الكاظمي يفتح في تركيا ملفات الأرصدة المجمدة ومكافحة غسيل الأموال

الكاظمي يفتح في تركيا ملفات الأرصدة المجمدة ومكافحة غسيل الأموال

بغداد – لا يقدم مصطلح “التبادل التجاري” توصيفا موضوعيا للعلاقة التجارية بين العراق وتركيا إثر تداول المصطلح مع الإعلان عن زيارة رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي إلى تركيا هذا الأسبوع، فالعلاقة أقرب إلى علاقة صانع بمستهلك من كونها علاقة بين دولتين تصدران البضائع لبعضهما البعض.

ويبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 15 مليار دولار سنويا، قيمة ما يدفعه العراق منها إلى تركيا تناهز نسبة الـ95 في المئة.

ومرت العلاقة بين البلدين منذ 2003 بالعديد من مراحل الشد والجذب، لكن الثابت الوحيد فيها هو أن العراق منطقة استهلاكية مثالية للبضائع التركية، وهو ما تحرص أنقرة على تعزيزه -دون دفع أي مقابل- قدر الإمكان.

وفضلا عن ذلك تمثّل تركيا بالنسبة إلى المسافر العراقي الوجهةَ الأولى لغرضَيْ السياحة والعلاج، بالنظر إلى أسعارها التنافسية قياسا بالوجهات الأخرى، والتسهيلات الخاصة بتأشيرة الدخول والطيران.

وخلال الأعوام الأخيرة ازدادت استثمارات العراقيين في تركيا بشكل كبير، وتحديدا ضمن القطاع العقاري.

لكن الأشهر الأخيرة شهدت توترا ملحوظا بين البلدين، على خلفية اعتداءات عسكرية تركية على مناطق عراقية بحجة ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه أنقرة منظمة إرهابية.

كما عمدت تركيا في هذه الأشهر إلى تجميد أصول وأموال عراقية، بذريعة استجابتها لمتطلبات أوروبية تتعلق بغسيل الأموال.

وقال السفير العراقي في تركيا حسن الجنابي إن ملفّيْ تسهيلات السفر والأموال المجمدة سيتصدران جدول أعمال زيارة الكاظمي إلى أنقرة يوم الخميس.

ويريد الكاظمي العودة إلى إجراءات ما قبل التوتر الأخير في ما يتعلق بسفر العراقيين إلى تركيا، حيث كانوا يحصلون على تأشيرة الدخول بمجرد وصولهم إلى المطارات التركية.

كذلك، يمكن أن تلعب الأموال العراقية المجمدة في تركيا دورا في تخفيف وطأة الأزمة المالية الخانقة التي يعانيها العراق بسبب تدني أسعار النفط، ما تسبب في تأخير صرف رواتب الموظفين.

ويعتزم الكاظمي زيارة تركيا لعقد ما يشبه الاتفاق بشأن مقايضة التجارة التركية في العراق بسلسلة من المتطلبات التي تحتاجها بغداد من أنقرة، ويُفضل أن تنفذ بشكل عاجل.

وتحدث السفير الجنابي عن “وجود ملف قانوني شائك بعضه يتعلق بأموال عراقية مجمدة وفرص الاستثمار ومكافحة أنشطة غسيل الأموال ومتطلبات التعاون والتنسيق في هذا الإطار”، مشيرا إلى أن “أعدادا كبيرة من أبناء الجالية العراقية موجودون في تركيا، منهم من يمتلك إقامة قانونية ومنهم من لا يمتلك، وهؤلاء بحاجة إلى إيجاد إطار قانوني لمعالجة أوضاعهم، ومنها الحاجة إلى فتح قنصليات عراقية في المحافظات التي تقطنها أعداد كبيرة من الجالية”.

وتابع أن العراق “يأمل في عودة العمل بالاتفاقية السابقة بين البلدين بمنح التأشيرات في المطارات والمنافذ الحدودية، بعد أن ألغيت من قبل الجانب التركي في عام 2016، واستبدلت بالتأشيرة الإلكترونية، وتحولت في 2020 إلى تأشيرة لاصقة، ما خلق صعوبات يواجهها السائح العراقي، واضطر الجانب العراقي إلى التعامل بالمثل”، معربا عن أمله في “أن تثمر المشاورات القنصلية في تسهيل حركة المواطنين بين البلدين”.

ويدرك الكاظمي أن أنقرة لن تمنحه ما يريد بسهولة، إذ أن على رئيس الوزراء أن يقدم المزيد من التسهيلات للتجارة التركية المزدهرة في العراق، ولاسيما في ما يتعلق برفع الحظر العراقي عن استيراد بعض المنتجات الزراعية والحيوانية من تركيا، بعدما تحقق الاكتفاء الذاتي المحلي من هذه المنتجات.

لكن الأمر قد لا يتوقف عند حد التفاهمات الاقتصادية أو المالية التي لا يمكن أن تتحرك خارج هوامش المرونة المعروفة بين الدول، بل قد يمتد إلى بعض الملفات السياسية، ما يعني أن مهمة الكاظمي قد تكون صعبة للغاية في أنقرة.

وتقول مصادر مواكبة في بغداد إن أنقرة، العائدة بقوة إلى الاشتباك في مختلف ملفات المنطقة، قد ترهن أي تسهيلات تقدمها إلى العراق بشروط تتعلق بتمكين فريق سياسي عراقي خلال المرحلة القادمة.

وترتبط تركيا بعلاقة وثيقة مع طيف واسع من الساسة السنة والتركمان، مثل الجناح المؤيد لسليم الجبوري ضمن الحزب الإسلامي، ذراع حركة الإخوان المسلمين في العراق، والأخوين أسامة وأثيل النجيفي في الموصل، وخميس الخنجر في الفلوجة.

وتسعى تركيا إلى تمكين حلفائها، الذين يدور معظمهم في الفلك الإخواني، داخل العراق على المستوى السياسي، مستلهمة التجربة الإيرانية الكارثية مع الأحزاب الشيعية.

ويقول مراقبون إن تركيا تتوثب للانقضاض على الملف العراقي بشراسة، في حال صدقت التوقعات بانكفاء الدور الأميركي فيه خلال حقبة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن.

وتراهن تركيا على تراجع نفوذ الولايات المتحدة في العراق مع الاستمرار في خفض عدد الجنود الأميركيين في هذا البلد، مقابل التغول الإيراني الذي بلغ مداه.

ويقول مراقبون إن تركيا تريد أن تصبح شريكة لإيران في إدارة الملف العراقي؛ فما يربط بين طهران وأنقرة -في ما يتعلق بالخطط التوسعية لكل منهما- أكثر مما يفرّقهما.

العرب