كيف لبايدن أن يفكك تركة ترامب الفوضوية؟

كيف لبايدن أن يفكك تركة ترامب الفوضوية؟

واشنطن – لم يفصل على تولي جو بايدن منصبه كرئيس للولايات المتحدة سوى أيام قليلة، بعد أن صادق الكونغرس بمجلسيه النواب والشيوخ الخميس، على فوزه، بعد جلسة طويلة استغرقت عدة ساعات، وعقب أعمال عنف نجمت عن اقتحام المئات من أنصار الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب لمبنى الكونغرس.

ويأمل صناع القرار السياسي في طي صفحة ترامب وبداية مرحلة أخرى أكثر انفتاحا على العالم، في ظل المتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية التي طرأت خلال السنوات الأربع الماضية وفي خضم هذا الوضع تتركز أنظار الكثير من المحللين على تتبع مواقف الإدارة الأميركية الجديدة، التي يتوقع أن تبني أسسا أكثر واقعية.

ومصادقة الكونغرس على فوز بايدن جاء بأكثر من 270 صوتا بالمجمع الانتخابي، وهو الحدّ المطلوب للمرشح للفوز بسباق الرئاسة الأميركية. وانتهت عمليات المصادقة على نتائج المجمع الانتخابي حيث يتقدم بايدن بنتيجة 306 أصوات على ترامب الذي نال 232 صوتا.

وكان أغلبية أعضاء مجلس النواب صوتوا لصالح رفض اعتراض حلفاء ترامب على تأكيد فوز الديمقراطي بايدن بولاية بنسلفانيا في انتخابات الرئاسة، في محاولة أخيرة إما لإلغاء فوز بايدن وإما تأجيل المصادقة عليه. وجاء رفض مجلس النواب لهذا الإجراء بعد ساعتين من تصويت مجلس الشيوخ، الذي رفض بدوره الإجراء بأغلبية 92 صوتا مقابل سبعة أصوات.

والآن يتوق الأميركيون إلى رؤية بلدهم في وضعية وصفها الرئيس الأسبق وارن هاردينغ بالعودة إلى “الحالة الطبيعية والسوية”، بعد صدمة حرب عالمية وجائحة قبل أكثر من مئة عام، بعد اقتراب بايدن من توليه منصبه ليكون الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة.

ويقول مراقبون إن الحقيقة الماثلة أمام الجميع هي أن البلاد اليوم منقسمة على نحو متساو وعميق، مثلما كانت قبل أربع سنوات، ويبدو أن هذا الوضع لن يتغير قريبا.

وشكلت الانتخابات الرئاسية الأخيرة معركة مفصلية بشأن تحقيق طموحات الولايات المتحدة بالنظر إلى مدى الانقسام بين شرائح المجتمع الأميركي، الذي كان ينظر إلى مثل هذه الاستحقاقات على أنها أداة لتوحيد أقوى بلد في العالم.

وبينما سقط ترامب في مستنقع السياسات العنصرية والهوية، سيجد بايدن أنه من المستحيل تقريبا توحيد الأميركيين كما كان الأمر معتادا في السابق.

وما يزيد من القلق، وجود إهمال لهذه المتغيرات الاجتماعية والديموغرافية والأيديولوجية في تطور الولايات المتحدة، ويدلل ذلك على الصعوبات المستقبلية إذ سيحكم بايدن بلادا ترك عليها دونالد ترامب بصماته ولن تكون مهمته سهلة في مقاربة الكثير من الأمور في ظل استمرار سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ.

وحدد روبرت دي كابلان زميل بارز في مركز الأمن الأميركي الجديد في واشنطن وعضو مجلس السياسة الدفاعية في البنتاغون، في تحليل نشرته مجلة “ناشيونال إنترست” الأميركية، مسائل رئيسية قد تكون كفيلة بمساعدة الولايات المتحدة في استعادة دورها الريادي بترسيخ أسس الديمقراطية، على أن يكون كل ذلك بشكل مدروس وفي حدود المعقول.

ويلفت كابلان إلى أن السنوات الأربع الماضية شهدت تقلصا لأثر السياسة الأميركية في عدد كبير من الأزمات العالمية، مرجعا ذلك إلى غياب المهنية الذي يتجلى في عدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، واعتبر أن تصحيح ذلك الخلل كفيل بمعالجة الكثير من الأضرار التي لحقت بالدبلوماسية الأميركية سنوات حكم ترامب.

وغالبا ما كانت الكفاءة مفقودة لدى من يتبؤون مراكز القيادة خلال تلك السنوات بسبب سوء إدارة ترامب، الأمر الذي أصاب ذوي الكفاءات الحقيقية بالإحباط، وبالتالي فإن على بايدن عدم التقليل من شأن التأثير الديناميكي لمجرد توفير القيادة ذات الكفاءة المناسبة في السلك الدبلوماسي وبين موظفي الخدمة المدنية ووزارة الدفاع.

النقطة الثانية التي ركز عليها كابلان، تتعلق بغياب استراتيجية ناجعة لإدارة الأزمات في عهد ترامب، فالطريقة التي عالج بها الرئيس المنتهية ولايته مع أزمة كورونا هي المثال الأوضح على سوء تسيير الأزمات، محذرا من أن المناكفات السياسية لن تكون مجدية بل ينبغي توجيه الموارد وتركيز الجهود للحصول على نتائج ملموسة.

وسرد الرئيس السابق باراك أوباما في كتابه “أرض الميعاد”، الذي أصدره قبل أسابيع، كيف أن صعود ترامب وفوزه بالانتخابات الرئاسية قبل أربع سنوات زعزعا صورة الولايات المتحدة وأدّيا إلى انقسام في البلاد، ولذلك يرى أن الوقت قد حان لمحو فترة التشرذم من الذاكرة في ظل حكم شخصية اتسمت بالضبابية والعمل على بناء بلد موحد.

العرب