العراق… هل حان موعد التطبيع مع إسرائيل؟

العراق… هل حان موعد التطبيع مع إسرائيل؟

شهد عام 2020 تسارعا في تطبيع العلاقات الرسمية بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، إذ ابتدأت حفلات التطبيع بشكل متسارع في أيلول/سبتمبر، واستمرت حتى ديسمبر/كانون الأول. وقد حققت الدبلوماسية الإسرائيلية نجاحات ملحوظة في اختراق العزلة، التي كانت مفروضة على إسرائيل، وتمكنت من إقرار تبادل التمثيل الدبلوماسي الرسمي مع دولتي الإمارات والبحرين أولا، ليتبعهما السودان والمغرب، وكان لإدارة الرئيس دونالد ترامب دور كبير في إنجاح صفقات التطبيع الإسرائيلي مع هذه الدول، وقد توالت التصريحات الأمريكية الرسمية التي تشجع الدول العربية على الانضمام لقطار التطبيع.
من المعروف للمعنيين بالشأن الإسرائيلي أن العراق يمثل الثقل الأكبر، والبلد الأهم من كل قائمة الدول التي انخرطت في علاقات رسمية مع إسرائيل مؤخرا، فعلى الرغم من أن العراق ليس دولة مواجهة مع إسرائيل، إلا إنه يمثل ثقلا ثقافيا ودينيا وسياسيا بالنسبة للديانة اليهودية، كما أن العراق استراتيجيا لطالما اعتبر كفة الثقل العربي الموازية لمصر في الأهمية.
للطائفة اليهودية في العراق وجود تاريخي ممتد لأكثر من 2500 سنة، كما أن للتلمود البابلي، الذي كتبه أنبياء بني إسرائيل وحاخاماتهم في بابل، وهو ثاني الكتب المقدسة في الأدبيات الدينية اليهودية بعد التوراة، الأهمية الكبرى في الدين اليهودي، ويعد منافسا فقهيا قويا للتلمود الأورشليمي، الذي كتب في فلسطين. كذلك يمثل وجود المزارات، ومقامات أنبياء بني إسرائيل المنتشرة في مختلف مدن العراق، نقطة ثقل أخرى في هذا الأمر، إذ تركز مؤسسات السياحة الإسرائيلية على المزارات اليهودية في العراق، باعتبارها مشاريع سياحة دينية مستقبلية، ستعمل على ترسيخ التطبيع بين شعبي البلدين، وأن هذا الأمر لا يمكن إغفال أهميته بأي شكل من الأشكال، لذلك اعتبرت الخارجية الإسرائيلية والمخابرات الخارجية (الموساد) ملف اليهود العراقيين المهاجرين في إسرائيل من أهم مفاتيح عملية التطبيع، التي يمكن الاشتغال عليها.
وإذا تتبعنا منصات التواصل الاجتماعي العراقية، ومواقع شبكة الإنترنت المعنية بالأمر، سنجد تغزلا واضحا بيهود العراق المهاجرين لإسرائيل، والتأسف على الظلم الذي لحق بهم، وتصوير العراق الذي كان جنة على الأرض أيام كان يهود العراق في بلدهم، وأن التدهور والخراب حلّ بالعراق بعد تهجير اليهود منه، لذلك باتت هذه الجزئية ملفا مخابراتيا إسرائيليا استراتيجيا، يتم العمل عليه بشكل مكثف منذ إطاحة نظام صدام عام 2003، عبر التركيز على نقاط محددة، أهمها مطلب إعادة الجنسية العراقية لليهود العراقيين في إسرائيل، وطبعا سيترتب على ذلك إعادة أموال المهجرين، التي صادرتها الحكومات العراقية السابقة. نغمة التطبيع الإسرائيلي مع العراق، بدت هي الأخطر والأهم بين الاتفاقات التي وقعتها إسرائيل مع الدول العربية الأربع مؤخرا، إذ أن تلك الدول لا يجمع بينها وبين إسرائيل ما يمكن أن يُطبع، وتبدو البروباغندا الإماراتية في هذا المجال أمرا أخرق ومضحكا وهي تبالغ في تصوير الروابط بين البلدين، وكذلك بدا الذهول الشعبي البحريني حيال الأمر، تعبيرا عن عدم الاهتمام بالموضوع، وكذلك كان حال السودان، الذي يحاول أن يلعق جراحه، ويقبل بالتطبيع في صفقة إخراجه من قائمة الدول الداعمة للإرهاب، وحتى في المملكة المغربية التي لم تتميز باحتضان جاليتها اليهودية، التي لم تهاجر إلى إسرائيل نهائيا، فبدت علاقات التطبيع ما تزال غائمة وغير واضحة.

العراق ليس دولة مواجهة مع إسرائيل، إلا إنه يمثل ثقلا ثقافيا ودينيا وسياسيا بالنسبة للديانة اليهودية

يبدو أن المخابرات والخارجية الإسرائيلية، تلقي بثقلها على موضوع التطبيع مع العراق، لأن خبراءهم الاستراتيجيين يعملون على تفعيل الملف على أسس تطبيع شعبي بين الدولتين، وتسويق فكرة التطبيع، للشباب العراقي تحديدا، عبر بعض المفاتيح مثل، ما الذي جنيتموه وستجنونه في المستقبل من صراعكم وعدائكم لإسرائيل؟ يضاف لذلك، العراق ليست دولة مواجهة مع إسرائيل، ولا يوجد خطر أو أطماع إسرائيلية في بلدكم، إذن لماذا لا يحظى البلدان بعلاقات طبيعية تقوم على التعاون؟ كذلك، أن الفلسطينيين يتفاوضون مع الإسرائيليين، سعيا لحصولهم على دولتهم، أنتم ما علاقتكم بالأمر؟ اهتموا بشؤونكم وسنساعدكم في تطوير بلدكم. والنتيجة تصوير عملية التطبيع كمفتاح لتحقيق الإنجازات التي ستحققها دولة إسرائيل، المتقدمة صناعيا وعلميا بالتعاون مع أصدقائها، فلماذا تخسرون أيها العراقيون هذه الفرصة؟ بالإضافة إلى الورقة الأبرز والأهم، وهي تقديم الوعود بمساعدة العراق على التخلص من سطوة النفوذ الإيراني، ورجال إيران من الأحزاب العراقية، التي نهبت البلد وأوصلته إلى حالته الكارثية. كل ذلك بدا طافحا على السطح، لذلك نجد اليوم موجة من الشباب التي تتعاطى مع موضوع التطبيع مع إسرائيل بنوع من السطحية، وتعتبر الأمر مفتاحا لخروج العراق من أزماته، وفي مقدمتها فساد الإسلام السياسي بعد عقدين من سيطرته على الحكم في البلد، وربما قرأ البعض المشهد على أنه مؤشرات على قرب إطلاق عملية تطبيع العراق وإسرائيل. لكن تجدر الإشارة إلى أن تسويق التطبيع والتبشير بعلاقات رسمية مع إسرائيل، لم يعد أمرا مخيفا كما كان بالنسبة للجيل الأكبر سنا من العراقيين، بل أصبحنا نسمع ونقرأ اليوم خلطا مخيفا بين يهود العراق وإسرائيل وحتى الصهيونية، وقد انسحب ذلك ليخلق موقفا سلبيا من الفلسطينيين بشكل عام، ومن الجالية الفلسطينية من اللاجئين في العراق، إذ تمت شيطنتهم وإلحاقهم بفلول الديكتاتور السابق صدام حسين، مع بعض الحقيقة في هذا الأمر.
تصريحات خطيرة في هذا المضمار أطلقت منذ حوالي شهرين، ففي 31 أكتوبر/تشرين الأول 2020 سربت مؤسسة جافاج (JaFaJ) للاستخبارات، خبرا مفاده أن عددا من كبار المسؤولين العراقيين زاروا تل أبيب سرا، وانخرطوا في محادثات سلام مع نظرائهم الإسرائيليين. كما أفادت تسريبات من الخارجية الاسرائيلية، بأن الوفد العراقي ضم مسؤولا كبيرا من مكتب رئيس الوزراء العراقي، وأن اللقاءات تمت تحت إشراف ومباركة جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومستشاره ومبعوثه الخاص للشرق الأوسط، وقد وصفت بعض الجهات الإعلامية الأمر على أنه صفحة من صفحات صفقة القرن التي يعمل عليها كوشنر. تصريحات بعض السياسيين العراقيين حول موضوع التطبيع مع إسرائيل كانت صادمة للجمهور العراقي، وفي مقدمة هذه التصريحات ما أدلى به نائب رئيس الوزراء الأسبق بهاء الأعرجي، الذي كان أحد وجوه التيار الصدري البارزة، قبل أن يبتعد عنهم، فقد صرح في لقاء تلفزيوني في 15 أكتوبر 2020، في معرض ردّه على سؤال حول إمكانية عقد اتفاقية سلام بين العراق وإسرائيل، بالقول «من الضروري أن نعترف بأن العراق مهيّأ جداً لتطبيع علاقاته مع إسرائيل أكثر من أي وقت مضى، وقد يصدر القرار بهذا الشأن من النجف لا من بغداد، وستدخل الولايات المتحدة على الخط وتنسّق الإجراءات الدبلوماسية إلى حين التوقيع على معاهدة السلام، وبداية العلاقات السياسية والاقتصادية». بينما ربط عدد من المحللين السياسيين، بين ملف التطبيع وجولة رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، التي شملت واشنطن وعمان والقاهرة ولندن، وقد اعتبروا أن محركها الأساس كان ترتيب ملف تطبيع العلاقات مع إسرائيل. وقد صرح السياسي العراقي مثال الآلوسي لوسائل إعلام بالقول «إن ملف التطبيع مع إسرائيل يدخل حيز التفاوضات بين رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي والحكومة البريطانية، وهذا الأمر كان ضمن أهم بنود التفاوضات في الزيارة الأخيرة للوفد العراقي للندن، إذ سبق هذه الزيارة الحساسة، تواصل غير رسمي بين بعض الشخصيات السياسية العراقية وإسرائيل، لكن تَحكُّم إيران بالمشهد السياسي العراقي، يحول دون مزيد من التطور الدبلوماسي بين البلدين».
وقد شملت التكهنات والتسريبات التخطيط للمشروع الاستراتيجي، الذي عرف باسم مشروع «الشام الجديد» الذي وقعه الكاظمي مع الملك عبدالله والرئيس السيسي في أغسطس/ آب 2020، الذي اعتبره البعض مفتاحا لربط العراق بالأردن ومصر، الدولتين اللتين تمتلكان علاقات رسمية وتمثيلا دبلوماسيا كاملا مع إسرائيل منذ عقود، وإن المشروع برمته ليس سوى بوابة سيلتحق عبرها العراق بقطار التطبيع. خلاصة الموقف العراقي الرسمي يمكن إيجازه بالاعتماد على تصريحات المتحدث الرسمي باسم الحكومة العراقية الذي ذكر «إن بعض الأطراف السياسية في العراق توجه جمهورها نحو قبول التطبيع مع إسرائيل، وتنتمي هذه الأطراف إلى كتل سياسية كبرى، وهذا بحد ذاته يعكس تفاوتاً بين القوى السياسية داخل الحكومة». ويبدو أن هذا الملف سيشهد تحركا لافتا، لكن ربما بعد الانتخابات المقبلة المقرر إقامتها خريف هذا العام.

صادق الطائي

القدس العربي