يعلق جان مونيه -وهو أحد الآباء المؤسسين للاتحاد الأوروبي على التحديات التي تنتظر أوروبا في الفترة القادمة- قائلا إن القارة ستواجه عددا من الأزمات، وإن مستقبل المنطقة سيتحدد على ضوء الحلول المعتمدة للتعامل مع تلك الأزمات.
وفي تقرير نشرته صحيفة ديلي تلغراف (The Daily Telegraph) البريطانية يسلط الكاتب توم ريس على أبرز التحديات التي تنتظر الاتحاد الأوروبي خلال العام الجاري بعد الأزمة الحادة التي مرت بها المنطقة في 2020 جراء جائحة كوفيد-19 وخروج بريطانيا من الاتحاد.
وأشار الكاتب إلى أن أزمة كورونا تسببت في رفع قيمة ديون بعض دول المنطقة إلى ما يزيد على 100% من الناتج المحلي الإجمالي، لذلك من المنتظر تنفيذ خطة إنعاش اقتصادي بمبلغ 750 مليار يورو.
وترى جيسيكا هيندز الخبيرة الاقتصادية المعنية بشؤون أوروبا في “كابيتال إيكونوميكس” (Capital Economics) أنه بالنظر إلى أعباء الديون المرتفعة التي سيخلفها هذا الوباء سيكون من الصعب للغاية الوصول إلى نسبة ديون عند 60% من إجمالي الناتج المحلي.
ويقول وزراء فرنسيون إن العودة إلى القواعد الخاصة بالديون وعجز الميزانيات -التي كانت معتمدة قبل الجائحة والتي تنص على عدم تجاوز عجز الميزانية في الدول الأعضاء سقف 3%، وحجم الديون 60% من إجمالي الناتج المحلي لكل دولة- أمر لا يمكن تصوره في الفترة الحالية.
تغيير طريقة التعامل مع الأزمة
ترك البنك المركزي الأوروبي سعر الفائدة على الودائع عند مستوى قياسي منخفض بنسبة 0.5%، واعتمد في المقابل على شراء السندات وتزويد المقرضين بسيولة رخيصة للغاية.
وفي هذا السياق، يقول بيرت كولين الخبير المالي بمجموعة “آي إن جي” (ING) إنه من المرجح أن يسير البنك المركزي الأوروبي على خطى نظام الاحتياطي الفدرالي الأميركي من خلال مراجعة سياساته السابقة بشأن معدلات التضخم، ويعني ذلك السماح بالوصول إلى معدلات تضخم قصوى قبل اتخاذ سياسات متشددة في وقت لاحق.
المشهد الاقتصادي بعد ميركل
ويقول الكاتب إن ألمانيا تستعد لمرحلة ما بعد المستشارة أنجيلا ميركل التي ستترك حزبها في حالة جيدة، متقدما بنحو 20 نقطة في استطلاعات الرأي، بعد نجاحها في إدارة أسوأ الأزمات الاقتصادية والصحية.
ويؤكد جورج باكلي الخبير الاقتصادي في مؤسسة نومورا (Nomura) أن الانتخابات الألمانية لن تحدد ملامح الوضع المالي في أوروبا ما بعد الجائحة فحسب، بل ستمثل تغييرا جذريا في السياسة الأوروبية ككل.
ويوصف فريدريش ميرتس -وهو أحد أبرز المرشحين لرئاسة حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي- بأنه “دونالد ترامب الألماني”، ومن المرجح أن يعود بالحزب إلى جذوره الأكثر محافظة.
وحسب الكاتب، فإن تشكيل الحكومة القادمة في ألمانيا سيكون عاملا حاسما في تحديد مدى التزام برلين بالإنفاق على برامج الإنعاش الأوروبية في الفترة القادمة.
الأزمة في إسبانيا
في ظل التقلبات السياسية ومستويات الديون المرتفعة يخشى البعض من انضمام إسبانيا إلى إيطاليا لتحتل أدنى المراتب في جدول الأداء الاقتصادي بمنطقة اليورو.
فإسبانيا -التي تعتمد على السياحة والاستهلاك- كانت الأكثر تضررا بين اقتصادات الاتحاد الأوروبي في 2020، ومن المتوقع أن يبدأ اقتصادها بالتعافي خلال العام الجاري مع انطلاق توزيع اللقاح.
وتعمقت أزمة البطالة في إسبانيا، وارتفعت إلى 16%، وتسببت أزمة فيروس كورونا في تأجيج الخلافات بين الحكومة المركزية والحكومات الإقليمية.
اليونان وآمال التعافي
كان من المفترض أن يكون عام 2020 العام الذي يبدأ فيه الانتعاش الاقتصادي في اليونان مع قدوم الحكومة الجديدة المؤيدة للانفتاح الاقتصادي، لكن خطة رئيس الوزراء كيرياكوس ميتسوتاكيس لزيادة نمو الناتج المحلي الإجمالي عن طريق جذب الاستثمارات الأجنبية وخفض الضرائب تعثرت بسبب فيروس كورونا.
ويؤكد الكاتب أن الاقتصاد اليوناني لم يكن قد بلغ مرحلة التعافي بعد حالة الركود التي عاشها خلال السنوات الماضية نتيجة أزمة الديون السيادية، وجاءت جائحة كورونا لتجعل الأمور أكثر سوءا.
ومن المتوقع أن يصل الدين السيادي في اليونان إلى 200% من الناتج المحلي الإجمالي، لتحتل أثينا المركز الثاني عالميا بعد اليابان.
ومن المنتظر أن تضطر الحكومة اليونانية في ظل تراجع عائدات السندات إلى أدنى مستوياتها إلى الاقتراض بمستويات قياسية.
في المقابل، قد يكون وصول اللقاح إلى أوروبا وانتعاش قطاع السياحة والسفر خلال الصيف القادم أحد العوامل التي يمكنها أن تخرج اليونان من عنق الزجاجة، وينقذها -إلى جانب دول أوروبية أخرى- من صيف صعب آخر.
المصدر : ديلي تلغراف