الباحثة شذى خليل*
يشهد العراق عجزاً في قطاع الطاقة منذ الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003، رغم امتلاكه احتياطات كبيرة من النفط والغاز، إلا أن سيطرة الأحزاب المتنفذة والفصائل المسلحة على قطاع الطاقة، يمنع تنشيط المنتج المحلي من الغاز، ويسمح بطرقٍ مباشرة بفتح المجال أمام إيران لتغطية حاجة العراق من الطاقة،
حيث يستحوذ العراق على توريد 6 مليارات و652 مليون كيلوواط ساعة من كهرباء إيران بنمو 36٪ على اساس سنوي، وبذلك سجلت نسبة العراق من صادرات كهرباء ايران 82.7%.
وذكرت مصادر مطلعة بحسب عقد الغاز المبرم بين ايران والعراق ان ايران بحاجة ماسة الى الغاز في موسم الشتاء، ولا تصدره الى العراق باختلاق مختلف الاعذار
الغاز الإيراني نوعية رديئة وأسعار خيالية : كشف مسؤول كبير في وزارة النفط العراقية أن سعر الغاز الإيراني الذي تضمنه الاتفاق بين طهران وبغداد أخيراً، يتخطى نحو 4 أضعاف الأسعار السائدة عالمياً، وهذا دليل على تواطؤ مسؤولين في الوزارة ومجلس الوزراء في تمرير الاتفاق.
وإن “سعر المليون وحده حرارية (وحدة القياس) بالبورصة العالمية يبلغ نحو 2.5 دولار، لكن السعر في الاتفاقية الموقعة بين العراق وإيران يصل إلى أضعاف ذلك”.
وقال المسؤول العراقي: “الاتفاق تضمن سعراً خيالياً بسبب الفساد، الذي تسبب أيضا في إهدار الغاز العراقي وإيقاف الإنتاج من الحقول الغازية، ومن ثم الاستيراد بأسعار أعلى من الأسعار العالمية”. بالإضافة الى الرداءة في النوعية حيث يحتوي على شوائب كيميائية، وضعف اشعاله بالأخص المصدر الى محافظة البصرة، أي فيه الكثير من المشاكل والعيوب، وهذا ما يصدر للعراق من غاز إيراني، فضلا عن وجود فارق كبير بين سعر الغاز الإيراني والعالمي يقتضي مراجعة الاتفاق، لأن العراق يمر بظروف اقتصادية صعبة.
وبحسب بيانات البنك الدولي، فإن افتقار حقول النفط العراقية لمعدات جمع الغاز، يؤدي إلى حرق وإضاعة 18 مليار متر مكعب من “الغاز المرتبط بالبترول” سنويا، مما يضطره الى استيراد الكهرباء والغاز من إيران والذي يستخدمه لتشغيل محطات الطاقة، ولكن لا يزال العراق يواجه نقصا حادا خلال المواسم الحارة.
ويقول تقرير لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى إن العراق يبدد حاليا ما يقرب من 2.5 مليار دولار سنويا نتيجة حرقه الغاز المصاحب لعمليات استخراج النفط والذي يصل إلى 1.55 مليار قدم مكعب يوميا، أي ما يعادل 10 أضعاف الكمية المستوردة من إيران.
وكان متوقعا أن يستثمر العراق 10 مليارات دولار في مشاريع نفط وغاز من أجل إنهاء اعتماده على إيران في غضون أربع سنوات، ومع ذلك، لم يحرز أي تقدم في هذه المشاريع. إن مشاريع النفط والغاز تحتاج الى عدة سنوات قبل أن تبلغ طاقتها الإنتاجية وتوقف الاعتماد على الغاز الإيراني.
لقد شهد العراق عجزا في قطاع الطاقة خلال السنوات الماضية، رغم امتلاكه احتياطات كبيرة من النفط والغاز، حيث كان أحد أسباب تأجيج الغضب الشعبي، وتدفع بغداد 1.5 مليار دولار سنويا لطهران نظير استيراد الكهرباء منها وفقا لتقارير.
حيث أعلنت وزارة الكهرباء العراقية أن البلد ينتج حاليا 19.5 ميغاواط من الكهرباء ويحتاج إلى 26.5 ميغاواط ، حيث يعوض الفارق من خلال استيراد 7 ميغاواط (7 آلاف ميغاواط) من إيران المجاورة، ولا تشمل تلك الأرقام إقليم كردستان شبه المستقل في شمالي العراق.
وقعتا طهران وبغداد في وقت سابق من شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي على اتفاق لتنفيذ مشروع الربط الكهربائي بين الطرفين، والذي يهدف إلى تبادل الكهرباء بين البلدين واستغلال كل طرف طاقة الآخر في أوقات يصل فيها الاستهلاك إلى ذروته.
وقال داود فرخزاد مدير الشركة، في تصريحات إعلامية، إنّ عملية مزامنة شبكتي الكهرباء العراقية والإيرانية تمت من خلال خط العمارة ـ كرخة، بطاقة قدرها 400 كيلوفولت.
تراكم ديون استيراد الكهرباء:
يبلغ حجم الديون الإيرانية بذمة العراق نحو 4 مليارات و600 مليون دولار تقريبا، تم تأسيس شركة في العراق لتسديد الديون لصالح إيران، وأعلن رئيس الغرفة التجارية المشتركة في إيران والعراق، حميد حسيني، عن تأسيس الشركة أن هذا المبلغ تطلبه إيران من بنك “TBI ” العراقي، وبناء على الاتفاق بين البلدين، ستقدم إيران “قائمة البضائع والمواد الخام التي تحتاجها”، إلى هذه الشركة، حيث تقوم الأخيرة بشراء “السلع الأساسية” وترسلها إلى ايران، بسبب العقوبات المفروضة عليها، إذ يمنع تحويل الدولار الى ايران، ويجب ان يحول الى دينار عراقي ومن ثم يتم شراء مواد أساسية كالقمح والشعير والأدوية وتحويلها الى ايران، لهذه التعقيدات لا تطلق مبالغ الا بشكل قليل جدا .
الجانب الإيراني لم يوضح نوعية الديون المترتبة على العراق، على الرغم من الإعفاء الأميركي المؤقت للعراق والذي يشمل استيراد الكهرباء من إيران فقط.
العراق غير قادر على دفع ثمن الغاز والكهرباء اللذين يستوردهما من إيران إلى طهران بسبب العقوبات، ولهذا السبب، تجد البنوك العراقية صعوبة في تحويل الأموال إلى إيران،
حيث اكد عبد الناصر همتي، محافظ البنك المركزي الإيراني، عقب زيارة له إلى العراق في 19 حزيران/يونيو الماضي، أن بغداد وافقت على سداد ديونها المتعلقة باستيراد الغاز والكهرباء إلى إيران من خلال تصدير المواد الغذائية والأدوية، حيث اعلن مسؤولون إيرانيون أن ديون العراق لبلادهم مقابل صادرات الكهرباء والغاز تبلغ نحو ملياري دولار، ولا يعرف ماهية ديون المليارات الثلاثة المتبقية.
هذا وتقول الحكومة الإيرانية إن إجمالي التجارة بين إيران والعراق يبلغ 12 مليار دولار سنويا، لكن بالنظر إلى أن إيران توقفت عن نشر تفاصيل تجارتها الخارجية منذ مارس/ آذار 2019 بسبب العقوبات، فإن تفاصيل التجارة الحالية بين إيران والعراق غير واضحة.
وكان الرئيس الإيراني حسن روحاني قد أعلن خلال زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى طهران، أن التجارة بين البلدين يجب أن تصل إلى 20 مليار دولار سنويا.
هذا وتحاول طهران استخدام القناة المالية العراقية لتلبية مشترياتها الخارجية والتحايل على العقوبات الأميركية.
من جانب آخر تضغط الحكومة الإيرانية على الجانب العراقي باعتزامها تقليل صادراتها من الغاز المولد للطاقة الكهربائية للعراق بمقدار النصف تقريباً، بسبب عدم تسديد العراق مستحقاتها وتراكمها طوال الأشهر الماضية، لكن هو وحسب العقد ان ايران بحاجة الى الكهرباء في موسم الشتاء اكثر منه في فصل الصيف.
قالت وزارة الكهربــــاء إن انخفاض كميات الغاز الإيرانــــي المجهــــز للمحطــــات التوليديــــة من 40 مليوناً إلى خمســــة ملايين قدم مكعب قياســــي فقط ، تســــبب بحرمان العراق من خمســــة آلاف ميغاواط من الطاقة المتاحة ، حيث الأيــــام القليلــــة الماضية شهدت تراجعا كبيرا بضخ الغاز الإيراني المجهز لعدد مــــن المحطات التوليدية، مــــا خفض الانتاج فيها وتسبب بزيادة القطع المبرمج.
التخفيض سيجعل تجهيز الكهرباء شبه معدوم في بغداد والفرات الأوسط، وأن قرار تخفيض نسبة تجهيز الغاز الإيراني يأتي بعد أسبوعين من اتخاذ قرار مماثل، وهو خفض نسبة التجهيز من 50 مليون متر مكعب إلى 5 ملايين متر مكعب”.
الجانب الإيراني عزا اسباب انخفاض تجهيز الغــــاز إلى زيــــادة الطلب عليــــه من قبله وتجمد بعــــض مقاطــــع الانابيب التــــي توصل الغــــاز إلــــى العــــراق، إضافة إلــــى تأخر الــــوزارة بتســــديد بعض المســــتحقات المالية التي بذمتها للجانب الإيراني.
وأن أكثر المحافظات التي تضررت نتيجــــة ذللــــك، هــــي بغــــداد ومحافظــــات الفرات الاوســــط وانعكس بالتالي على الشبكة في عموم البــــلاد”، مؤكــــدا أن حجــــم التجهيــــز بالعاصمة يتراوح بين ثماني الى عشر ساعات، بينما كان تجهيز بالمحافظات يتراوح بين ثماني الى 20 ساعة يوميا.
تسعى وزارة الكهرباء لإجــــراء اعمال الصيانــــة وإعــــادة التأهيــــل لعدد مــــن الوحدات التوليدية التي تصل طاقاتها إلى ٤ آلاف ميغاواط وهــــي خارج الخدمة الآن وتســــعى لادخالها قبل موســــم الصيف المقبل، لتســــهم بتحســــن واقع المنظومة وساعات التجهيز”.
وتظهر الاثار لهذا الانقطاع على بغداد، فهي من أكثر المحافظــــات التــــي تعاني مــــن مشــــكلة تجهيز الطاقــــة خــــلال الصيف لقــــدم وتهالك شــــبكات النقل والتوزيع فيها إضافة إلى كثرة الاختناقات والاعطاب، وعليه ووفق هــــذه المعطيات، فإن تخفيض الغاز الإيراني إلى النصف، سيؤدي إلى إلحاق ضرر بقطاع الكهرباء العراقي الذي يعتمد ثلث طاقته على ما يستورده من الغاز والكهرباء الإيرانيين.
محافظات وسط وجنوب العراق ستكون الأكثر تضرراً، ومنها بابل والناصرية والبصرة، التي تعتمد بشكلٍ شبه كلي على الغاز الإيراني، ناهيك عن بغداد، التي تراجعت ساعات تجهيز الكهرباء فيها إلى 4 ساعات في اليوم الواحد.
هذه المشكلة تتجدد في كل فترة حسب الظروف داخل ايران ، إلا أن بعض المسؤولين في وزارتي النفط والكهرباء يسعون إلى حلها دون جدوى.
العراق يمتلك الغاز عالميا ويستود من ايران ؟
العراق في المرتبة العاشرة عالمياً بامتلاكه الغاز الطبيعي، إلا أنه لا يستفيد منه، ان “18 مليار متر مكعب من الغاز المصاحب يحترق سنوياً، دون أن يستفيد العراق منه، وذلك لوجود جهات لا تريد للعراق أن يعتمد على نفسه في توفير احتياجاته.
من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي في العراق عبد الرحمن المشهداني، أن الأزمة المالية إضافة إلى الفساد في الأحزاب التي تتحكم بميزانية البلاد، تمنع تسديد الديون من جهة، وتمنع العراق من تنشيط غازه الطبيعي من جهة أخرى.
تواصل واشنطن فرض عقوبات صارمة على قطاع الطاقة الإيراني منذ عام 2018، لكنها منحت العراق سلسلة من الإعفاءات المؤقتة على مدار العامين الماضيين، وهو ما يسمح لبغداد بشراء الغاز من طهران، ودفع ثمن الواردات عن طريق إيداع الدينار العراقي عبر المصرف العراقي للتجارة المملوك للدولة، ما يسمحُ لإيران باستخدامه لشراء سلع غير خاضعة للعقوبات.
ووفقاً لتقارير سابقة، فإن بغداد تدفع نحو 1.5 مليار دولار سنوياً لطهران نظير استيراد الكهرباء والغاز، وكانت هذه المشكلة واحدة من أبرز الأسباب التي أدت إلى اندلاع التظاهرات الشعبية خلال السنوات الماضية، وتحديداً في البصرة وبغداد.
وختاما يعاني ملف الطاقة من سيطرة الأحزاب والفصائل المسلحة والعصابات، وليس أمام الحكومة العراقية غير تحرير هذا الملف من الجهات النافذة، ومن ثم الاعتماد على مصادر الغاز في العراق من أجل توفير الاحتياجات، وتشير تقارير إلى أن العراق بحاجة لنحو 3–4 سنوات من العمل المتواصل، والبيئة الصالحة، للاستثمار ليعتمد على اكتفائه الذاتي من الغاز لكن متى سيبدأ العمل؟
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية