أصيب العالم بموجة ذعر صحية إضافية بسبب سرعة انتشار سلالة جديدة من فيروس كورونا ـ 19، كانت قد بدأت في بريطانيا وتكشفت تدريجياً عن سمات مختلفة عن الفيروس الأم، في طليعتها أنه أسرع انتشاراً بمعدل 70٪، كما يحمل طفرات خاصة تجعل الأطفال عرضة للإصابة مثل الكبار وعلى خلاف تنويعات الفيروس السابقة منذ ظهور نموذجه الأول في أسواق مدينة ووهان في الصين.
وكانت المخاوف قد بلغت ذروة غير مسبوقة بعد تصريحات وزير الصحة البريطاني مات هانكوك بأن السلالة الجديدة قد خرجت عن السيطرة، وأن أرقام انتشار هذا التنويع الجديد تشير إلى أنه يتفشى بسرعة أكبر، الأمر الذي دفع عدداً من البلدان إلى وقف الرحلات من بريطانيا وإليها. وهذا توقيت حرج للغاية لأن مفاوضات الخروج النهائي من الاتحاد الأوروبي ما تزال متعثرة، واستمرار الوضع العالق ينذر بعواقب وخيمة على استمرار الحد الأدنى من تدفق البضائع والمواد الغذائية بصفة خاصة.
غير أن أجواء الذعر الجماعية المبررة لا يجوز لها أن تطمس مجموعة من المعطيات العلمية الثابتة حتى الساعة بصدد هذه السلالة الجديدة، والأول فيها أن حقيقة انتشارها بمعدلات أكبر لا تعني بالضرورة أنها أكثر قدرة على الفتك، خاصة وأن عنصر الإماتة الأبرز في تركيبها هو تبدلات ليست مجهولة تماماً في بروتين «السنبلة» التي يلجأ إليها الفيروس لاختراق الخلية البشرية. يضاف إلى هذا أن طفرات متقاربة سبق أن ظهرت، وإن على نحو أقل شراسة لجهة العدوى، وتمت دراستها علمياً، ولُحظت خلال الأبحاث التي أسفرت عن إقرار مجموعة اللقاحات المتوفرة حالياً.
المعطى الثاني الهام هو أنه لا دليل حتى الساعة على أن لقاحات مثل «فايزر ـ بيونتيك» و«مودرنا» التي جرى استخدامها في الولايات المتحدة وبريطانيا واعتمدها الاتحاد الأوروبي مؤخراً إلى جانب دول أخرى على نطاق العالم، ليست فعالة إزاء هذه السلالة الجديدة، بل يبدو أن العكس هو الصحيح. وبذلك فإن حقيقة انطلاق الطفرة الجديدة من جسم مريض مصاب ذي مناعة طبيعية منخفضة يمكن أن تكون خطوة أولى حاسمة في علاج الإصابات المماثلة طبقاً للمناعة الجماعية التدريجية التي سوف تؤمنها حملات التلقيح واسعة النطاق.
المعطى الثالث هو عدم اتفاق العلماء والمختصين بالفيروسات حول الإجابة عن سؤال محوري: هل سرعة انتشار السلالة الجديدة ناتجة عن جهل حامليها بإصابتهم بها وبالتالي إهمالهم اتخاذ تدابير التباعد والوقاية المعتادة، أم أن الانتشار في جنوب شرق بريطانيا ناجم عن مصادفة جغرافية محضة بدليل أن تباشير الإصابات وقعت في أيلول /سبتمبر الماضي ولم تظهر آثارها المفزعة إلا هذه الأيام؟ وعلى خلفية كهذه، كيف نفسر ظهور السلالة الجديدة في جغرافيات متباعدة خارج بريطانيا، مثل الدانمرك وأستراليا وإيطاليا وهولندا وأيسلندا؟
ويبقى الأمل معقوداً على مبدأ مركزي في مواجهة فيروس كوفيد ـ 19، وهو أن اللقاحات الراهنة المجربة تدرب النظام المناعي على استقبال منصات مختلفة من سنبلة البروتين، وثمة إجماع لدى العلماء بأن السلالة الجديدة لن تنجح في تعطيل ذلك التدريب. هذا بافتراض أن البشرية سوف تعمل بالتكافل والتضامن في مواجهة الجائحة، وليس بالتفرقة والتمييز وإيثار الذات على الصالح الإنساني العام.
القدس العربي