لم يكن الرئيس الأميركي دونالد ترامب مجنونا لكي يتم البحث في العهد الذي يليه عن وسائل وأساليب يستعيد من خلالها العالم عقله.
كان ترامب رئيسا لدولة عظمى وفي ذهنه مشروع للتعبير عن تلك العظمة وتجسيدها على الأرض. وفي ذلك لم يخرج ترامب عن السياق المتعارف عليه. فقد كان لكل رئيس من رؤساء الولايات المتحدة مشروعه في ذلك المجال. الفرق بين رئيس ورئيس هو الفرق ذاته بين شخصين. هناك أشخاص يمارسون أعمالهم بصمت وآخرون يمارسونها بصخب.
عهد ترامب كان صاخبا لأن شخصية الرئيس كانت كذلك.
إن أعاد بايدن العالم إلى عهد أوباما فإنه لا يصلح رئيسا للولايات المتحدة أبدا وسيكون على الأميركيين حينها أن يسحبوا أصواتهم ويتركوه في العراء
لست هنا ملمّا بما فعله الرئيس ترامب على المستوى الداخلي وبالضبط في ما يتعلق بالاقتصاد الذي يُقال إنه شهد قفزات عالية في عهده. ولكن على المستوى الخارجي، كانت الولايات المتحدة حاضرة في كل مكان ولم يفقد ذلك الحضور شيئا من هالته، بل حدث العكس تماما. وإذا ما كان قادة بعض الدول الأوروبية قد شعروا بصعوبة التفاهم مع ترامب شخصيا، فإن ذلك لم ينل في شيء من سلاسة التعامل مع الولايات المتحدة وانسيابه كما كان دائما، بل إنه شهد تحسنا بالرغم من القيود الجمركية التي تدخل ترامب شخصيا من أجل فرضها وشكلت عبئا مضافا.
لا أحد يستغني عن الولايات المتحدة حتى وإن قادها شخص مثل ترامب، هو خلاصة للشخصية الأميركية بكل عناصرها المصنوعة. رجل العقارات كان قد تعامل بوضوح لم يعهده الكثيرون وبالأخص إذا تمت مقارنته بالرئيس الذي سبقه باراك أوباما الذي كان يخفي أكثر مما يظهر وكان الغموض يحيط بالكثير من قراراته حتى أن البعض في عالمنا العربي قد اعتقد أنه إخواني أكثر من بعض المنتسبين إلى جماعة الإخوان.
كما أن النكتة التي أشاعت أن أوباما قد أعلن عن تشيّعه لها ما يسندها في الواقع من ميول غريبة لدى الرئيس الأميركي لمد نظام الحكم في إيران بالأموال التي تعينه على إنشاء ميليشياته ونشر ما صار يُعرف بالإرهاب الشيعي.
ترامب لم يكن من النوع الذي يخفي أهدافه ويتصرف بطريقة مريبة. كان الرجل واضحا وصريحا وما في قلبه يعلنه لسانه. ولقد ارتكب الكثير من الهفوات لا لشيء إلا لأنه يتصرف بعفوية وتلقائية ومن غير تخطيط مسبق، غير أنه كان يمتلك حدسا عظيما في القضايا الإستراتيجية. وما فعله بإيران ما كان يفعله إلا رئيس يشعر بمسؤولية الولايات المتحدة عن مصير العالم وهو في ذلك إنما حقق تقدما لافتا في مفهوم الإدارة الأميركية التي تصنع السلام وترعاه وتكافح من أجله.
ومن وجهة نظري الشخصية، فإن ترامب هو من يستحق جائزة نوبل للسلام لا باراك أوباما الذي أحرقت الحروب الغبية في عهده نصف العالم العربي. أعرف أن هذا الكلام لن يعجب الكثيرين ممن غاضتهم ثقة ترامب بنفسه والتي اعتبروها نوعا من الاستعراض والغرور. ولكن رجلا يحكم العالم بكل القوة التي يستند إليها هل يمكن أن ينجو من شيء من الغرور؟
يعتقد البعض أن بايدن سيعيد الولايات المتحدة إلى ما كانت عليه في عهد الرئيس أوباما. ذلك أسوأ ما يمكن أن يفعله رجل وضع الأميركيون ثقتهم فيه. إنه سيكون حينها رجلا مخادعا وغشاشا ومحتالا وضعيف الشخصية ولا يمكن أن يثق به أحد. وسيكون بالدرجة الأساس خائنا للشخصية الأميركية المركبة التي هي مزيج من عبقرية المال وموهبة الخيال ومغامرة الحيلة.
لا أحد يستغني عن الولايات المتحدة حتى وإن قادها شخص مثل ترامب، هو خلاصة للشخصية الأميركية بكل عناصرها المصنوعة
إن أعاد بايدن العالم إلى عهد أوباما فإنه لا يصلح رئيسا للولايات المتحدة أبدا وسيكون على الأميركيين حينها أن يسحبوا أصواتهم ويتركوه في العراء. تلك حقيقة لا أظنها خافية على الرئيس الأميركي الجديد والفريق المحيط به. لذلك فإن المتوقع أن يبحث عن الوسائل التي ستجعله قادرا على احتواء العالم الذي وضعه ترامب في صورته الأخيرة وليس مسموحا له بأن يستبدل تلك الصورة بصورة يجلبها من ماض لم يعد صالحا للاستعمال.
الحالمون بـ”بايدن” باعتباره ظلا لأوباما قد يحلمون بأن يعيد الرئيس الأميركي الجديد الحياة إلى الإرهابي قاسم سليماني الذي قتله ترامب في عملية سيُشار إليها دائما بأنها كانت بمثابة فاصلة مهمة في تاريخ المنطقة العربية. وهم في ذلك يجهلون أن الولايات المتحدة لا تلتفت إلى الوراء أبدا. هذه هي الدولة التي سيقودها بايدن الذي سيكون في شخصية الرئيس غير ما كانه في شخصية نائب الرئيس.
لن يفاجئنا بايدن إذا ما أظهر إعجابه بالرئيس الذي سبقه. هل سيمشي على خطاه؟ ذلك ليس مطلوبا منه. المطلوب منه أن يكون رئيسا للدولة العظمى التي سيكون عليه أن يعبر عن عظمتها بطريقته الخاصة.
العرب