تدهور سريع للدينار العراقي أمام الدولار هل من حلول؟

تدهور سريع للدينار العراقي أمام الدولار هل من حلول؟

الباحثة شذى خليل*

سوء إدارة اقتصاد البلد وغياب المذهب الاقتصادي ؛ والخطط الاقتصادية دمرت الاقتصاد العراقي والانعكاس الأهم هو سعر صرف الدينار العراقي وموضوع تخفيض قيمة العملة (devaluation) وهو خفض سعر الدينار العراقي إزاء الدولار الأميركي والعملات الأخرى بصورة مدروسة ومتعمدة مع ملاحظة أن ذلك يختلف عن التغير في سعر الصرف الذي يخضع لعملية العرض والطلب في أسواق العملة.
لا تبدو الأزمة المالية العراقية في طريقها إلى الانحسار، مع استمرار انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية، او  تذبذبها ، وغياب البدائل الاقتصادية، اليوم ركز رئيس الوزراء على ترميم الوضع الاقتصادي بشتى الطرف  فيعمل مع بعض المستشارين الاقتصاديين ومع محافظ البنك المركزي العراقي على  منع انحدار وتدهور اكبر للدينار العراقي مقابل الدولار وهذا لم يتحقق الى بسعرف صرف 1500 دينار للدولار  حسب دراسة وتحليل للوضع الحالي ، ولو لبضعة اشهر ، في سياق ترميم الوضع المالي والنقدي للبلاد.

حيث سجلت الأسواق العراقية انخفاضاً ملحوظاً بسعر صرف الدينار العراقي في مقابل الدولار، ما أثار مخاوفاً من احتمال اتخاذ قرار بتعويم العملة، أو الإعلان عن زيادة رسمية في أسعار الصرف، في محاولة لتقليل نفقات الموازنة العامة، إلا أن نواباً في اللجنة المالية ومتخصصين في الاقتصاد حذروا من انعكاسات خطيرة على الاقتصاد العراقي، في حال اتخاذ قرار مماثل.
وقالت مصادر موثوقة ان من العوامل التي أدت الى تدهور قيمة العملة هي أن هناك 81 مصرفا تابعة لجهات سياسية هي من تأخذ العملة الصعبة وتتاجر بها لأغراض عدة ، منها سياسية قضايا فساد غسيل حيث اكد خبراء اقتصاد ان هناك وثائق على مصارف أخرى بالتعاون مع شركات السياحة من خلال تصوير جواز السفر وسحب 5 الاف دولار على اسم صاحب الجواز وهو لا يعلم .

وانتقد سياسيون عراقيون عدم قدرة الحكومة في السيطرة على سعر الصرف، معتبرين أن البنوك والأحزاب هي المستفيدة من ذلك، وقال النائب السابق عن الحزب الديموقراطي الكردستاني، ماجد شنكالي إن “أهم إصلاحات الحكومة والمحافظ الجديد للبنك المركزي، ارتفاع سعر الدولار في الأسواق”، وبيّن أن “السعر الرسمي هو 1190 ديناراً للدولار الواحد، أي أن المستفيد فقط البنوك التابعة للأحزاب والشخصيات المتنفذة. هل من المعقول أن تربح هذه البنوك يومياً 20-23 مليار دينار؟”.
لا شك أن العراق بات منذ 2003 نافذة إيران الاقتصادية الدسمة، فالبلاد التي تعاني من عقوبات أميركية خانقة عليها، ما كانَت لتستطيع الصمود بوجه الحصار الأميركي، لولا منفذ العراق ومواليها.من بعض الساسة العراقيين ، أولئك الذين يملكون ميليشيات مسلّحَة، ويستحوذون على أهم مناصب العراق، يعملون من اجل مصلحة توفير العملة للجارة ايران على حساب البلد ، ويمتلك العراق عشرات إن لم تكن مئات المصارف الأهلية والخاصة، ومعظمها نافذة للفساد ولرفد إيران بملايين الدولارات.

ان مهام البنك المركزي هي : اجراء استبدال للعملة الصعبة الواردة الى الحكومة وتحويلها الى الدينار عبر نافذة بيع العملة ( مزاد العملة ) لتغطية حاجة السوق المحلية وتغطية تسديد الحوالات الخارجية والاعتمادات المخصصة تحت بند الاستيرادات الأساسية .
في حال وجود فائض من العملة الصعبة تحول المبالغ الفائضة الى احتياطي البنك المركزي مما يسبب بارتفاع الاحتياطي من العملة الصعبة ، وفي حال عجز الايراد الخارجي عن الايفاء بمتطلبات الحكومة من الدينار ( لغرض تسديد نفقاتها بالدينار رواتب وغيرها ) يتم السحب من احتياطي العملة الصعبة الدولار، في البنك المركزي لتعويض العجز من الدينار واسناد حسابات الحكومة .

ان عملية مزاد العملة ونافذة بيع العملة في البنك المركزي تشوبها الكثير من عمليات الفساد ، وكيف لا وجميع مفاصل الدولة والمؤسسات يخترقها الفاسدون، جزء منها تتحملها السياسة المتبعة في البنك المركزي عبر القيود المفروضة للبيع لتكون متناسبة مع مجموعة محدودة من المصارف والشركات الطالبة لشراء العملة ، واخرى تتحمل مسؤوليتها جهات اخرى مثل هيئة المنافذ والكمارك والضرائب ووزارة التجارة المسؤولة عن اصدار اجازات الاستيراد .
بالرغم من ان ورقة الاصلاح السياسي ( الورقة البيضاء ) كانت احدى اصلاحاتها ومتبنياتها ( تعويم ) سعر الدولار امام الدينار.
تعويم العملة ماذا تعني هذه العملية : هناك نوعان من التعويم. الأول، التعويم الخاص والثاني التعويم الموجه. الأول هو ترك تحديد سعر صرف العملة الوطنية بيد السوق. زيادة الطلب على الدولار في السوق المحلية تؤدي الى رفع صرف الدولار قياسا بالعملة المحلية، بينما انخفاض الطلب على الدولار يعني انخفاض سعر صرف الدولار في السوق المحلية.

الحالة شبيهة جدا بأيام المقاطعة الاقتصادية ( الحصار الاقتصادي) العالمية ضد العراق بعد احتلال العراق لدولة الكويت، حيث زاد سعر صرف الدولار الأمريكي قياسا الى الدينار العراقي بشكل لم يسبقه الا المارك الألماني ابان الحرب العالمية الثانية. سعر صرف الدينار العراقي نسبة الى الدولار الأمريكي انخفض من 2.8 دولار لكل دينار عراقي، الى 5,000 دينار عراقي لكل دولار امريكي. تحديد سعر صرف العملة تماما مثل تحديد سعر الطماطة في علوة المخضر , في بغداد. زيادة العرض منها يؤدي الى انخفاض سعرها في السوق، بينما انخفاض عرضها في السوق يؤدي الى ارتفاع في أسعارها
النوع الثاني هو نفس النوع الأول عدا أنه تدخل البنك المركزي عندما تنخفض قيمة صرف العملة المحلية اقل من المقرر لها او يصعد سعر صرف العملة المحلية اعلى من المقرر لها. أي سعر صرف العملة المحلية قياسا بالدولار، على سبيل المثال , يجب ان يكون وفق حدود دنيا وعليا , لا يجوز للعملة الوطنية تجاوزها.

وحسب بعض المحللين الاقتصاديين ان رفع سعر الصرف ولو لفترة مؤقتة تحمي من اعلان العراق افلاسه ؟
فيمكن القول ان مزاد العملة الحالي هو وجه من اوجه التعويم لكنه مقيد ويفترض سعر ثابت او سعر يتبع البنك المركزي ( لا قانون العرض والطلب المعروف ) ، وان الجميع تقريبا متفق على ضرورة وجود اصلاحات تخص عمل هذا المزاد بما يوفر السيولة النقدية من العملة الصعبة لتكون في متناول المستوردين مباشرة بدلا من احتكارها بمصارف معدودة ومتنفذة سياسيا” .
لقد باع البنك المركزي لهذا اليوم ما يقارب ٢٤٠ مليون دولار من العملة الصعبة بزيادة تقدر بـ ٢٥٪؜ عن ما سبق بيعه في جلسات الاسابيع الماضية والتي من المفترض ان توفر هذه الزيادة دعما” للسوق المحلية وطلبات الاستيراد التي هي بالاصل منخفضة النشاط بسبب وباء كورونا واسباب اخرى تتعلق بمخاوف محلية من ازمات مالية قادمة تهدد دخل الموظفين والطبقة المتوسطة والفقيرة .

مجموعة من الحلول المقترحة :
التركيز على زيادة المبيعات من الدولار لصالح الصيرفات بدل شركات الحوالة التي تشوبها عمليات الفساد.
استثمار الفرصة لإيقاف مجموعة من الاستيرادات من المنتجات الزراعية والغذائية والحد من تحويل الدولار الى الخارج عبر استيراد منتجات من السهولة انتاجها محليا. أي من الممكن اعتماد محليات تنشط الزراعة وتشجعها وتدعمها لتصل لمرحلة الاكتفاء الذاتي .
رفع السعر إلى 1500 وزيادة مزاد العملة خلال فترة قصيرة لتغطية الطلب المتزايد على العملة الصعبة عبر منافذ مباشرة للمواطنين وسد الطريق امام المضاربين وكبار المضاربين بالعملة الصعبة ، هذه الخطة ستضمن وصول سعر صرف فئة 100 دولار في مزاد العملة الى 150 ألف دينار في الأسواق.
ارغام طلبات الاستيراد عبر المصارف والاعتمادات على دفع الرسوم الكمركية بالعملة الصعبة مباشرة عند البنك المركزي لصالح حسابات دائرة الكمارك وستظهر حينها القيمة الحقيقية للحوالات الخاصة بالاستيرادات وتقدير حجم تهريب العملة وتبييضها .
وأخيراً لا بدّ من التأكيد على أن نهج الحكومة العراقية الحالية في خفض النفقات العامة غير الضرورية، مثل: إلغاء الرواتب المزدوجة، واللجوء للاقتراض الداخلي والخارجي المقنن، والادخار الإجباري للرواتب المرتفعة، يعدُّ من أفضل الحلول الواقعية لعبور الأزمة الحالية، على أن تنفذ بالتزامن معهُ حملات حكومية جاده لمكافحة ظاهرة الفساد، وضبط المنافذ الحدودية.

وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية