تأجيج الخلافات بين المغرب العربي وأوروبا هدف أردوغان

تأجيج الخلافات بين المغرب العربي وأوروبا هدف أردوغان

طرابلس – يسعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى توسيع نفوذ بلاده في المغرب العربي على حساب النفوذ التقليدي لفرنسا ودول أوروبية أخرى مثل إيطاليا وألمانيا.

وفي ظل محدودية النفوذ الاقتصادي والاستثماري التركي قياسا بالتأثير الأوروبي في هذه المنطقة، يعمل أردوغان على تأجيج الخلافات بين الدول المغاربية وبين حلفائها الأوروبيين من خلال استدعاء التاريخ العثماني ومحاولة تبييضه والهجوم على التاريخ الأوروبي وتشويهه.

ويقول المؤرخ الفرنسي بيير فيرمورين، المتخصص في المغرب العربي المعاصر في جامعة باريس1، إنه بالنسبة إلى أردوغان فإن “الاحتفاظ بنفوذ في أفريقيا وتأجيج الخلافات بين المغرب العربي وأوروبا، وفرنسا خصوصا، رهان كبير”، وهذا ما يفسر هجومه المستمر على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

ويشير فيرمورين في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية إلى أن الرئيس التركي “يريد أن يظهر كمدافع عن المسلمين والإسلام، وأن يجذب نحوه تعاطف المغرب العربي”.

ويراهن أردوغان على استثمار انكفاء أوروبا عن دعم جاراتها جنوب المتوسط بسبب مخلفات أزمة كورونا وتراجع الاقتصاديات الأوروبية، وملء الفراغ من خلال استثمارات محدودة وتقديم خطاب يوحي بأن أوروبا تخلت عن دول جنوب المتوسط، وأن تركيا هي الوحيدة التي تفكر في هذه الدول وتدعمها.

وما يهم الرئيس التركي هو المساهمة في توسيع دائرة الشك بين الحلفاء التقليديين لضفتي المتوسط، مستثمرا توترات طارئة بسبب صعود اليمين الشعبوي في دول مثل إيطاليا والأزمات الني خلفتها موجات الهجرة من الجنوب وارتباطها ببعض العمليات الإرهابية، وهي وضعية طارئة منذ ثورات “الربيع العربي” وغياب حلفاء كانوا يتولون إدارة ملف الهجرة بشكل يوفر أمانا أكبر لأوروبا، خاصة سقوط نظام زين العابدين بن علي في تونس ومعمر القذافي في ليبيا.

وفي ظل ارتفاع الصادرات والنشاط الدبلوماسي، تمكنت تركيا من تعزيز حضورها في المنطقة المغاربية تدريجيا بما يتماشى مع سياسة التمدد الخارجي التي يعتمدها أردوغان ومحاولة استعادة مناطق النفوذ العثماني التاريخية.

ويقول فيرمورين إن تأثير أنقرة الإقليمي “ينمو بشدة منذ بضع سنوات” حتى لو لم تكن الاتصالات معلنة دائمًا.

وفي استعراض للإستراتيجية التركية إزاء دول المنطقة التي يبلغ عدد سكانها نحو مئة مليون نسمة، تبدو سياسية – عسكرية في ليبيا بينما هي تجارية وسياسية في الجزائر وتونس والمغرب.

ففي ليبيا، برزت أنقرة كداعم رئيسي لحكومة الوفاق التي يسيطر عليها الإسلاميون، في مواجهة المعسكر الذي يتزعمه قائد الجيش خليفة حفتر المدعوم عربيا.

ويرى الباحث في معهد كلينغينديل الهولندي جلال حرشاوي أنّ النفوذ التركي في هذا البلد الغارق في الفوضى “حقيقة عسكرية بالغة الأهمية”. ويوضح أنّ “تركيا تحظى بأكبر قاعدة عسكرية عند الحدود التونسية وبقاعدة بحرية وبمعسكرات لمرتزقة سوريين”.

وتعتمد أنقرة أيضا على اتفاق تم توقيعه قبل عام مع طرابلس لتعزيز مطالباتها الحدودية في مياه شرق البحر المتوسط حيث تنقّب عن موارد الطاقة، ما أثار استياء الدول الإقليمية الأخرى.

ويقول الباحث في “غلوبل انسياتيف” عماد الدين بادي إنّ تركيا “تحاول (في ليبيا) الاستفادة من استثماراتها العسكرية لممارسة نفوذها السياسي والاقتصادي”.

ولا تخفي أنقرة انحيازها إلى جماعة الإخوان المسلمين التي تعتبرها عدّة دول عربية “منظمة إرهابية”، بما في ذلك مصر، وتسعى لدعمها في ليبيا وتونس على وجه الخصوص.

وفي تونس ينعكس النفوذ التركي أولاً في الزيادة الحادة للواردات، ما دفع مصنعين إلى التذمر من هذه المنافسة مع منتجات منخفضة التكلفة. كما تتزايد هذه الواردات في القطاع الأمني – العسكري التونسي.

وقد أدت محاولات أنقرة للتأثير على الدبلوماسية التونسية إلى صدامات في البرلمان.

أما الحضور التركي في الجزائر فهو غير قابل للإنكار، إذ صارت أنقرة في 2017 أول مستثمر أجنبي، باستثناء المحروقات، وذلك على حساب فرنسا. واتفق البلدان على زيادة حجم التبادل التجاري بينهما إلى 4.1 مليار يورو سنويًّا.

وتعدّ تركيا ثالث أكبر زبون للجزائر بعد إيطاليا وفرنسا. وتوجد هناك أكثر من 1200 شركة تركية. وتظهر تركيا أيضا اهتماما بترميم المعالم العثمانية على غرار الأعمال في مسجد كتشاوة في الجزائر العاصمة.

وفي المغرب، كانت التجارة غير متوازنة منذ اتفاقية للتجارة الحرة وقّعت في 2006. وبلغ العجز حوالي 1.6 مليار يورو في عام 2019 وسط تأثّر قطاع النسيج المغربي بشكل كبير. ويقول أحد الصناعيين المحليين “لقد أغرق الأتراك السوق (…) وقتلوا العديد من العلامات التجارية”. ودفع هذا الاختلال الرباط إلى فرض رسوم جمركية.

العرب