باكو – سعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لاستثمار الدعم الذي قدمته بلاده إلى أذربيجان خلال معارك إقليم ناغورني قره باغ الأخيرة من أجل خلق واقع جديد في المنطقة يفتح الطريق أمام تعاظم الدور التركي في القوقاز وآسيا الوسطى، في ما يمكن وصفه بطريق الحرير التركي المعاكس الذي ينطلق من المنطقة الثرية بالنفط والغاز باتجاه الصين وليس من الصين نحو أوروبا مرورا بتركيا.
وأكد الرئيس التركي، الخميس، خلال زيارة رسمية إلى العاصمة الأذرية باكو، أن “كفاح” حليفته أذربيجان ضد أرمينيا لم ينته بعد انتصارها في النزاع على ناغورني قره باغ، مشددا على أن حرية الإقليم “ستكون بداية عهد جديد” في المنطقة.
وكان انتصار أذربيجان على الانفصاليين الأرمن في ناغورني قره باغ الشهر الماضي بمثابة ضربة جيوسياسية مهمة رسخ من خلالها أردوغان دور تركيا القيادي في منطقة القوقاز.
ومنذ البداية، كان واضحا أن تركيا قد نزلت بكل ثقلها لدعم أذربيجان في المعارك، خاصة بالاعتماد المكثف على المسيرات التركية، وأن الهدف كان تحقيق نصر عسكري يفتح الباب أمام إستراتيجية أردوغان في جذب الجمهوريات الإسلامية، التي كانت تنضوي تحت مظلة الاتحاد السوفييتي السابق، إلى المظلة التركية، والاستعداد لتوفير الحماية.
ولم يكن حلم التمدد التركي باتجاه هذه المناطق جديدا. ومن الواضح أن أردوغان يسعى إلى إنهاء ما فشل فيه الرئيس التركي السابق تركوت أوزال حين سعى إلى ملء الفراغ الذي تركه تفكك الاتحاد السوفييتي وبناء تحالف بين الدول التي تنحدر من أصول تركية. لكن قمة 1992 التي احتضنتها أنقرة، ووعود أوزال خلالها، لم تقنعا الجمهوريات الإسلامية المستقلة حديثا بدخول مظلة جديدة تظهر من البداية جشع تركيا للسيطرة على النفط والغاز وتوفير حماية مكلفة.
لكن علاقة تركيا مع أذربيجان كانت في وضع أفضل بسبب حاجة الأخيرة إلى الدعم التركي في الحرب الهادفة إلى استرجاع ناغورني قره باغ. وبدأ التحالف بين باكو وأنقرة الذي يوصف بشعار “أمة واحدة، دولتان”، يتوسّع بمرور الوقت.
وسمح التعاون السياسي والاقتصادي والعسكري بين البلدين لتركيا بمساعدة أذربيجان في تدريب وتجهيز جيشها وتسهيل صادرات المحروقات إلى أوروبا بالالتفاف على روسيا.
ويقول محللون إن تركيا تحاول أن توظف التاريخ المشترك مع هذه الدول الغنية من أجل فتح الطريق أمام الشركات التركية للتسلل إلى هذه الدول، لكن الأهم هو السيطرة على قنوات وخطوط نقل الغاز إلى أوروبا لتصبح تركيا نقطة ربط رئيسية يمر عبرها الغاز الروسي، وكذلك غاز الجمهوريات الإسلامية.
ومن شأن هذه الوضعية الهامة أن تمكن تركيا من أوراق قوة، في العلاقة مع روسيا، وخاصة مع أوروبا التي رفضت قبول عضوية الأتراك في الاتحاد الأوروبي، وفي طريقها، الآن، إلى قصقصة أجنحة أنقرة بسبب تحركاتها المثيرة للمشاكل شرق المتوسط والتنقيب بالقوة في مناطق غير تابعة لها.
وليس خافيا أن إستراتيجية أردوغان في الاتجاه شرقا هدفها البحث عن بدائل لعضوية الاتحاد الأوروبي، والاحتماء بالتحالف الاقتصادي الجديد من العقوبات الأوروبية والأميركية، والمقاطعة الخليجية. لكن ليس من الواضح حجم تفاعل الجمهوريات الناشئة مع الخطط التركية، وما إذا كانت ستوفر لأردوغان طوق نجاة يقدر من خلاله على مواجهة نتائج صراعاته وحروبه التي أثرت بشكل لافت على الاقتصاد التركي.
ويعمل الإعلام التركي على تغذية الرابطة القومية بين تركيا وهذه الدول، وإظهار أردوغان كما لو كان بطلا قوميا موحدا لحكومات هذه المنطقة وقادتها وشعوبها، وأنه رهن إشارة أي دولة للتدخل وحمايتها من أي تهديد خارجي.
ويجري الترويج لهذه الرابطة عبر اختراق تركي واسع لهذه الدول وحملات إعلامية وثقافية ودينية ومساعدات بعناوين خيرية يقوم بها جهاز “تيكا” أو وقف الديانة، اللذان يلعبان دور رأس الحربة في التمدد التركي الناعم في المنطقة وفي مناطق أخرى، وخاصة أفريقيا.
وحظي الاحتفال الرسمي بـ”تحرير” إقليم ناغورني قره باغ باهتمام رسمي إعلامي تركي.
وقال أردوعان، خلال استعراض عسكري ضم آليات عسكرية وأسلحة صودرت من أرمينيا، “نحن هنا اليوم … لنحتفل بهذا الانتصار المجيد”.
وشاركت في العرض طائرات مسيرة تركية. وخلال نقل العرض، أعلن التلفزيون التركي أن الطائرات المسيرة التركية “قلبت مسار” حرب قره باغ.
وأضاف الرئيس التركي أن “تخليص أذربيجان أراضيها من الاحتلال لا يعني أن الكفاح انتهى… فالنضال في المجالين السياسي والعسكري سيستمر الآن على العديد من الجبهات الأخرى”.
من جهته، قال الرئيس الأذري إلهام علييف إن حضور أردوغان “يظهر للعالم بأسره الصداقة التي لا تنقطع بين الشعبين الأذري والتركي”.
وشارك أكثر من 3000 عسكري في العرض الذي حضره أيضا 2783 جنديّا تركيا، وهو رقم يرمز إلى عدد العسكريين الأذريين الذين سقطوا في المواجهات. وحضرت العرض فرقة كوماندوس تركية.
وقال المحلل إلهان شاهين أوغلو -من مركز الأبحاث “أطلس” ومقره باكو- إن “أذربيجان ما كانت قادرة على تحقيق نجاح عسكري في قره باغ لولا الدعم السياسي العلني من جانب تركيا”.
العرب