بعد عشر سنوات من الحرب تحتاج سوريا إلى مَن يعينها على طي كل الملفات وفتح ملف واحد يمكن الإجابة من خلاله على سؤال “ما المصير؟”
في الماضي كان هناك سؤال ملح هو “ما العمل؟” اليوم يظهر الجميع يأسهم، في المعارضة والموالاة. أما ما يقوله النظام من خلال وسائل إعلامه فإنه نوع من التهريج. فلا أحد انتصر على آخر لم تعد له قيمة تُذكر.
المعارضة خسرت جيشها الحر في وقت مبكر. لقد تركت ساحات القتال للتنظيمات الإرهابية وهي جماعات لا صلة لها لا بسوريا ولا بالثورة السورية، بل إن الكثير من مقاتليها لا يعرفون شيئا عن سوريا. أما معلوماتهم عن النظام السياسي الحاكم فيها فهي صفر.
ربما أتوا إلى سوريا لأسباب دينية تبعا لمفهوم الجهاد. ذلك أمر محتمل. لكن الغالب أن الكثيرين قدموا لأسباب مالية. لقد تم غزو سوريا بمجموعات هائلة العدد من المرتزقة وكان هناك متعهدون يغذون هذه المجموعات بالبشر حين الحاجة.
ما يحدث اليوم على الأرض السورية له علاقة بالمصالح الإقليمية والدولية ولا علاقة له أبدا بالمصلحة السورية. شعب سوريا لن يلتفت إليه أحد
لقد وجد السوريون أنفسهم فجأة وهم يعملون في خدمة أفواج وفصائل أجنبية تحمل عناوين مريبة، كلها تشير إلى أهداف لا علاقة لها بالقضية السورية. هناك قضايا أخرى صارت تُمرر من خلال الحرب السورية. كل دولة بما تطمع به وكل جهاز مخابرات بما يخطط له. صارت سوريا مختبرا تجريبيا. إن فشلت تجربة حلت تجربة أخرى محلها. وهكذا تكاثرت أعداد المرتزقة وازداد عدد المتعهدين.
تلك حصيلة ليست سوية. أمر ما سيزعج المحاربين الرسميين. روسيا وتركيا وإيران بعد انسحاب الولايات المتحدة. وهنا ينبغي أن لا نهمل إسرائيل وهي محارب لا علاقة مباشرة له بميدان القتال. لا مرتزقة ولا أموال ولكنها تقاتل بجيش رسمي مثلها في ذلك مثل روسيا لكن عن بعد.
لم يكن من السهل أن تستعيد تركيا جيوش المرتزقة التي أشرفت على تدفقها إلى الأراضي السورية. لقد بذلت روسيا جهدا جبارا من أجل أن تقتنع تركيا بأن عليها أن تقوم بدور إيجابي. غير أن أصعب ما كان يمكن القبول به أن يكون غزوها هذه المرة من خلال جيش يتكون من سوريين. لقد استسهلت تركيا القتال بجيوش تتألف من مرتزقة سوريين.
سيكون الأمر غريبا. سوريون يقاتلون باعتبارهم مرتزقة على أرض بلادهم. تلك مفارقة مؤلمة وحزينة غير أنها في الوقت نفسه تشير إلى المسافة التي صارت تفصل بين السوري وقضيته.
لقد قاتل البعض لأسباب طائفية. وهي فكرة غريبة عن سوريا. فكرة تم التأسيس لها من قبل جماعة الإخوان المسلمين وكانت الحرب مناسبة لإشاعتها. في ما مضى لم يكن السوريون طائفيين. اليوم صار كل سوري يحمل في رأسه جرسا يدق حين ترد كلمة “علوي”. ذلك ما خططت له جماعة الإخوان المسلمين وكرسته سنوات الحرب.
ولكن ما الذي تعنيه خسارة الجميع وأن أحدا من السوريين لن يكون هو المنتصر؟ ذلك معناه أن السوريين، موالاة ومعارضة قد تم إخراجهم من حلبة السباق وصاروا مجرد شهود. إنّ ما يحدث اليوم على الأرض السورية له علاقة بالمصالح الإقليمية والدولية ولا علاقة له أبدا بالمصلحة السورية. شعب سوريا لن يلتفت إليه أحد.
لذلك فإن سؤال “ما العمل؟” لم يعد له مكان بين الأسئلة. لا يحق للسوريين أن يسألوا عن الطريقة التي يمكنهم من خلالها أن ينقذوا بلادهم. فقط يحق لهم أن يسألوا عن المصير الذي ستنتهي إليه بلادهم.
مضى الكثير من الوقت. ربما مضى كل الوقت وروسيا تحاول منع الشركاء الصغار من الاستمرار في البقاء على الأراضي السورية. “لقد انتهى دوركم”. ذلك ما فهمته تركيا فصارت تتعامل من خلال مرتزقتها السوريين وهو ما قبلت به روسيا على مضض. أما إيران فقد كانت مصرة على تمثيل دور الأصم. لذلك كانت روسيا مضطرة لإزاحة ميليشياتها بالقوة.
المعارضة خسرت جيشها الحر في وقت مبكر. لقد تركت ساحات القتال للتنظيمات الإرهابية وهي جماعات لا صلة لها لا بسوريا ولا بالثورة السورية
هل كان صعبا على إيران أن تدرك أن روسيا ترغب في أن لا يشاركها أحد بسوريا؟ ولكن إيران حاولت أن تكون شريكا. إن فشلت فلا بأس بأي دور تقترحه روسيا.
ستكون إيران مرنة في ما يتعلق بالمسألة السورية. كان واضحا بالنسبة إليها أن دولة كبرى مثل روسيا قد حسمت الأمر وهي ليست على استعداد بعد أن أقامت تفاهمات مع إسرائيل أن تقبل بوجود دولة عدوة لها على الأراضي السورية. وذلك ما عبرت عنه من خلال صمتها في مواجهة الغارات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية أو مواقع حزب الله على الأراضي السورية.
خلاصة القول إن مصير سوريا لن يخرج عن نطاق عما هي عليه اليوم “إقطاعية روسية في الشرق الأوسط”.
ذلك ما يمكن أن توافق عليه إيران وتركيا ولكن لا أحد يفكر في أن يسأل السوريين عنه.
العرب