بومبيو يدرس تصنيف قمع الصين لـ “الإيغور” جريمة “إبادة جماعية”

بومبيو يدرس تصنيف قمع الصين لـ “الإيغور” جريمة “إبادة جماعية”

وسط موجة من القرارات التي تواصل اتخاذها إدارة الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترمب، لا سيما في ما يتعلق بعلاقات الولايات المتحدة بالقوى الدولية المنافسة، كشفت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية، أن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو يدرس تصنيف قمع الصين أقلية الإيغور العرقية، التي تقطن إقليم شينغيانغ، جريمة “إبادة جماعية”.

وكشف عدد من المسؤولين والأشخاص المطلعين على الأمر، للمجلة، أن بومبي الذي سيغادر منصبه الشهر المقبل، أمر بإجراء مراجعة لتحديد إذا ما كانت ممارسات القمع التي يتعرض لها “الإيغور”، من احتجاز داخل معسكرات اعتقال والعمل القسري وغيرها، ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية.

وفيما قد تؤدي المراجعة إلى قرار نهائي من الولايات المتحدة حيال الأمر، فإن القرار ربما يشمل فرض عقوبات على بكين.

ووفقاً لمسؤولين حاليين وسابقين، أصدر بومبيو تعليماته إلى مورس تان، السفير الأميركي المتجول لمكتب العدالة الجنائية العالمية، للإشراف على المراجعة الداخلية. وستشمل المراجعة تقويماً من جانب المستشار القانوني بالنيابة في وزارة الخارجية، ماريك سترينج، ورئيس وحدة الاستخبارات الداخلية في الوزارة، إضافة إلى مكاتب حقوق الإنسان والمكاتب الإقليمية في الوزارة.

وقال المسؤولون إن التوقيت الذي سيتم فيه اتخاذ القرار غير واضح. وإذا أُخذ القرار خلال الأسابيع الأخيرة من إدارة ترمب، فقد يؤدي إلى زيادة التوتر بين واشنطن وبكين، في وقت يستعد فيه الرئيس المنتخب جو بايدن لتولي منصبه في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل. لكن اللافت أن حملة بايدن استخدمت سابقاً كلمة “إبادة جماعية” لوصف حملات القمع في شينغيانغ.

وتأتي المراجعة في وقت دعا فيه المشرعون الأميركيون من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، إدارة ترمب إلى اتخاذ إجراءات في شأن انتهاكات حقوق الإنسان في شينغيانغ. ففي أكتوبر (تشرين الأول)، قدم العضو الديمقراطي الأكبر في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، السيناتور بوب مينينديز، والسيناتور الجمهوري جون كورنين، مشروع قرار لتصنيف معاملة الصين للإيغور والأقليات العرقية الأخرى في شينغيانغ على أنها إبادة جماعية.

معايير التصنيف

تقليدياً، استندت وزارة الخارجية الأميركية في قرارها إلى تفسير ضيّق نوعاً ما للإبادة في اتفاق الإبادة الجماعية، الذي يتطلب أن يعتزم الجاني تدمير الناس جسدياً كلياً أو جزئياً، وهو معيار ربما لم يتم الوفاء به في شينغيانغ، بحسب مراقبين. فخلال إدارة الرئيس باراك أوباما، درست وزارة الخارجية إذا ما كان نظام الرئيس السوري بشار الأسد ارتكب جريمة إبادة جماعية في حملة قمع عنيفة ضد المدنيين الذين يعيشون في أراض تسيطر عليها المعارضة، وأسفرت عن مقتل مئات الآلاف من المدنيين. وخلصت إلى أنه ليس لديها أدلة كافية لاتخاذ القرار.

وأوضح مسؤولون حاليون وسابقون أنه بالنظر إلى الثقل الرمزي والدبلوماسي لهذا التصنيف، لا يوجد حتى الآن مخطط أو صيغة واضحة لاتباعها. وأشاروا إلى أنه غالباً ما يتم التعامل مع كل حالة بشكل مختلف بحسب الظروف. وقال تود بوتشوالد، الذي عمل منسقاً خاصاً في مكتب العدالة الجنائية العالمية في وزارة الخارجية، وشارك في تأليف دراسة كبرى عن تاريخ قرارات تصنيف الإبادة الجماعية، إن الشرط القائل بضرورة توفر نية الجناة “تدمير” شعب، يعني التدمير بمعناه الحرفي، وليس مجرد محو هويتهم الثقافية.

قرارات سابقة

نادراً ما تصدر الولايات المتحدة إعلاناً رسمياً عن الإبادة الجماعية، التي تُعتبر واحدة من أخطر الجرائم ضد الإنسانية في القانون الدولي، وإذا تم تأكيد ذلك، فسيكون هذا القرار الأول عن الإبادة الجماعية من جانب وزارة الخارجية منذ مارس (آذار) 2016، عندما قرر وزير الخارجية الأميركي جون كيري أن تنظيم “داعش” الإرهابي “مسؤول عن الإبادة الجماعية” ضد الأقليات الإيزيدية والمسيحية والشيعية في المنطقة. وفي أغسطس (آب) 2017، خلص وزير الخارجية الأول في إدارة ترمب، ريكس تيلرسون، إلى أن تنظيم “داعش” كان “مسؤولاً بالتأكيد عن الإبادة الجماعية”.
وخلال إدارة الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش، أعلن وزير الخارجية آنذاك، كولن باول، أن الحكومة السودانية ارتكبت إبادة جماعية ضد الأقليات العرقية في دارفور. وهو القرار الذي أعقبه قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أدى إلى إجراء المحكمة الجنائية الدولية تحقيقاً في الفظائع التي ارتكبت، إذ تم توجيه اتهام بالإبادة الجماعية للرئيس السوداني، آنذاك، عمر البشير. وأشار وزير خارجية الرئيس بيل كلينتون، وارن كريستوفر، إلى الفظائع الجماعية في البوسنة ورواندا على أنها إبادة جماعية.

وخلال السنوات الماضية، وجهت انتقادات إلى الصين بالقيام بحملة “قمع كاسحة” ضد ما يقدر بملايين “الإيغور” والأقليات العرقية الأخرى في مقاطعة شينغيانغ الغربية، تحت ستار برامج الأمن ومكافحة الإرهاب. وأفادت مجموعات حقوقية بأن الإيغور يتم اعتقالهم في معسكرات اعتقال جماعي، ويواجهون انتهاكات لحقوق الإنسان مثل العمل القسري وغسيل المخ والاعتقالات التعسفية وسوء المعاملة والتعذيب، وحتى الإجهاض والتعقيم.

بكين تنفي

وترفض بكين الاتهامات التي توجّهها إليها الولايات المتحدة ودول أوروبية، في شأن احتجاز أكثر من مليون من أقلية “الإيغور” العرقية في معسكرات احتجاز في المنطقة الشمالية الغربية من البلاد، وحرمانهم حقوقهم. ووصفت الصين الانتقادات التي جاءت خلال اجتماع مغلق لمجلس الأمن الدولي، في يوليو (تموز) 2019، بأنها “اتهامات لا أساس لها”.

وتقول الحكومة الصينية إن هذه الجهود تأتي في إطار مكافحة الإرهاب، مؤكدة أنها تحاول محاربة “قوى الشرّ الثلاث” المتمثلة في “الإرهاب والتطرف والانفصالية” في المنطقة. وتصرّ على أن تلك المعسكرات التي تحتجز فيها أكثر من مليون مسلم هي “مراكز تعليم مهني”، تهدف إلى تعليم لغة المندرين والمهارات الوظيفية لإبعاد الناس عن التطرف الديني، عقب موجة اضطرابات إثنية دموية حدثت خلال السنوات الماضية.

وخلال العام 2019، ذهب الإعلام المحلي إلى القول بأنه يجب إنقاذ مقاطعة شينغيانغ من التحوّل إلى “سوريا أو ليبيا الصين”.

عقوبات

وفي يوليو الماضي، وقّعت إدارة ترمب عقوبات ضد 11 شركة صينية، تقضي بمنعها من شراء التكنولوجيا والمنتجات الأميركية من دون ترخيص خاص، وذلك بدعوى تواطؤها في انتهاكات تتعلّق بحقوق الإنسان خلال حملة بكين على إقليم شينغيانغ.

وينظر الكونغرس الأميركي في مشروع قانون، يحظى بدعم من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، من شأنه أن يفرض حظراً على السلع المستوردة التي تصنّع بأيادي عمال في إقليم شينغيانغ ذي الغالبية المسلمة في الصين. وبحسب أعضاء في الكونغرس وأشخاص مطّلعين، تحدثوا إلى صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية في وقت سابق من الشهر الحالي، إضافة إلى سجلات حملات الضغط التي تظهر إنفاقاً هائلاً لتمرير القانون، فإن مشروع القانون يحظر فئات واسعة من السلع التي تصنعها الأقليات، بهدف مواجهة الانتهاكات الحقوقية بحق “الإيغور” في الصين.

إنجي مجدي

اندبندت عربي