعل يقوض عمل الشركات النفطية الأميركية في العراق على غرار ما حصل من استهداف منشأة أرامكو السعودية العام الماضي.
وعلل ذلك بأن إيران تتنفس اقتصاديا من خلال النفط والاقتصاد العراقيين، وبالتالي فالخطوات الإيرانية قد تكون باتجاه التضييق على المصالح الأميركية السياسية في العراق لعرقلة نفوذها في البلاد.
وتمضي التحذيرات من أن الصراع الأميركي الإيراني في العراق مقبل على مرحلة جديدة خطرة، وهو ما حذر منه السفير الإسباني لدى العراق خوسيه إسكوبار بأن الأسابيع الستة أو السبعة القادمة سوف تشهد الكثير من الأحداث المعقدة بخصوص الصراع الأميركي الإيراني في العراق، داعيا إيران إلى التحلي بـ”الصبر الإستراتيجي”.
ورغم محاولات الجزيرة نت الحصول على تعليق من مسؤولي الوكالات الأمنية العراقية والحشد الشعبي، فإنهم فضلوا عدم الإدلاء بأي تصريح في هذا الجانب.
المصدر : الجزيرة